تأثير طقس الشتاء على استقرار الهرمونات في جسم الانسان واضح وتأثيره كبير على الحالة النفسية ومزاج كل منا جلّي.
طقس الصيف الذي يتميز بالحر يؤثر في مركز الانفعال في المخ فيستثار الانسان من ابسط الاشياء وتتوتر الاعصاب.
وفي فصل الشتاء يعاني الانسان بما يعرف بالكآبة الشتوية او ما يعرف بالاضطراب العاطفي الموسمي ويصاب بالخمول والفتور نتيجة هذه الكآبة والحزن الموسمي الذي يصل الي حد الانتحار حيث تذكر الاحصائيات ان معدل الانتحار في دول شمال اوروبا يزداد كثيرا في شهري ديسمبر ويناير من كل عام بسبب هذا الاضطراب العاطفي الموسمي او الكآبة الشتوية.
ويتساءل القراء الاعزاء لماذا يصاب بعض الناس بالكآبة في فصل الشتاء وماهي عوامل الطقس التي تسبب الاضطراب العاطفي الموسمي والاكتئاب والحزن الشتوي؟
الاجابة من خلال احدث الابحاث الطبية بان فصل الشتاء يتميز بقصر ساعات النهار وطول ساعات الليل وتلبد السماء بالغيوم احيانا التي تحجب ضياء ونور الشمس وهذا يؤدي الى اطالة أمد «الميلاتونين» الذي يفرز من الغدة الصنوبرية التي تقع في وسط المخ واماكن اخرى بالجسم اثناء الليل الذي ثبت انه وراء حالة البيات الشتوي في الحيوانات ويجعلها ساكنة خاملة وفاترة جنسيا طوال فصل الشتاء.
وينتج عن طول ساعات ليل الشتاء وقصر نهاره وغيوم السماء احيانا انعدام فاعلية هرمون السيروتونين الداعم للمزاج والمخفف لأعراض الاكتئاب ويحد من اشتهاء الطعام.
التغير في مستويات الهرمونات هذا زيادة امد الميلاتونين وانعدام فاعلية السيروتونين يؤدي الى زيادة الشهية للطعام وزيادة الوزن الموسمية في فصل الشتاء.
حالة الطقس تؤثر في الحالة النفسية في الانسان كما تؤثر على حالته الصحية ولياقته البدنية.
وكما ان طقس الصيف بحرارته المرتفعة تأثيرا على مركز الانفعال في المخ وتوتر الاعصاب، فان لفصل الربيع تأثيرا كبيرا على استقرار الهرمونات وارتفاع الروح المعنوية وتدفق مشاعر العاطفة واعتدال المزاج واعتدال الشهية ودفء المشاعر الجنسية.
وفي هذه الدراسة يتناول تأثير طقس الشتاء على الحالة النفسية والعاطفية واضطراب هرمونات معينة تؤثر على وظائف الانسان الحيوية.
زيادة الوزن الموسمية
من أسباب زيادة الوزن الموسمية الاكثار من تناول الاطعمة الدسمة لاكتساب الدفء لدرء برودة الشتاء وعدم ممارسة الرياضة بسبب سوء الاحوال الجوية خصوصا رياضة المشي التي يتوقف الكثير عنها بسبب سوء الاحوال الجوية ولا يعود استعداد الجسم لاكتساب الوزن في فصل الشتاء كله الى عامل البرد ومحاولة التغلب عليه بتناول الاطعمة الدسمة والمشروبات الدافئة ذات السعرات الحرارية العالية التي يلجأ اليها طلبا للدفء.
لكن يعود الى قصر ساعات النهار وطول ساعات اليل وضعف ضوء الشمس اثناء النهار وعتمة السماء وغيوم المساء.
كآبة الشتاء الموسمية
منذ سنوات عدة يعلم الباحثون والعلماء ان تضاؤل ساعات النهار التي تضاء بنور الشمس وطول ساعات ظلام الليل يمكن ان يولد في نفوس الكثيرين شعورا بالكآبة الموسمية التي ترافقهم طوال اشهر الشتاء خصوصا شهري ديسمبر ويناير ويمكن تفسير ذلك بأنه عند احتجاب الشمس فان هرمونات رئيسة معنية تصبح عاجزة عن القيام بوظيفتها بشكل تام.
