قال الكاتب الأميركي مالكولم غلادويل، في مقال نشر له في مجلة نيويوركر قبل شهور، إن «الثورة لا تتم عن طريق تويتر»، دحض فيها الاعتقاد المبالغ فيه بسطوة وكفاءة شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الديموقراطية.
أضاف ان هذه الشبكات قد تشكل عاملاً مساعداً في النضال ضد التسلط. وفي كتاب صدر أخيراً بعنوان «وهم الإنترنت: الجانب المظلم لحرية الإنترنت»، يدرس المؤلف الكتاب يفغيني موروزوف عددا من الأدلة، ويتوصل من خلالها إلى ان الإنترنت تساعد في الواقع النظم الدكتاتورية بطرق مختلفة. ويقول اننا نعتقد ان المعلومات تجعلنا أحراراً، وان التعامل مع الإنترنت يقود من يعانون من اضطهاد الأنظمة القمعية إلى رحاب الديموقراطية.
بيد أن الإنترنت لا تعد طريقاً ذا اتجاه واحد، فالدول الدكتاتورية أيضاً تجيد استخدام التكنولوجيا. وهنالك دول مثل مصر قد تحجب الإنترنت في بعض الأوقات، ولكنها تستطيع أيضاً الاستفادة منها، ليس فقط في متابعة ومراقبة المعارضين، بل وأيضاً في الترويج لدعاياتها السياسية أو البروبغاندا. ويقول موروزوف انه لا يمكن تحقيق الثورة عن طريق تويتر، بل ان الإنترنت قد تعيق الثورة من النهوض والانطلاق.
سلاح ذو حدين
ولنأخذ حالة الاحتجاجات الإيرانية التي اندلعت في عام 2009، يقول موروزوف في كتابه إن «ثورة تويتر الإيرانية كشفت التوق العميق للغرب، لبروز عالم تكون فيه تكنولوجيا المعلومات عاملاً للتحرر، وليس للقمع والاضطهاد». ويرى ان «الثورة» أحدثت بالفعل تغييراً في الأمور، بالنسبة للمعارضة، ولكن تم ذلك في الاتجاه الخاطئ. فلقد استخدمت الحكومة الايرانية ومؤيدوها من المتشددين الهواتف النقالة وتكنولوجيا الانترنت بطريق ذكية ضد المحتجين. فقد استخلص هؤلاء معلومات من موقع «فيسبوك» كما بعثوا «رسائل تهديد» إلى الايرانيين المقيمين في الخارج، ورسائل نصية تدعوهم للبقاء في مساكنهم وعدم المشاركة في المظاهرات، وحث «المؤمنين الايرانيين» على التصدي للحملة عبر الانترنت.
استخدامات محدودة
وبينما يلقي موروزوف بظلال من الشك حول ما يقال من نجاح المحتجين في استغلال موقع «تويتر» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي في تحقيق أهدافهم، نجد أن «تويتر» لم يكن يحظى بشعبية كبيرة في إيران قبل الانتخابات، حيث كان هنالك 19.235 مشتركا فقط مسجل في إيران، أو نسبة %0.027 من مواطني إيران. وعندما حققت قناة «الجزيرة» التثبت من أن رسائل «تويتر» مصدرها إيران تمكنت ايضا من «التأكيد على أن هناك ستين ناشطا فقط مشتركين في «تويتر» في طهران. وقد انخفض هذا الرقم إلى ستة بعدما استهدفت السلطات الايرانية وسائل الاتصالات عبر شبكة الانترنت».
والعديد من رسائل «تويتر» التي روجت للاحتجاجات ضد الانتخابات كان مصدرها في الواقع إيرانيين مقيمين في الخارج. وقد يكون موقع «تويتر» ساعد في ايصال كلمتهم إلى الخارج، ولكن عند النظر إلى العدد الضئيل نسبيا للإيرانيين من مستخدمي موقع «تويتر»، نجد ان هذا الموقع لا يمكن استخدامه في عمليات تنظيم واسعة النطاق.
وما يثير الخوف أكثر هو الأسلوب الذكي الذي تنتهجه الحكومة في استخدامها للتكنولوجيا، وتحديدا لموقع «فيسبوك» بهدف الاتصال بمواطنيها المقيمين في الخارج.
مصدر للمراقبة
وتحليل مواقع التواصل الاجتماعي يوفر امكانات عديدة أمام النظم التسلطية. فالتواصل فيما بين الناشطين «الأصدقاء» بعضهم مع بعض يسهل عملية التحقيقات التي تجريها السلطات التي تحاول مراقبة مثيري القلاقل. وهذا النوع من رقابة التواصل الاجتماعي قد يقود إلى تعويض التنظيمات القاعدية، حيث يتم الكشف عن الاتصالات الجارية فيما بين أعضائها.
ويعد هذا فقط شكلا متدنيا من اشكال رقابة التواصل الاجتماعي. فهناك اساليب تكنولوجية مخيفة مازالت في مرحلة الاعداد قد تسهل بمكان على الحكومات امكانية التجسس على مواطنيها.
واخيرا، اشار ناشطون إلى أن الحكومة التونسية ظلت تجمع معلومات الدخول التي ترسل إلى موقع «فيسبوك» وموقع «جي ميل» للرسائل الالكترونية مما يمكنها من الوصول إلى رسائلهم وتتابع آخر تواصلهم. كما ان هنالك برنامجا يجري تطويره في جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس، ممول جزئيا من قبل الحكومة الصينية، يستطيع أتوماتيكيا الشرح والتعليق على المواد التي يراها مهمة، مما يلغي الحاجة إلى مشاهدة ساعات طويلة من تسجيلات الفيديو، اذا ما أرادت الحكومة الوصول الى لقطة معينة».
دعماً للديموقراطية
وفي الوقت نفسه، فان الحكومة الأميركية، وغيرها من الحكومات المهتمة بنشر الديموقراطية، نجدها تركز على موقع تويتر على أنه سلاحها السري في المعركة. ففي إحدى خطبها أشادت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأهمية «التكنولوجيا ودورها في نشر الحقيقة، وفضح الظلم»، وخلال الاضطرابات التي جرت في ايران طلب مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية من موقع «تويتر» تأجيل عمليات صيانة الموقع وابقاءه مفتوحاً، لتقديم المساعدة للمشاركين في الاحتجاجات، وانتهى الأمر بتأجيل «تويتر» لاعمال الصيانة.
وفي اوائل الشهر الجاري، ذكرت تقارير صحفية أن وزارة الخارجية الاميركية خصّصت مبلغ 30 مليون دولار لتمويل مشروعات تهدف الى تعزيز حرية التعبير والتدفق الحر للمعلومات في شبكة الانترنت، وغيرها من تكنولوجيا التواصل، لا سيما في الصين وبورما وكوبا وفنزويلا وايران، وهي دول اشتهرت بأنظمتها غير الديموقراطية، وبأنها ليست صديقة للولايات المتحدة.
لكن، للاستفادة من امكانات الانترنت في نشر قيم الحرية علينا أيضاً ادراك أوجه القصور فيها. وعلينا تذكر أن مسألة نشر الحريات لا تعتبر مجرد فتح أبواب الاتصالات أمام الناس. وكما أشار موزوروف، فاننا نميل الى الاعتقاد بأن النظم التسلطية «غبية»، وليست مهتمة ببقائها، غير أن هذه النظم تهتم كثيراً بالحفاظ على بقائها وتستخدم كل الوسائل المتوافرة لها، ومن بينها شبكة الانترنت.