صار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين في عداد الموتى بعد أن وافته المنية اليوم في المملكة العربية السعودية ليطوي بذلك 9 سنوات عاشها هارباً و24 عاما من الحكم الذي ترك بصماته السوداء في ذاكرة الشعب التونسي، وانتهى في أقل من شهر عام 2011 حين أضرم البائع المتجول محمد بو عزيزي النار في جسده في 17 ديسمبر 2010 اعتراضًا على الأوضاع الاقتصادية وقهر البلدية له مما أشعل ثورة في البلاد دفعت به الى الهرب لاجئا الى السعودية.
ومنذ 14 يناير عام 2011 التزم بن علي الصمت ربما بسبب القيود التي فرضتها السلطات السعودية التي قالت عند استقباله إنه “لن يُسمح له بممارسة اي نشاط سياسي”.
إلا أن بن علي وصف في السادس من يونيو 2011 على لسان محاميه الفرنسي جان ايف لوبروني محاكمته بأنها “مهزلة”، وكانت تلك المرة الاولى التي تحدث فيها علنا منذ فراره من تونس.
زين العابدين بن علي
ولد زين العابدين بن علي في الثالث من شهر سبتمبر عام 1936 في حمام سوسة، وتخرج في المدرسة العليا متعددة الأسلحة في سان سير ومدرسة المدفعية في شالون سور مارن والمدرسة العليا للبحوث والأمن بفرنسا.
تولى في مشواره العسكري رئاسة الاستخبارات العسكرية ما بين عامي 1964-1974، ومن ثم رئيس الأمن القومي ما بين 1977-1980.
عمل بن علي سفيرًا لتونس في العاصمة البولندية وارسو عام 1980 ورئيساً للوزراء عام 1987.
الوصول إلى السلطة
في فجر يوم 7 نوفمبر 1987، استمع التونسيون لأول مرة عبر موجات الإذاعة لصوت الرئيس بن علي وهو يقرأ نص بيانه الذي كان بداية عهد جديد، بعد أن نجحت خُطة الانقلاب على الرئيس الأول لتونس، الحبيب بورقيبة، بعد أن بلغ من العمر عتيا، وأعلن سبعة أطباء أنه “غير قادر على الحكم بسبب الخرف”.
ومنذ ذلك التاريخ، دخلت تونس في دورة جديدة دون أن تقطع مع العهد السابق، إذ فتح الرئيس بن علي لأول مرة قصر قرطاج للأحزاب والمثقفين من غير المُنتمين للحزب الدستوري الحاكم منذ استقلال البلاد عن فرنسا.
وفي نوفمبر من عام 1987، أدى بن علي اليمين ليصبح رئيس تونس الجديد، ثم أُعيد انتخابه حتى الفترة الرابعة التي كان من المُقرر أن يتقاعد فيها، عام 2004.
وفي مايو من العام 2002، حصل على الدعم في استفتاء حول تعديلات للدستور بما ضمن بقاءه لفترتي رئاسة أخرى.
وطالما وصفت جمعيات معنية بالحقوق المدنية وعدد من المعارضين السياسيين نظام حكمه بالاستبدادي، مشيرين إلى أنه قيد حرية التعبير ورمى المعارضين في السجون، بالإضافة إلى البطالة التي وصلت في عهده إلى 14 بالمائة.
الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، انعكست على شكل تظاهرات شعبية في يناير اطاحت به في الرابع عشر من يناير 2011.
ثورة الياسمين
في 17 ديسمبر قام الشاب محمد البوعزيزي عام 2010، بإحراق نفسه تعبيراً عن غضبه على بطالته ومصادرة عربته، ومن ثم قامت شرطية بصفعه أمام الملأ، مما أدى لاندلاع الاحتجاجات في اليوم التالي على أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وانعدام وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم.
توسعت الانتفاضة الشعبية وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية مما أجبر الرئيس زين العابدين بن علي، على التنحي عن السلطة والهروب من البلاد خلسةً، حيث توجه أولاً إلى فرنسا التي رفضت استقباله خشية حدوث مظاهرات للتونسيين فيها، فلجأ إلى السعودية وذلك يوم الجمعة الموافق لـ14 من يناير 2011.
وصلت طائرة زين العابدين بن علي إلى جدة بالسعودية، حيث رحب الديوان الملكي السعودي بقدوم بن علي وأسرته إلى الأراضي السعودية.
أحكام وطلب تسليم
في 20 فبراير 2011، وجهت تونس طلبا رسميا إلى السلطات السعودية لتسليمها بن علي “إثر توجيه مجموعة جديدة من التهم للرئيس السابق حول ضلوعه في عدة جرائم خطيرة تتمثل في القتل العمد والتحريض عليه وإحداث الفتنة بين أبناء الوطن بالتحريض على قتل بعضهم بعضا”.
وأضافت أنها طلبت من المملكة العربية السعودية “موافاتها في أقرب الآجال المتاحة بما يتوفر لديها من معطيات بخصوص الوضع الصحي للرئيس السابق بعد أن راجت أنباء بشأن تدهور حالته الصحية واحتمال وفاته”، لكن السعودية تجاهلت الطلب.
وفي 20 يونيو 2011، أصدرت محكمة ابتدائية تونسية حكم بسجن بن علي، 35 عامًا، كما أصدرت المحكمة حكما مماثلا بحق زوجة بن علي ليلى الطرابلسي وغرمتهما معا نحو 65.6 مليون دولار أمريكي.
وفي 15 مايو 2018، حكمت المحكمة العسكرية الدائمة في مدينة صفاقس التونسية، على الرئيس الأسبق بالسجن مدى الحياة، في تهم جرائم قتل عمد أو محاولة القتل.
وخلال الأشهر الأخيرة، تدهورت الحالة الصحية لبن علي بشكل كبير، ونشر محاميه منير بن صالحة رسالة أكد فيها أنه سيعود إلى تونس، لكنه لم يحدد موعدا زمنيا لعودة، أما الشعب التونسي فوافق على العودة في حال ثبت مرضه الشديد، لكن الموت كان أقرب إليه من العودة.