فالتعرض لضوء الشمس وضيائها في الصباح الباكر يؤدي الى زيادة افراز هرمون الميلاتونين من الغدة الصنوبرية التي تقع في وسط المخ واماكن اخرى بالجسم ويؤثر هذا الهرمون على مستويات الطاقة والمزاج في الانسان.
انعدام فاعلية السيروتونين
تقول الابحاث العلمية ان الزيادة في هرمون الميلاتونين تجعل اقل قدرة وتأثيرا على دعم المزاج واعتدال الشهية، وعندما تتضاءل ساعات الضوء المنبعث من الشمس في نهار الشتاء القصير واحيانا المعتم بفعل غيوم السماء وتزداد حاجة الانسان الى السيروتونين ويتجاوب المخ «الدماغ» مع ذلك عن طريق اطلاق اشارات تنبئ بالحاجة الى المزيد من النشويات والسكريات لان انتاج الجسم للسيروتونين يحتاج الى تناول الاطعمة الغنية بالسكريات والنشويات.
وانعدام فاعلية السيروتونين الذي يطلق عليه هرمون السعادة تجعل كثيرا من الناس يعانون من اعراض الكآبة الموسمية والحزن الشتوي.
أعراض اكتئاب الشتاء
تصل نسبة المصابين بأعراض الاكتئاب الشتوي في الولايات المتحدة الى 10-20 في المئة من افراد المجتمع الاميركي والنساء اكثر عرضة للاصابة بهذا المرض حيث تتضاعف نسبة اصابتهن عن الرجال باكثر من اربع مرات وتزيد اعراض المرض في ايام الدورة الشهرية (الطمث).
وقد تختلف بعض الأعراض من شخص الى آخر الا ان أعراضه الغالبة عادة ما تكون كالآتي:
– الإحساس بكسل شديد وخمول وقلة النشاط.
– الشعور بالإرهاق وتدني مستويات الطاقة.
– صعوبة القدرة على التركيز او التواصل.
– الميل الدائم للنعاس وزيادة فترة النوم.
– اضطراب وتغيير في الشهية خصوصا اشتهاء الأطعمة النشوية والحلويات.
– زيادة في الوزن عن المعتاد.
– الشعور بالصداع وثقل في اليدين والقدمين والاحساس بالاعياء بصفة مستمرة.
– ميل للعزلة والبعد عن المجتمعات وفقدان الاهتمام بالنشاطات المهمة والمختلفة.
– قلق وتوتر لذا يجب التروي في اتخاذ القرارات المهمة.
– الاحساس بالدوران والشعور بالدوخة.
– في البلدان الاسكندنافية تصل المعاناة من الاكتئاب الشتوي الى حالة مرضية مخيفة يقدم فيها المريض على الانتحار وتزيد محاولات الانتحار بشكل كبير في شهري ديسمبر ويناير.
علاج الكآبة والسمنة الموسمية
رغم تقلبات الطقس في فصل الشتاء وسوء الاحوال الجوية واحيانا هطول الامطار وهبوب الرياح الباردة يجب ممارسة الرياضة يوميا وبصفة مستمرة، فهي تحرق السعرات الحرارية الزائدة والمختزنة في الجسم وتمنح الشعور بالسعادة وترفع المعنويات المتدنية وتحسن الحالة المزاجية وتجعل الانسان يتخلص من الشعور بالاكتئاب والحزن بفعل طقس الشتاء.
التعرض لأشعة السمش وضيائها خصوصا في الصباح الباكر في فصل الشتاء لان ضوء واشعة الشمس يزيد من افراز السيروتونين وتزداد فاعليته.
غذاء يعالج الكآبة الموسمية
نوعية الغذاء مهمة في علاج الكآبة الشتوية وزيادة الوزن الموسمية، فمن المفارقات الطبية ان مقاومة الكآبة وزيادة الوزن الناتجة عنها في فصل الشتاء يكون بتناول النشويات ويجب الاستعاضة عن النشويات والسكريات عالية الدسم باختيار بعض انواع من الاطعمة منخفض الدسم وخطة لايجب الحياد عنها.
