إكس خبر- يقول المفكّر الليبي الراحل الصادق النيهوم إن «الغربان تتشابه… كل غراب يبدو نسخة طبق الأصل من الآخر، ريشة بريشة، ويتبنى نفس العادات، ويأكل نفس الدود، ويصدر نفس النعيق، ومع ذلك فإن الغراب يقتل أخاه ليستولي على عشه ويفقأ عينه ليظفر بحصته من الدود. كذلك فان أسماك البوري تتشابه، تسبح في نفس المياه وتواجه نفس الأعداء، ومع ذلك كله فإن أفضل وجبة لدى سمك البوري هو رأس أخيه الذي يسبح بجانبه».
استاءت أطراف الصراع في ليبيا عندما ساواها ممثل الأمم المتحدة في ليبيا السيد طارق متري ببعضها ودعاها للحوار لإنهاء صراعاتها، واعتبرت ذلك تدخلاً، لكن تلك الأطراف لم تتفق على تصنيف عملية خطف المتشدد الليبي أحمد أبو ختالة في بنغازي من جانب قوات أميركية خاصة، على أنها تدخل يمس بالسيادة الوطنية.
سجلت حكومة عبدالله الثني إدانتها لخطف أبو ختالة وطالبت بإعادته لمحاكمته في بلاده، ذلك على الأرجح، من باب رفع العتب وربما لتأكيد أنها لم تكن على علم مسبق بالخطة الأميركية، على قاعدة: «إن كنت تدري فالمصيبة أعظم…».
والواقع أن الولايات المتحدة لا تتوانى عن تسديد ضربات لما تبقى من جسد الدولة الصريعة على مذبح التناحرات القبلية والجهوية والسياسية، لتذكّر بأن لها اليد الطولى في ليبيا، إذا تعلق الأمر بمصالحها أو بقدرة عدالتها العابرة للقارات على اقتياد مطلوبين لمحاكمتهم أمام القضاء الأميركي.
كانت القوات الخاصة الأميركية خطفت من وسط طرابلس العام الماضي قيادياً متشدداً آخر معروفاً بـ «أبو أنس الليبي»، كما لم تتوانَ البحرية الأميركية عن اعتراض ناقلة نفط حاولت تهريب حمولة من مرفأ في شرق ليبيا، ولم تجد واشنطن حرجاً في تبرير ذلك، بأنها تملك منذ عقود، حصة كبيرة في عائدات بيع الخام الليبي!
في المقابل، ترى الليبيين منقسمين بين فرِح بشماتة لتوقيف متشددين من أبناء جلدته، أو غاضب عن تعصّب أعمى، لكن قلة قليلة منهم تدين الأمر بالمبدأ، بغض النظر عن مشاعرها تجاه المخطوف أو معارضتها لنهجه.
صحيح أن الإرهاب يشكل بحد ذاته تعدياً على مفهوم سيادة الدول، لكن هل يبرر ذلك تعدياً آخر في المقابل، وإلى أي مدى يسقط مفهوم السيادة عندما يتعلق الأمر بحرب تدور فوق رؤوس أطراف متناحرة عاجزة عن إدراك الحكمة القائلة: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»؟
تلك مسألة مبدئية تغيب عندما يتعلق الأمر بالضغينة التي يحملها طرف حيال الآخر، كما تغيب فكرة مساءلة السفيرة الأميركية في ليبيا ديبورا جونز عن مغزى تلك «الوديّة» المثيرة للاستغراب في لقاءاتها واتصالاتها مع رموز التيار الإسلامي ذاته المتهم بأنه يرعى التشدد، ولا أحد يسائل السفيرة عن نتائج اتصالاتها مع تلك الرموز وما إذا كان هدفها خدمة المصالح الأميركية فحسب، أو تحقيق مصلحة ليبية أيضاً، في تهدئة التجاذبات ودفع الأفرقاء إلى توافق لبناء دولتهم المنشودة.
لا عتب على اتباع حملة «الكرامة» التي يقودها خليفة حفتر باعتبار أنهم كانوا دعوا سلفاً دول العالم، القاصي منها والداني، للتدخل وتخليص البلاد من خصومهم «الإرهابيين»، لكن المساءلة تطاول بلا شك الإسلاميين الفاعلين على الأرض والذين يثير صمتهم المطبق حيال نشاطات الأميركيين، أكثر من علامة استفهام وتعجّب.