إكس خبر- يبدو أن هادم الهيكل الرئاسي على رأس العماد ميشال عون وجماعته في الرياض يعيد بناءه اليوم في لبنان وبوحيٍ من باريس. ليس اسمُ عون جديداً في “بازار” الترشيحات النظريّة ولم يُسحَب ليُعاد طرحه أصلاً، إلا أن الجديد هذه المرة يرتبط بالطارح… والمطروح.
من الواضح أن الانفتاح الأخير الذي تسجله الرابية والمختارة حدّ “الهُيام” وتبادل الكتب والعُصارات والطروح والضيافات أثمر ما لم يتوقّعه أحد خصوصًا أن المختارة لم تكن يومًا موافقةً على طرح عون مرشحًا توافقياً جديًا، حتى إن كواليس الرابية ما زالت حتى اليوم تهمس بما تؤمن بأن جنبلاط فعله حقاً في السعودية عندما زارها “ليخربط” طبخة الإتيان بالعماد بمباركةٍ سعوديّةٍ-إيرانية تُظهَّر على أنها اتفاقٌ داخليٌّ برضى خارجي. ومع ذلك، شهدت المرحلة ما بعد “الصفعة” (حسب العونيين) غزلاً لم تتبادله أيٌّ من الكتل السياسية الأخرى بهذه الحرارة التي نادراً ما كان يتسرّب عنها حديثٌ عن إمكانية الاتفاق على الملفّ الرئاسي خارج إطار “الكليشيهات” التي غالباً ما كانت تصبّ في خانة الانتخابات النيابية التي يعتبرها الطرفان أولويةً. ولكن ماذا حصل لتعود نغمة “ثلث الولاية” الى الرابية؟
حيرةٌ بين القاعدة والقيادة
ما يقوله أبناء التيار الوطني ليس ما يقتنعون به يومًا بعد آخر في قرارات أنفسهم. ففي تلك الدوائر الضيّقة حيرةٌ من جديّة الطرح الذي نادراً ما يُناقش على مسامع الجميع ونادراً ما يُمنَح أهمية وكأنه هو الطرح النهائي لسببيْن رئيسيَّيْن: أولاً تعّهد هؤلاء بألا “يقولوا فول تيصير بالمكيول” خصوصًا بعدما وعدوا أنفسهم منذ أشهر بانتقال عمادهم من الرابية الى بعبدا وأعدوا عدّتهم للاحتفال بالتسوية المزعومة ليكتشفوا بعدها أن كلمة سرٍّ أطاحت كلّ أحلامهم. وثانياً، لم يفسح عون على ما علمت “صدى البلد” الكثير من المجال لأبناء كتلته للخوض في هذا الطرح خصوصًا أن الموقف منه ضائع: فمن جهةٍ يدغدغ وصول عون الى بعبدا نفوس الجماهير أياً تكن فترة مكوثه في القصر، وهم يعلمون جيداً أن عدم اقتناص مثل هذه الفرصة اليوم يعني خسارتها أبداً خصوصًا أنها لن تكون من نصيب عون بعد ستّ سنوات، عندما يبلغ حينها أعوامه الـ85، كما وقد لا تكون الفرصة متاحة أمام المسيحيين لشدّ ركابهم وفرض كلمتهم بانتخاب رئيسٍ قويٍّ بتمثيله وثوابته. ومن جهةٍ ثانية، كلّ تلك الأحلام تتلاشى أمام سؤالٍ يتوقف عنده القادة البرتقاليون: إذا كان عون سيصبح رئيسًا لسنتين بالتوافق ما الذي يمنع هذا التوافق من انتخابه لستّ سنواتٍ كاملة؟
أثمان… لا أثمان