فتكون وجبة الطعام في الافطار من ا لبروتين والسكريات المربات الخفيفية وعصير البرتقال والحلوى التي تحتوي على السكر تساعد الى افراز هرمون السيروتونين ولذلك يشعر الانسان بالسعادة بعد اكل قطعة شيكولاتة.
والبروتين يساهم بصورة غير مباشرة في افراز هرمون السيروتونين فهو يوفر المادة الخام «تربتوفان» التي يصنع منها السيروتونين والنشويات تساعد في تنشيط افراز هرمون الانسولين الذي يساهم في طريقة غير مباشرة في انتاج السيروتونين ومفعول النشويات يكون اطول بكثير من مفعول «الحلوى والسكريات».
ولوجبة الغذاء مثلها من التنويع فاذا كان الافطار من البيض والجبن او اللبنة وشيئا من السكريات والنشويات كالخبز او البسكويت وبعض العصائر مثل عصير البرتقال او الموز فيكون الغذاء ان امكن من السمك او الدجاج وهي بروتينات او الارز نشويات او تناول الفاكهة والخضراوات الطازجة في الغداء.
وفي وجبة العشاء يكون تناول الاطعمة الخالية من الدسم مثل حبة بطاطا مسلوقة كبيرة او معكرونة كذلك تناول بعض الفاكهة الطازجة.بهذه الطريقة يستطيع الانسان الابقاء على مستوى السيروتونين مستقرا وهذا الاستقرار يحول دون تذبذب الرغبات في تناول الطعام ويمنع بالتالي الزيادة الموسمية في الوزن واعتدال الشهية ويمنع الاصابة بالكآبة الموسمية والحزن الشتوي والاضطراب العاطفي الموسمي.
علاج حالات الاكتئاب الشتوي التي تقدم على الانتحار
صيحة التحذير من الشتاء الذي اصبح موسم الاكتئاب النفسي بسبب قصر نهار الشتاء وكثرة غيوم السماء واصبح ايضا موسما للانتحار صيحة اطلقتها منظمة الصحة العالمية بعد ان رصد العلماء زيادة في نسبة الانتحار في الدول الاوروبية والاسكندنافية واميركا في الولايات التي تندر فيها اشعة الشمس.
وحتى وقت قريب لم يكن يصدق الاطباء ان الانسان يتأثر بالتغيرات المناخية ولكن الدراسات الحديثة تشير إلى ان الانسان يتأثر بطول النهار او قصره كما هو الحال مع بقية الثديات ولكن في العام 1980 لاحظ فريق علمي بالمعهد الدولي للصحة العقلية بولاية ميرلاند ان فسيولوجيا الانسان ووظائف الاعضاء تتأثر بالضوء وان شدته تؤثر على افراز هرمون الميلاتونين من الغدة الصنوبرية التي تقع في وسط المخ.
وجاء تقدير منظمة الصحة العالمية الذي اصدرته اخيرا بمثابة صيحة مما يسمى بالاضطراب النفسي المرتبط بفصول السنة والذي يجعل من الشتاء موسما للانتحار.
وتهتم الدول الاسكندنافية والاوروبية والولايات المتحدة الاميركية بطرق ووسائل مكافحة الاضطراب العاطفي الموسمي ومنها:
> يعرض المريض لصندوق ضوئي يجلس امامه لمدة 30 دقيقة في الصباح يوميا وعادة ما يستمر العلاج حتى تتوافر كمية من اشعة الشمس مع بداية فصل الربيع.
> وقد يستخدم المريض كابا ضوئيا «Light veson» يضعه فوق الرأس ويمكن ان تضبط هذه الاجهزة على ميعاد الاستيقاظ المطلوب وذلك لتثبيط افراز هرمون الميلاتونين فيشعر الانسان بالنشاط.
> وتستخدم الايونات السالبة في علاج الاكتئاب وذلك عن طريق اجهزة تبعث ما يقرب من 4.5 مليون ايون «سم المكعب».
> ويجب عدم ارتداء النظارات الشمسية في فصل الشتاء لانها تزيد الظلمة كما يقول د. نورمان روشل بالمعهد الدولي للصحة العقلية بولاية ميرلاند ان تقليل درجة الظلمة افضل لمن يميل إلى المعاناة من هذا النوع من الاكتئاب