إكس خبر- طبيعي أن يكون رد فعل «الإخوان المسلمين» وأنصارهم في العالم بهذه الحدة على كل حدث يمثل دعماً لخيار الشعب المصري منذ عزل محمد مرسي وإطاحة حكم الجماعة لأكبر بلد عربي. لذلك مثلت الزيارة السريعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للقاهرة، ولقاؤه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، صدمة للجماعة التي سعت طوال سنة كاملة إلى عزل مصر. بل والسعي إلى تدخل خارجي يعيد مرسي إلى المقعد الرئاسي حتى ولو كان الثمن أن تؤول مصر إلى ما آلت إليه سورية أو ليبيا أو العراق أو الصومال.
وبينما تصر الجماعة على المضي في الطريق الذي اختاره التنظيم الدولي لها على رغم ما بدا من اليوم الأول أن لا أمل في إسقاط الجيش أو هدم الدولة أو عزل البلد عن أشقائها وأصدقائها، فإن استخدام الجماعة ورموزها وأفرادها ووسائل إعلامها مفردات غير أخلاقية وعبارات بذيئة دليل جديد على أن الدولة المصرية الجديدة تترسخ بينما الجماعة تترنح، وأن تنظيم «الإخوان» الذي فقد أهم سلاح ظل يستخدمه على مدى عقود، وهو تعاطف الناس مع الجماعة، بدأ يدرك أن الدعم السياسي التركي غير كافٍ وأن المال القطري غير مجدٍ وأن كل يوم يمر من دون أن يقترب مرسي من المقعد الرئاسي والجماعة من الحكم يهدم الجماعة ويسيء إلى تاريخها ويحرمها المستقبل!
ويكفي أن تسمع مكالمة هاتفية يجريها متصل أو متصلة بقناة «الجزيرة مباشر مصر» على الهواء لتدرك الأزمة العنيفة التي يعانيها «الإخوان» الآن. دعك من السباب والشتائم التي يتلفظ بها المتصل في حق الرئيس المصري ويقابلها المذيع بهز رأسه، أو توصيف متصل آخر الشعب المصري الذي يرضى بالحكم الحالي أنهم «عبيد للبيادة» فيقاطعه المذيع منبهاً إياه أن هؤلاء ليسوا الشعب المصري كله وإنما المنتفعون من النظام، وركز في طبيعة الكلام الذي صار في غالبيته عبارة عن تسول للتظاهر والاحتجاج والصدام مع أجهزة الدولة واستنكار للمتخاذلين الذين أنهكهم التظاهر مع غياب الأمل. أما ضيوف البرامج، فإضافة إلى محاولات التهكم على كل تصرف للسيسي أو السخرية من كل عبارة يقولها أو قرار يتخذه، فإنهم لا يملون من تحذير المصريين من أن استكانتهم وبقاءهم في البيوت وعدم خروجهم للتظاهر احتجاجاً والهتاف اعتراضاً ومواجهة الشرطة وقوى الأمن في الوقت الحالي، حيث «الانقلاب يترنح»، سيمنح نظام الحكم الفرصة ليفلت بفعلته ويمكنه ابتلاع البلد والانتقام من السجناء والقضاء على الإسلام.
خلقت «الجزيرة» لـ «الإخوان» عالماً افتراضياً عاشوه منذ 30 حزيران (يونيو) من العام الماضي، فاستوطنوه بعدما صورت لهم أن مرسي سيعود إلى مقعده الأحد المقبل، ثم الذي يليه ثم الشهر المقبل. فلا يصحون إلا على صورة وهو خلف أسوار قاعات المحاكم، وبشرتهم أن الانقلاب يتهاوى ويتصدع بفعل الاحتجاجات والتظاهرات، فيفاجأون بالسيسي يزور ضحية للتحرش في مستشفى أو بين طلاب الكليات العسكرية في حفلة تخرج أو مستقبلاً ضيوف مصر! ناهيك بالطبع عن المشهد التاريخي الذي جمعه وخادم الحرمين الشريفين داخل الطائرة في مطار القاهرة. فتحوا القناة لتعرض لقطات لبضع عشرات يسيرون في الليل في حواري وأزقة رافعين صوراً لمرسي أو علامة رابعة، وكلما قلت أعداد المشاركين في التظاهرات كررت برامج القناة بث التظاهرات نفسها على أنها جديدة أو تستعين بما لديها في الأرشيف من مشاهد قديمة! بينما مصر التي تخطت التسعين مليون نسمة تعيش حياة جديدة أخرى غير تلك التي يتحدث عنها إخوان الخارج أو الداخل في جزيرتهم.
هذه الحياة الافتراضية التي يعيشها «الإخوان» بفعل «الجزيرة» والخداع الذي يمارسه التنظيم الدولي في الخارج وإصرار بعض رموز الجماعة الذين ما زالوا طلقاء داخل مصر على استنزاف تاريخ الجماعة تختلف عن واقع يعيشه باقي المصريين ويرقبه العالم ويدعمه أصدقاء مصر مفرداته: تغيرات طرأت على الشارع المصري وحرب على الفوضى والانفلات وتطبيق للقانون وعودة مصر لتلعب دورها العربي والإقليمي والدولي.
لا يدرك «الإخوان»، أو ربما لا يريدون أن يدركوا، أن ضعف تظاهراتهم وقلة أعداد محتجيهم وحال الإنهاك الذي تعانيه الجماعة وانحسار أعمال الإرهاب في سيناء وباقي المحافظات نسبياً.. كلها أمور طبيعية بعدما دخلت الجماعة في صدام مع الشعب، وهي التي ظلت على مدى عقود تدعي ظلم الأنظمة والحكومات لها وحين أمسكت بالسلطة ونالت الحكم فشلت في إدارة الدولة وقدمت التنظيم على الوطن، والإخواني على المواطن، والدوحة على القاهرة.
المؤكد أن التطور التكنولوجي والتقدم العلمي وثورة المعلومات كلها أمور يفترض أن تجعل «الإخوان» يدركون الواقع ويدرون ما يجري حولهم ويعرفون أن التكنولوجيا وبينها فضائية «الجزيرة مباشر مصر» ربما يمكن أن يستخدم لتغييب وعي الناس لفترة لكن المدهش أن الإخوان عزلوا أنفسهم عما حولهم بعدما غاب وعيهم ففضلوا إقامة دائمة في «الجزيرة»!