إكس خبر- لم يتأخر «حزب الله» في الردّ على خطاب وزير الداخلية نهاد المشنوق في الذكرى الثانية لاغتيال اللواء وسام الحسن ظهر السبت الفائت في قصر الأونيسكو. فـ «خطاب الصحوة» كما وصفه مقربون من الحزب جاء تتويجاً لخطابات سابقة أطلقها كلّ من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والأمانة العامة لفريق الرابع عشر من آذار، ودارت كلّها مدار تحميل الحزب أوزار معركة عرسال تارة، واستجرار الإرهاب إلى لبنان طوراً.
على أن خطاب المشنوق تضمّن معلومة جديدة لم يتطرق إليها أحد بعد. كما لم يعرف ما إذا كانت مبنية على حدس مسبق أو وقائع فعلية جرى تداولها، وكلّف المشنوق إذ ذاك بالرد عليها.
لسائل أن يسأل ما الجديد الذي جاء به الوزير غير رفع التصعيد درجة إضافية؟
لعل في استعراض بعض ما ورد في الخطاب ما يسعف على تلمس معالم الجواب الأساسية. إذ قال المشنوق: «اقول بأعلى صوت ممكن (…) لن نكون على رأس تجربة مماثلة لتجربة العراق، ولن نقبل بتحويلنا الى قادة صحوات متخصصين في فرض الأمن على قسم من اللبنانيين، فيما القسم الآخر ينعم بالحصانة الحزبية».
تشي نبرة الخطاب، فضلاً عن شخصية الخطيب الذي اتصل قبيل ساعات فقط بمسؤول الأمن والارتباط في الحزب وفيق صفا – كما نقل إعلاميون مقربون من «حزب الله» عن مقربين من المشنوق – بأن الموضوع جديّ ولا يحتمل المزاح. الأمر الذي لم ينفه ردّ الحزب الصريح. إذ رأى «انه ليس هو من يدفع باتجاه هذا الخيار، وبالتالي فإن كلام المشنوق يجب ألا يكون موجهاً اليه». أضاف ان «منطق الصحوات، إذا وُجد، إنما يشكل بالدرجة الاولى مصلحة ذاتية لتيار «المستقبل»، حتى يحمي نفسه وطائفته من خطر التطرف والإرهاب»، مشيراً الى ان «هذا التيار هو من تطوع أصلاً لتأدية دور الصحوات، عندما استشرس لنيل حقيبتي الداخلية والعدل المعنيتين مباشرة بالمعركة الحاصلة ضد الإرهاب».
الحزب، إذاً، يحاول القول لـ «المستقبل» إن إعطاءه الحقيبتين المذكورتين لم يكن نتيجة ضعف أو «كرم زائد» من الحزب إبّان تشكيل الحكومة، وإنما نتيجة دور مرسوم له مذّاك، وقد جاء اليوم موعد تنفيذه عبر الخطة الأمنية أولاً، التي نفذت في مناطق «المستقبل» حصراً، ولاحقاً ربّما، عبر تشكيل صحوات لبنانية. أمّا إذا لم يفهم التيار ومسؤولوه ذلك، فهذه مشكلتهم هم، لا مشكلة الحزب!
والحال ان خطاب المشنوق يكتسب مزيداً من الجدية في إشارته الصريحة إلى إمكان الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال الحسن قريباً. فهذا الكلام يعيد فتح ملف دور «حزب الله» في الاغتيالات، بعدما افترض الأخير أن حكومة «المصلحة الوطنية»، فضلاً عن تدخّله المباشر في الحرب السورية، قد أقفلاه مرة واحدة وإلى الأبد.
بالنتيجة، تقول هذه العناصر كلّها ان الخطاب ليس اجتهاداً شخصياً فحسب، اضطر الحزب للردّ عليه لأنه وجّه إليه. وما يقطع الشك باليقين ما نقل عن اتصال رئيسي الحكومة تمام سلام وسعد الحريري بالمشنوق للإشادة بمضمونه. فإذا كان اتصال الأخير مفهوماً وطبيعياً، فإن اتصال الأول غريب. ذاك أنه قلّما يحشر نفسه في السجالات الداخلية. وهذا إنّما ينبئ بأن الخطاب يأتي في سياق التصعيد الإقليمي، المضبوط جزئياً حتى الآن، والذي أعقب التحرك العسكري الواسع النطاق للحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، فضلاً عن اقتراب موعد المحادثات النووية الغربية الإيرانية.
