اكس خبر- يكاد الجيش المصري (ومعه سائر القوات المسلحة) أن يكون الحامي الوحيد للدولة العريقة ولشعبها الذي ضيعته، أو تكاد، شعارات متناقضة بدأت قبل ثلاث سنوات، وأعاقت بضبابيتها المصالح المشتركة والمستقبل الواحد.
ويتلقى الجيش المصري الضربات العسكرية في سيناء ومناطق أخرى، من جماعات إرهابية ترفع شعار الإسلام، فيما تشغله تظاهرات حلفائهم «الإخوان» الهادفة إلى عرقلة الحياة اليومية للمصريين. إنه الجيش نفسه الذي حمى ثورة 25 يناير وسمح بإنهائها عهد حسني مبارك الذي تلطّخ بالفساد فاقداً شرعيته الشعبية حين أصرّ على التجديد للرئيس ولوّح بالتوريث.
وحمى الجيش المصري ثورة 30 يونيو على عهد محمد مرسي «الإخواني» الذي تقلب في شهور قليلة من فشل إلى فشل، باعثاً الخوف في المصريين على دولتهم ووطنهم من جماعة ذات طموحات عالمية.
يحاول «الإخوان» الإيحاء بأنهم الممثل الشرعي لثورة 25 يناير وأن الجيش، بالتالي، الممثل الشرعي لعهد حسني مبارك. إيحاء مغلوط قد تعتمده شركات إعلان على الطريقة الأميركية، تستفز نواحي معينة من سيكولوجية الجماهير في وطن بلغ عدد سكانه حوالى 90 مليوناً يعيشون ضائقة اقتصادية تفاقمها تحركات «الإخوان» السياسية والعسكرية.
و «الإخوان» الذين صادروا الثورة وخيبوا آمال جماهير القاهرة والإسكندرية وسائر المدن بالوصول إلى حكم مدني ديموقراطي، يضعون الشعب أمام اختيار محدد: الجيش أم «الإخوان»؟ وقد اختار الشعب الجيش بالضرورة، كمرحلة يتعزز فيها الأمن اللازم لأي حكم مدني.
هكذا يبدو الحكم المصري مدعواً، أكثر من أي وقت مضى، إلى المزاوجة بين تحقيق الأمن ومحاربة الفساد لئلا تعلق به شوائب العقد الأخير من عهد مبارك، ومع هاتين المهمّتين التقدم نحو دور مصري في الإقليم، لأن مصر دولة أساسية لا تستطيع عزل نفسها بدعوى التفرغ لحل مشاكل داخلية. فثمة تداخل في أيامنا، بين الداخل والخارج يجد تعبيره في مصالح سياسية واقتصادية وبشرية، ومن ذلك مؤسسات التشغيل الكبرى بما تتطلب من تمويل يتعدى قدرات القطاعين العام والخاص.
ما يقوم به «الإخوان» ليس جديداً في مصر الحديثة، فقد حاولوا خطف ثورة الجيش في تموز (يوليو) 1952، وحين عجزوا بدأوا يعرقلون حكمها حتى أدخلتهم السجون وأعدمت بعضهم (سيد قطب) ودفعت الكثيرين إلى الهجرة. وخلال عقود من حكم الثورة مع جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، عمد «الإخوان» إلى إشغال الشعب المصري باعتبارهم طرف ثنائية التناقض مع الجيش، مانعين نمو تيارات سياسية مدنية مؤهلة للحكم وحتى للمعارضة.
الثنائية نفسها تتكرر اليوم بشكلها البائس، وهي غير قابلة للحياة في عصر التكنولوجيا وتداخل المصالح الدولية، ذلك أن الحياة في مكان آخر هي الحراك الحرّ للشعب المصري ودور القاهرة في الإقليم ومداها العربي والأفريقي والإسلامي.
وفي انتظار اختراق الثنائية التي اخترعها «الإخوان» وسوّقوا لها، سيبقى الجيش المصري لزوم ما يلزم، وذلك لبقاء مصر ولانطلاقها نحو حكم مدني ديموقراطي.
الكاتب : محمد علي فرحات