يارا عرجة
حسين يوسف. هل ما زلتم تذكرون دموعه المحبوسة في عينيه، وشعلة القوّة المضيئة التي تنبعث من وجهه وجسده الذي أهلكه ثقل الزمن وألم الفراق؟ هو والد العسكري المخطوف لدى “داعش” محمد يوسف. ذلك الوالد الأبي الذي ما زال ينتظر وحيداً في خيمته في رياض الصلح، يناضل متحلياً بالصبر، ينتظر يوم الإفراج عن فلذة كبده. ولّت الأيّام وطال الزمن والملف معلّق، منسي. الشبّان لا علم عنهم ولا خبر، والمسؤولون في خبر كان. الساحة التي كانت سابقاً مكتظة بالحضور أصبحت فارغة لا يسرح فيها سوى الطيور… وحدهم الآباء والأمهات يشاطرون الوجع، يتحسسون الغصة، يقبعون في أماكنهم لا حول ولا قوة لهم غير الرجاء.
أمس ثأر معروف حمية لابنه العسكري الشهيد بقتل حسين الحجيري، ابن أخ مصطفى الحجيري “أبو طاقية” الذي اضطلع بدور في خطف العسكريين كما قيل. ذنب حسين أنه يعيش في بيئة تسيطر عليها عادات متحجّرة وعقليّات متخلّفة وبائدة، تأخذ حقّها بيدها من غير وجود دولة قانون تفرض هيبتها وتطبق العدالة. إنّها شريعة الغاب ومنطق “العين بالعين والسنّ بالسن”. وما زاد الطين بلّة أن الفريقين ينقسمان شيعةً وسنّة، وقد أجّج هذا الامر الحرب السورية المستعِرة. قتل وقتل مضاد، أنهار دماء تسيل، أمهات ثكلى، من يوقف مسلسل الرعب هذا؟ وهل قتل حميّة لروحٍ سيشفي غليله ويعيد له ابنه ويُبرّد قلبه؟ الأكيد أن هذا الفعل ينمّ عن يأس وعجز إنسانيين يعيشهما مطلق شخص فقد فلذة كبده غدراً، فلا يبقَ أمامه سبيل غير الذهاب إلى الثأر ليشعر بأن بعضاً من عذاباته قد انتقل إلى عدوّه إن جاز القول.
وارتباطاً بهذه المسألة تطلّ مسألة العسكريين المخطوفين برأسها من جديد، فكان لنا حديث مع حسين يوسف من خيمته الذي يروي كيف توعد معروف حمية الحجيري منذ سنة وعشرة أشهر بالثأر لابنه قائلاً “لم نكن نعلم أنه سينفذ العملية، ولكن منذ شيوع خبر استشهاد ابنه حمية، أعلن أنه متوجه للأخذ بالثأر من عدة أشخاص أعلن عن أسمائهم حينها محمّلهم مسؤولية ما حصل، من بينهم مصطفى الحجيري والمختار شقيق “أبو طاقية” ورئيس بلدية عرسال علي الحجيري. واستمرّ في متابعة الموضوع إلى أن شاءت الظروف ووقع بين يديه حسين الحجيري.
لا نتمكن من تحديد المعطيات التي جعلته يتأكد من اتهامه وبنفس الوقت لا نتمكن من إدانته ولا تبرئته، فهو المجروح وهو من خسر دم ابنه”. في هذا السياق، يضيف يوسف “أقدّر ظروف معروف حميّة، فهو أب خسر ابنه. أنا لا ألومه ولكنني بالوقت نفسه لا أستطيع إدانته، ولكنني كنت أتمنى لو تحلّ هذه الأمور من طريق المؤسسات والاطر القانونية كي لا تؤدي هذه الأمور إلى فتنة. يجب أن لا يأخذ هذا الموضوع أكبر من حجمه، ويمرّ هذا الحادث بخير. فما حصل ليس سهلاً لا علينا ولا على والد الشهيد ولا على آل الحجيري ولا على أهل عرسال واللبوة واللبنانيين. لأنّ محمد حمية إنسان شريف، له كرامة وضمير يمثل مؤسسة عسكرية، يجب أن يكوم مآل الأمور أفضل مما هو عليه. نحن نتخوّف من أن ينتقم الخاطفون من أولادنا، خصوصاً أنه ليس لدينا أيّ معطيات عنهم منذ نحو سنة وعشرة أشهر.
نحن نتخوف بالدرجة الأولى من استغلال هذا الحادث لجرّ البلد إلى فتنة لا قدر الله، ومن ردة فعل سيئة قد تجلعنا ندفع الثمن نحن وأولادنا. أتمنى أن لا ينعكس ذلك سلباً على أولادنا”. حسين يوسف موقن أن الدولة تتبع ملف العسكريين لدى “داعش” وتبذل ما في وسعها، متمنياً عليها أن تعجّل في الأمور وتجد لها مخرجاً في أسرع وقت ممكن.