و الذي لم يتردد في الإعراب عن صدمته من رؤية فتاة ترتدي الحجاب على شاشة تلفزيون فرنسي، حيث قال -في مقابلة تلفزيونية مع إحدى القنوات الفرنسية يوم 19 مايو/أيار الجاري- إنه “أمر صادم”.
واعتبر الوزير أن الفتاة مختلفة عن المجتمع الفرنسي، “هذا الأمر يؤكد أنه من اللازم علينا أن نظهر النموذج الذي نسعى إليه.. من الواضح أن هناك نية لدى المسلمين الشباب لخوض معركة ثقافية، هل يسعى المسلمون في نهاية المطاف للتكامل مع النموذج الثقافي الفرنسي؟”.
وربط الوزير الفرنسي بين موضوع مريم والشباب المتأثر بأفكار تنظيم الدولة بقوله “لدي شكوك، أظن أن بعض الشباب قد يميلون للاقتناع بنظريات تنظيم الدولة، لا بد من حوار ثقافي موسع لكي نصل إلى إسلام عصري يتصدى للإسلام الرجعي”.
مع العلم أن موقف الوزير يتعارض مع دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -في لقاء مع صحفيين من قناة “بي أف أم” وموقع “ميديا بارت” يوم 16 أبريل/نيسان الماضي- إلى وجوب احترام الحريات الدينية في بلاده للحفاظ على وحدة المجتمع، وقوله في اللقاء نفسه إنه يحترم كل امرأة ترتدي الحجاب.
وأكثر ما أغاض الأصوات الرافضة للحجاب عموما في المجتمع الفرنسي هو ظهور الفتاة مريم وهي تتحدث باسم اتحاد الطلبة، إذ علقت كاتبة وناشطة تدعى سيلين بينا بالقول “إنه تسرب وتسلل إلى النقابة الطلابية من قبل الإخوان المسلمين”، في حين ذهب جوليان دراي، وهو نائب سابق لرئيس نقابة الطلاب، إلى القول “إن قيادة النقابة التي تقبل هذه السيدة الشابة قائدة تفسد كل نضالنا في الجامعات”.
مريم ترد
وكما “صدم” لظهورها في التلفزيون وهي ترتدي الحجاب، والعنيف، إذ قالت في حوار لموقع “بوزفيد نيوز” نشرته يوم 20 مايو/أيار الجاري إنها لم تكن تنتظر أن تتحول قصتها إلى قضية دولة، وأشارت إلى أن حجابها لا علاقة له بالسياسة وهو يتعلق بإيمانها الشخصي “حجابي ليس رمزا سياسيا”.
ورفضت مريم ربط الوزير بين حجابها والشباب الذين ينجذبون إلى تنظيم الدولة، وقالت إن الأمر يتعلق بتربية الشخص، فكلما منحت الفرص للشباب كي يدرسوا ويذهبوا إلى الجامعة ويشكلوا آراءهم الشخصية، فلن يكون هناك مخاوف من وجود شباب يتجه نحو التطرف.
وقالت مريم في حوارها “أنا مواطنة فرنسية، أزاول دراستي في مؤسسات لائكية وعامة، وحجابي هو اختيار شخصي ارتديته عن قناعة دينية، لكن في إطار احترامي للقانون الفرنسي وللآخرين، ومن هذا المنطق لم تكن هناك حاجة لطرح هذا النقاش”.
وفي مقابل المنتقدين لظهور الفتاة المحجبة على قناة تلفزيونية فرنسية، رفض الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا (جامعة السوربون بباريس) ما اعتبره خطاب الكراهية الذي يتحدث به بعض السياسيين الفرنسيين والشخصيات العامة، وجاء في بيان أصدره أنه “إذا كانت مريم تتعرض للانتقاد، فلأنها امرأة مسلمة ترتدي الحجاب ولأنها أيضا طالبة لها مسؤوليات نقابية”.
ويرى المدافعون عن مريم أن القانون الفرنسي لا يمنع الطالبات في الجامعات الفرنسية من وضع الحجاب خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة إلى المدارس الابتدائية والثانوية التابعة للقطاع العام.
كما تلقت الفتاة المسلمة الدعم في مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسم (هاشتاغ) “أدعّم مريم”، وقد أقرت هي نفسها في حوارها لموقع “بوزفيد نيوز” بالدعم الذي تلقته من زملائها ومن بعض الناس، وقالت إن هذا الدعم ساعدها على تخطي الأيام الصعبة التي مرت بها بسبب الانتقادات التي وجت إليها.
ورغم الضغوط التي تتعرض لها، تؤكد مريم في حوارها أنها لن تقدم استقالتها “لأنهم قالوا لي أنت محجبة وليس لك الحق”، وأنها ستواصل معركتها على المستويين الشخصي والمهني، وقالت إنها عندما تدافع عن الطلبة لا تنظر للون بشرتهم ولا لجنسهم ولا لفلسفتهم في الحياة.
جدال متجدد
وتلقي قصة مريم بظلالها على ظاهرة العداء التي يبديها بعض الفرنسيين للمرأة المحجبة، إذ ينظرون إليها على أنها شخص غير مرغوب فيه بالمجتمع الفرنسي، ولا يشفع لها حتى كونها مندمجة معهم وتلتزم بقوانين الدولة اللائكية، وقد تعرضت الكثير من المحجبات لمضايقات كان آخرها منع أحد أفخم المطاعم الفرنسية في قلب باريس نساء محجبات من ارتياده.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس قد “صدم” الكثير من الأوساط الفرنسية قبل العربية والإسلامية عندما صرح في السابق بأن “الحجاب لا يمثل موضة عابرة، إنه ليس لونا ترتديه المرأة بل إنه استعباد للمرأة”، لافتا إلى أنه يشكل “الرسالة الأيديولوجية التي يمكن أن تنتشر وراء الرموز الدينية”.