إن تقنية الأفلام الثلاثية البعد موضة رائجة تجتاح صالات السينما اللبنانيّة، يتهاتف اللبنانيّون على مشاهدتها كباراً وصغاراً. هي فنّ بحدّ ذاته، له قواعده وأحكامه، وفي بعض الأحيان عوارضه الجانبيّة. أسبق لك ان شعرت أثناء مشاهدتها بالغثيان، ألم الرأس، ووجع في العينين؟ لا تأخذك التساؤلات بعيداً، فهذه الأعراض تنجم عن الأفلام الثلاثيّة البعد. متى تظهر هذه الأعراض؟ ما هي أسبابها؟
ضحايا الأفلام الثلاثيّة البعد
على الرغم من تطوّر تكنولوجيا الثلاثيّة الأبعاد، مازالت بحسب صحيفة التلغراف البريطانيّة، تسجّل حتّى اليوم، حالات مرضيّة تلمس شريحة صغيرة من المشاهدين. فبعد ظهور فيلم “أفاتار” الشهير على الشاشات الكبيرة، تبيّن أنّ عدداً من المشاهدين كان قد اظهر نوعاً من عدم الارتياح والاضطرابات جرّاء مشاهدته للفيلم. فكتب مجهول على موقعgawker.com أنّه قد أصابه الغثيان والقيء أثناء مشاهدته للفيلم. ويعتبر الأطفال كذلك من ضحايا الأفلام الثلاثيّة البعد، فقد عانى طفل في الرابعة عشرة من عمره من وجع في الرأس، دوخة ورجفة. وكان أوّل سؤال قد وجّهه إليه الطبيب هو مشاهدته لفيلم أفاتار، لأنّه قد تبيّن أنّ الأفلام الثلاثيّة البعد تسببّ الأمراض. وتقول كارولين والدة بين الذي يبلغ سبعة أعوام، أنّه أثناء مشاهدة ابنها لفيلمBolt الثلاثي الأبعاد، شعر بالدوخة والغثيان. والسبب لكلّ هذه العوارض بحسب طبيب العيون ومدير الـOxfordshire eye health company Butterflies Healthcare هو أنّ الفيلم الثلاثي الأبعاد يجهد العينين ممّا يسببّ للمشاهد، خصوصاً الطفل، إجهاد العين، آلام الرأس والدوخة.
كواليس تصنيع رسوم متحرّكة ثلاثيّة البعد:
قبل التطرّق لتأثير الأفلام الثلاثيّة البعد على صحّة المشاهد، لا بدّ من توضيح عمليّة تصنيعها. فالأفلام شقّ من الفنّ الثلاثي البعد الذي يتضمنّ أيضاً الرسوم المتحرّكة الثلاثيّة البعد. تمرّ هذه الأخيرة في ثلاث مراحل تسبق ظهورها على الشاشات الكبيرة. فهي حصيلة عمل متواصل وجهد مبذول من مجموعة من الفنانين يسهرون على رفاهيّة المشاهد. تشرح المديرة الفنيّة دانيا أدهمي لـ “النّهار”، وهي مصمّمة رسوم متحرّكة ثلاثيّة البعد، أنّ عمليّة تصنيع الأفلام الثلاثيّة البعد تمرّ في ثلاث مراحل، وهي:
•مرحلة ما قبل الإنتاجPre-Production:
o الفكرة هي أساس البداية بالعمل
o تطوير هذه الفكرة إلى موجز، ملخّصpitch and synopsis
o كتابة السيناريو
o تقطيع الصورDecoupage لموضوع القصّةthe story board
o تطوير القصّة من خلال تحريك الصورanimatic وقياس الوقت
o إجراء البحوث لتنمية شخصيّات الفيلم واختيار نمط له
o بعد الاعتماد عل نمط معيّن، يتمّ تصميم الشخصيات وتركيبها
•مرحلة الإنتاجProduction:
o تصميم وقولبة الشخصيات بشكل ثلاثي الأبعاد على الكومبيوتر
o تركيب الشخصيات (تلوينها، إلباسها)
o تجهيز الشخصيات بالعظام والعضلات ليحظوا بجسد مشابه لجسم الإنسان
o بداية عمليّة التحريكthe animation
o يتمّ في الوقت نفسه تركيز الإضاءة على الشخصيّات وتحديد تحرّكات الكاميرا
•مرحلة ما بعد الإنتاجPost-Production:
o العمل على أداء الشخصيات: إخراجهم من البرنامج الإلكتروني وتحويلهم إلى سلسلة من الصورthe rendering
o الانتقال إلى التركيب، تصحيح الألوان، إضافة التأثيرات
o تصميم الصوت
o المونتاج
وتشير أدهمي إلى أنّه لإتمام هذه الأفلام، يستعمل الفنّانون مجموعة من البرامج من بينها الـAutodesk Maya أو الـAutodesk 3ds Max. أمّا بالنسبة إلى التصميم والتركيب فهو يتمّ بواسطة الـفوتشوبPhotoshop. للقولبة والتصميم الإضافي يتمّ اللجوء إلىZbrush، الـMari for extra Modeling and texturing. أمّا لإضافة التأثيرات فبرنامجNuke after effects هو الحلّ المناسب.
