السعودية (اكس خبر): رأى الكاتب عبد الرحمن الوابلي في صحيفة “الوطن”، أن تدفق البترول في بلادنا، هو ما جعلنا شعبا “كسول”، ينتظر “الشغالة والسواق وتوصيل الطلبات بين يديك”، حتى كشفت دراسة أننا أصبحنا ثالث أكسل شعب في العالم، يقول الكاتب “تناقلت وكالات الأنباء ما أورده التقرير الذي نشرته مجلة لانسيت الطبية البريطانية، عن العشرين شعباً الأكسل بالعالم، الذي يؤدي بها كسلها إلى الموت، حسب أرقام وإحصائيات منظمة الصحة العالمية، وحظي الشعب السعودي بالمركز المتقدم الثالث بينها، حيث تعاني هذه الشعوب، بحسب التقرير، من عدم ممارسة نسبة كبيرة منها لأي نشاط بدني، مثل المشي أو العمل اليدوي، ما يؤدي إلى إصابتهم بأمراض مزمنة ..
وقد وردت أسماء أربع دول عربية ضمن قائمة الشعوب الأكثر كسلاً بالعالم، وهي السعودية في المرتبة الثالثة عالمياً، والكويت بالمركز السابع والإمارات العربية المتحدة بالمركز التاسع، والعراق بالمركز الرابع عشر.
وأورد التقرير أن سبب كسل شعبَيْ الكويت والإمارات هو في ابتعادهم عن العمل خارج المكاتب، وميلهم للأعمال الإدارية.
أما سبب كسل الشعب السعودي فهو ناتج من سبب ضعف الحركة، التي أدت إلى انتشار أمراض مزمنة بينهم، على رأسها داء السكري”، ثم يتذكر الكاتب حياة ونشاط الشعب السعودي قبل نحو 50 عاماً ويقول “أنا أعتقد أن المجلة البريطانية الطبية المذكورة، لو أجرت بحثاً علميا، عن أنشط شعوب العالم، قبل خمسين سنة، لحظي الشعب السعودي بالمركز الثالث، كذلك، وبلا منازع. وذلك يوم كان السعوديون، هم مَن يبنون بيوتهم بأيديهم أو بأيد سعودية، وكذلك يحفرون الآبار وينقلون الرمال وهم من يقطعون الحصى من الجبال ويقصون الأشجار لبناء منازلهم. وعندما كان الأب يذهب للسوق ويشتري مقاضي المنزل ويحملها على رأسه وبين يديه ويوصلها لبيته مشياً على الأقدام، ويوم كانوا يزرعون حقولهم بأنفسهم ويرعون مواشيهم وإبلهم بأنفسهم كذلك. يوم كان في كل مدينة متوسطة واحدة وثانوية واحدة، ويتحرّك إليها الطلبة والأساتذة مشياً على الأقدام، حيث تبعد المدرسة عدة كيلو مترات عن معظم الأحياء، وغير ذلك من دواعي الحركة والنشاط البدني”.
ويعلق الكاتب متسائلاً “إذاً ما الذي أصابنا نحن الشعب السعودي لنكون ثالث أكسل شعب بالعالم، ونصبح فريسة سهلة، لأمراض السكري وتصلب الشرايين والقلب والكلى والضغط، لتفتك بنا؟ ..
يذكر التقرير سبباً واحداً فقط وهو عدم الحركة، لا بسبب وظيفة ولا تكنولوجيا ولا هم يحزنون. ولكن ما هو عذر الشعب السعودي، في عدم رغبته في الحركة؟ وهو لا يستطيع حتى إنتاج الأرز، المكوّن الأساسي، لوجبته الشعبية المفضلة “الكبسة”، ولا المواد الأساسية المكوّنة للبسه الشعبي، الثوب والشماغ والعقال؛ ناهيك عن بناء مسكنه وسفلتة ورصف وتشجير شوارعه وتشييد مشاريع بنيته التحتية والفوقية، التي تقوم بها العمالة الأجنبية، بالنيابة عنه”.