ترفض الرابية على ما تغمز مصادرها لـ”صدى البلد” أن “يكون انتخاب عمادها لسنتين بمثابة جائزة ترضية موقّتة المفعول قد يجعلها تدفع الثمن غالياً بعد انتهاء هذه الفترة وفق معادلة قد يُواجَه بها عون: أخذتَ نصيبك وحان دور سواك ولا يمكنك أن تعرقل. في المقابل، يبدو الربط واضحًا في كواليس الرابية بين هذا الطرح وانتخاب قائدٍ للجيش لا يمكن إلا أن يكون عون راضياً عنه إن لم يكن من حصّته مقابل أثمانٍ حكوميٍّة وبرلمانية يدفعها بالتقسيط بدءاً بإرضاء “المستقبل” في نوعيّة حقائبه في أيٍّ حكومةٍ جديدة ستُشكَّل مع انتخاب الرئيس الجديد، ناهيك عن إبداء ليونةٍ على مستوى القانون الانتخابي الذي لا يُحرِج التيار الأزرق غير المطمئنّ الى أهواء قاعدته لأسبابٍ عدة منها غياب زعيمه وظهور منافسيه المتشددين، وبالتالي هو يصبو الى قانونٍ يحفظ له ماء وجهه السياسي بالحدّ الأدنى لجهة ضمان عدم تراجعه عددياً. أما بالنسبة الى جنبلاط فلا حديث عن مقابلٍ في الأوساط العونية بذريعة أن “الرجل قدّم هذا الطرح من باب استشعاره بخطورة المرحلة والوحوش المتربّصة بلبنان أولاً وبالطائفة الدرزية ثانياً وليس ما تشهده بعض القرى الدرزية الحدودية من استنفارٍ في وجه المسلحين التكفيريين سوى خير دليل”.
محاولة تنفيس؟
قد يقرأها الكثيرون على أنها محاولة “تنفيس” مبطّنة من جنبلاط لبالون عون الذي انتفخ كثيراً في الآونة الأخيرة وكأني ببكّ المختارة أراد أن يقول للعماد: أردتها ستّ سنوات. خذ منها سنتين”، ولكن في أوساط العونيين رأياً مغايراً. تلك الأوساط التي تكابر على “العرض الجنبلاطي” حائرةٌ بين موقفين: فالقاعدة تريد عون رئيسًا بأيّ ثمن ولو ليوم واحد أما القياديون فيبدون أكثر عقلانيةً ولا ينفكّون يكررون السؤال التالي: لمَ لا ستّ سنوات طالما أن الاتفاق سيقع؟ ذاك السؤال يعكس حقيقة ما تؤكده مصادر الرابية عبر “صدى البلد” مشيرةً الى أن “الطرح لم يُقبض جديًا حتى الساعة في أوساط التيار رغم أن العلاقة مع جنبلاط ممتازة ولم تكن سيّئة حتى بعد إفشال وصول عون في السعودية”. هذا وعلمت “البلد” أن “طرح السنتين لم يُرمَ على مسامع عون في الأمس القريب بل كان مطروحاً من جنبلاط تحديداً منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان وكانت أولى علاماتها زلة لسانه في أحد الاحتفالات واستبدال اسم ميشال سليمان بميشال عون. كما جال جنبلاط بهذا الطرح مذاك الوقت على معظم القيادات محاولاً إقناعها بأن ما يطرحه هو بديل الشغور المناسب. علمًا أن أيّ تسويةٍ من هذا النوع، وإن رضي بها عون، لن تسير بلا ربطٍ واضحٍ وجلي مع حكاية قائد الجيش الذي لن يكون إلا شامل روكز في حسابات التيار.
محاولات باطلة؟
إذًا، وفيما يعوّل التيار الوطني -ضمنياً- على دفعةٍ من بكركي من خلال لقاء بطريركها أمس مع الرئيس سعد الحريري خصوصًا أن الراعي قد يؤثر القبول بأيّ مرشّح على الشغور، يبدو أن محاولات جنبلاط لفرض ما يشبه “المرحلة الرئاسيّة الانتقالية” باطلة حتى الساعة في حسابات الرابية… قيادةً لا قاعدة.