أمّا في ما يخصّ الأفلام الثلاثيّة البعد وتأثيرها على المشاهد، فتشير الفنّانة أدهمي إلى ضرورة التفريق بين الأفلام المتحرّكة الثلاثيّة البعد والأفلام الثلاثيّة البعد المشاهَدة. وتقول إنّ أغلبيّة الرسوم المتحركّة المنتجة اليوم ثلاثيّة الأبعاد، ولكن المشاهد لا يرى سوى النسخة الثنائيّة البعد منها. وتضيف أدهمي إلى أنّ الافلام الثلاثيّة الأبعاد المعروضة على التلفاز أو في صالات السينما، مجرّد تقنيّة تظهر عمل الفنّانين وترغم المشاهد على وضع النظّارات. وتشددّ أنّ هذه الأفلام المعروضة وحدها تسببّ اضطرابات صحيّة للمشاهد كوجع الرأس، والدوخة والغثيان.
الأمراض التي تسببّها الأفلام الثلاثيّة الأبعاد:
تعددّت الدراسات التي تثبت أنّ للأفلام الثلاثيّة البعد عوارض جانبيّة فما هي؟ وما مدى صحّتها؟
•في تمّوز 2013، أثبت باحثون من معهد إيلينوي للتكنولوجيا والمعهد الوطني للعلوم التطبيقيّة في مدينة ليون الفرنسيّة، أنّ الطباعة الثلاثيّة الأبعاد (3D printings) وهي التكنولوجيا التي تمكنّ تصنيع الأجسام الثلاثيّة البعد، تطلق أجساماً صغيرة جدّاً(ultrafine particles أوUFP ) في الهواء، تتمكنّ من اختراق الدم عبر الجهاز التنفسي فتسببّ أمراض القلب والرئتين، الربو، السكتات الدماغيّة، فضلاً عن اضطرابات صحيّة أخرى.
•دراسة أخرى من جامعة كاليفورنيا الأميركيّة نشرت في الـJournal of Vision ، أثبتت أنّ الأفلام الثلاثيّة البعد مضرّة بالنظر. أجريت الدراسة على 44 مشاركاً طلب منهم مشاهدة أفلام ثلاثيّة البعد من مسافات مختلفة ومتعددّة والإجابة عن أسئلة تتمحور حول شعورهم بوجع في الرأس والرقبة، تعب النظر وعدم الوضوح. وقد أظهرت النتائج أنّ مشاهدي الأفلام الثلاثيّة الأبعاد، يعانون من ضعف وتعب في النظر يختلفان باختلاف عمق الشاشة وعمق الصورة الثلاثيّة البعد والمسافة التي تفرّق المشاهد من الشاشة. ويقول الباحثون إنّه في حال كنت تعاني من مشاكل مع الصور الثلاثيّة البعد، فهذا قد يعني احتمال معاناتك من اضطراب في العين غير مشخّص.
في حديث مع “النّهار”، يقول الدكتور جهاد منسّى اختصاصي الطبّ وجراحة العين في مستشفى العين والأذن، أنّ الأفلام الثلاثيّة البعد لا تؤذي النظر إن لم تظهر أيّ أعراض مرضيّة على المشاهد، بل تتعب النظر. السبب؟ التأثير الثلاثي البعد متعب للنظر، وذلك لأنّ كلّ عين تتلقّى صورة قليلة الاختلاف عن الثانية ممّا يتطلّبoff focus، كما ينسحب هذا التأثير على نوع من الـprocession للصورتين لرؤيتهم بطريقة ثلاثيّة الأبعاد إلاّ أنّ الصورتين لا تتطابقان 100%، ممّا يتطلّب استخدام النظارات 3D glasses كي تنجلي الرؤية للمشاهد. وهذا يتطلّب جهداً من الدماغ بسبب التركيز الذي يبذله المشاهد.
ويشير إلى أنّ من يعاني من حَوَل بسيط، يتعب أكثر عند مشاهدته الأفلام الثلاثيّة الأبعاد، فيعاني من وجع في الرأس بسبب بذله تركيزاً وجهداً مضاعفَين لجمع الصورتين اللتين تبعثانهما النظارات. ويشدّد على أنّ من يعاني من حَوَل في عين واحدة فقط لا يستطيع أن يشاهد الـ 3D.
أمّا بالنسبة إلى العوارض التي قد تصيب المشاهد كالغثيان، وجع البطن، القيء ووجع الرأس، فيوضح الدكتور منسّى أنّ هؤلاء يعانون من “حول غير ظاهر”، وأنّ هذه الأعراض ناجمة عن الجهد الكبير المبذول وصعوبة التركيز أثناء المشاهدة.
وينصح أخيراً ذوي الأولاد الذين يعانون من حوَل، أو الذين كانوا يعانون من مشكلة حول في صغرهم من “تحضير أولادهم نفسيّاً” وتفسير السبب لعدم قدرتهم على مشاهدة الأفلام الثلاثيّة البعد، كي لا يتفاجأوا.