ويضيف الكاتب “مسألة الكسل الجماعي هذه، لم تنتج عن سبب واحد أو سببين أو حتى ثلاثة، يمكن رصدها ومعالجتها. المسألة أعتقد بأنها أعقد من ذلك، حيث هي مشكلة تحولت، لبنية بدنية ونفسية وذهنية، تبدأ من البيت، حيث الطفل يصرخ بغضب ينادي على الشغالة، لتحضر له ماء، وهو منهمك في لعب البلاي ستيشن. حتى يكبر ويقدم له في المدرسة عدة وريقات “ملخص”، ليحفظها ويمتحن بها وينجح بتفوق. والغريب أن المدرسة عندما تطلب منه إعداد لوحة مثلاً، كجزء من النشاط اللاصفي، يطلب منه الذهاب لخطاط أو رسام، ليعملها له. وفي الجامعة، يجد الطالب مَن يعد له بحوثه ومشاريعه العلمية، من مكاتب خدمات الطالب.
أي أصبحت الدراهم بالنسبة له كالمراهم تداوي له كل الجروح. أي أن البيت والمدرسة والجامعة، كلها تتعاضد على زرع وتنمية الكسل الجسدي والعقلي، في الناس. ولذلك فليس بالمستغرب أن يصبح السعودي محفولاً مكفولاً، فقد قيل إن المملكة كانت أكبر ورشة عمل نشطة في القرن العشرين، تدرب فيها أناس من كل شعوب الأرض، إلا السعوديين .. حركة الناس اليومية، هي من البيت للعمل “المكتبي”، الذي لا ينجز فيه شيء يستحق الذكر، أو للمسجد، القريب جداً من البيت، ومشوار للبقالة، عادة ما يؤديه السائق. وإذا “طفش” الناس من بيوتهم، فهم يذهبون لاستراحات، يمددون بها، أو مقاهٍ، يجلسون بها الساعات الطوال. ومع وجود صالات رياضية “جم”، فمن المشهور عن السعودي أنه يدفع فيها اشتراك ثلاث سنوات، بمبلغ ثلاثة آلاف ريال، ويذهب لها فقط ثلاث مرات لا غير.
ملابس الرجال “الثوب” والنساء العباءات، كذلك تتواطأ في إخفاء الترهلات من جرّاء الكسل الزائد؛ ولذلك، لا خجل من الكسل، ما دامت آثاره مختفية عن عيون الآخرين .. الطقس الحار المغبر في معظم أشهر السنة في معظم مناطقنا، كذلك يحبط مَن لديه رغبة في المشي، هذا في حال وجد ممشى، يبعد عشرين كيلو متراً من منزله، ولو لنصف ساعة في الأسبوع. زيادة على أن شوارعنا الداخلية، ليس فيها أرصفة للمشي”.
ويضيف الكاتب كاشفاً عن تأثير البترول في حياتنا ” الرياضة كنشاط صحي مطلوب، معدومة من قاموس ثقافتنا، حيث لم نكن بحاجة إليها؛ لأن حياتنا كانت كلها حركة ونشاطاً، رجالاً كنا أم نساءً، ولكن عندما تدفق البترول كالشلالات من تحت أقدامنا؛ أصبح بالنسبة لنا، كمن حصل على الفانوس السحري “شبيك لبيك الشغالة والسواق وتوصيل الطلبات بين يديك”، غابت الحركة والنشاط من حياتنا اليومية، ولم نجد الرياضة كنشاطٍ، حاضر لنعوّض بها صحتنا، عن فقداننا الحركة اليومية في حياتنا ..
حتى مادة الرياضة البدنية، همّشناها في مدارس الأولاد وجامعاتهم، وحرمناها في مدارس البنات وجامعاتهن”. وينهي الكاتب بقوله “لا غرابة أننا أصبحنا دوماً نشتكي من قلة الأسرّة في مستشفياتنا، خاصة أسرّة غرف العنايات المركزة، التي تستقبل المصابين بالجلطات من تصلب الشرايين والسكري. يعني أصبحنا الآن أمام معضلة وجودية كأداء، إما أن يطول عمر البترول وتقصر أعمارنا؛ وإما أن يقصر عمر البترول وتطول أعمارنا، وكل خيارٍ منهما أمرّ من الثاني”.