هكذا، إذاً، يجيء الخطاب في لحظة سياسية، إقليمية ومحلية، حسّاسة، حيث بدأ خصوم الحزب يستشعرون شيئاً من الوهن في بنيته العسكرية التي تعرضت لضربات موجعة في الأشهر الأخيرة. هذا فضلاً عن إنهاكه المتمادي بفعل انتشار عناصره الواسع في الجغرافيا السورية المترامية الأطراف، وأيضاً بفعل تلزيمه غير المعلن خوض الحرب ضد إرهاب «داعش» و «النصرة» على الحدود اللبنانية- السورية. زد على ذلك، غرقه في معركة يجد نفسه فيها جنباً إلى جنب مع «الشيطان الأكبر»، ومع تصريحات إيرانية قاطعة مفادها: «إذا أراد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة تغيير النظام السوري، فإن أمن إسرائيل سينتهي». وتفسير ذلك البديهي أن إيران الداعمة لنظام الأسد قادرة على ضمان أمن إسرائيل، بالشكل الذي كان قائماً قبل اندلاع الثورة السورية، ومن ثم سطوع نجم «داعش».
مهما يكن من أمر، وبالعودة إلى الداخل اللبناني، يبدو «حزب الله» اليوم في أمسّ الحاجة، وربّما أكثر من أي وقت مضى في تاريخه إلى أداة سنيّة تستطيع أن تلعب دوراً عسكرياً – أمنياً، تحت قيادته طبعاً، في مواجهة تنامي «التيارات التكفيرية». من هنا، تشديد دعايته السياسية على حضانة بيئة «تيار المستقبل» للإرهاب، لا سيما في طرابلس وعرسال. وهو دور لا يمكن نفيه بنظر ردّ الحزب أعلاه، وعلى ما يستشف من خطاب المشنوق، إلاّ بتشكيل صحوات لبنانية على غرار تلك العراقية. والصحوات، على ما يعلم المطلعون على مجريات الوضع العراقي منذ العام 2003، كانت قراراً أميركياً أوّل وفي الأساس… قراراً غايته تشكيل قوّة سنّية وظيفتها الجوهرية محاربة «تنظيم القاعدة في العراق»، فضلاً عن موازنة النفوذ الشيعي، والإيراني بالنتيجة، الصاعد بقوّة في عراق ما بعد صدّام. انتهت التجربة طبعاً، إلى سيطرة شيعية – إيرانية على مقاليد السلطة العراقية، بعد استنزاف السنّة في حروبهم الداخلية. كما أدت بعد سنوات إلى قبول كتلة سنّية وازنة قيادة «داعش» لها، بعدما جرى الوصل جغرافياً، وعلى رغم تفاوت تاريخ التجربتين، بين مظلومية سنّية عراقية، كانت إبان حكم الديكتاتور صدام حسين ظالمة، وبين مظلومية سنّية سورية، كانت إبان حكم الأسدين إمّا ملحقة ببورجوازيات السلطة الفاسدة، أو ممنوعة من التعبير عن نفسها سياسياً واجتماعياً.
الصحوات، بتعبير آخر، لعبت دوراً في تنامي خطر الإرهاب في العراق لا العكس. كما لعبت دوراً في توسيع مساحات الحروب الأهلية الكثيرة فيه. هي، بالأحرى، تجربة غير صالحة للمحاكاة، اللهم إلا إذا كان المطلوب نقل الحروب الأهلية العراقية – السورية إلى لبنان، الغارق أصلاً في حرب أهلية هجينة أضاعت كل سبل السلم والحرب.
أمّا إن كان لا بد من «صحوات لبنانية» في مواجهة «الإرهاب القاعدي»، فالحزب يبدو أكثر من غيره جديراً بالاضطلاع بوظيفتها. هو أصلاً انتهى إلى ذلك، ولا يبدو انه سيتراجع.
لا حاجة للبنان إلى إكثار فوضاه. منتهى المطلوب تأطيرها.