كتب عبدالله بن بجاد العتيبي – بجهود مكثفة من جهاز الاستخبارات حررت المملكة العربية السعودية، الاثنين الماضي، الدبلوماسي السعودي عبد الله الخالدي الذي اختطفه تنظيم القاعدة في اليمن قبل ثلاث سنوات.
طبيعي أن يتم استقباله بحفاوة حين وصوله إلى الوطن، حيث قام باستقباله ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، ووزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي الأمير محمد بن سلمان، في المطار، وقد استقبله بعدهما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأمر له بمنزل وقلّده وساما رفيعا.
يعرف المتابع قصة الخالدي بعد اختطافه، وشاهد كثيرون مقاطع الفيديو الخمسة التي خرج يتحدث فيها تحت تهديد القاعدة، والمطالب غير المعقولة التي كانت تطالب بها من إطلاق سراح إرهابيين من التنظيم يخضعون للمحاكمة في السعودية، ولكن ما ليس معروفا بعد هو أن ثمة قصة بطولية كانت تجري طوال تلك السنوات الثلاث لإنقاذ الخالدي، وهي قصة لم تروَ بعد ولم تعرف تفاصيلها، ولكن الواجب هو أن تخرج للعلن بأقرب وقت ممكن من بدايتها وصولا لنجاحها وظفرها.
دون شك، فثمة تفاصيل ومعلومات قد تتحفظ بعض الجهات على إعلانها وهذا أمر مفهوم، ولكن التحفظات يجب ألا تعيق نشر القصة والثناء على الأبطال الذين أنجزوها وسردها بطرق مختلفة كتابيا ووثائقيا ودراميا حتى تبقى قصة تتناقلها الأجيال وتوصل رسائل كبرى داخليا وخارجيا.
تمتلك السعودية كثيرا من الأبطال الذين خططوا ونفذوا كثيرا وعرضوا أنفسهم لمخاطر جمة خدمة لبلادهم وحماية لأمنها واستقرارها وتعزيز قوتها، والقصص القديمة خرج بعضها للنور، ولكن القصص الحديثة لم تر النور بعد. وعلى سبيل المثال، فثمة أبطال حاربوا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وكان من أقوى تنظيمات القاعدة الفرعية في العالم، وهزموه شر هزيمة وطردوه وراء الحدود وصار أعضاؤه بين قتيل وأسير وطريد، وهؤلاء، غير التكريم الذي يحظون به، يجب أن تروى قصصهم لتكون نبراسا للشباب.
تحتاج الدول والشعوب والأمم إلى أبطال يكونون قدوة ملهمة وقصة نجاح تحتذى، وبخاصة في الظروف الصعبة والأزمات الكبرى، والعالم العربي اليوم يعيش واحدة من أخطر أزماته؛ إذ سقط كثير من الدول وحل محلها الفوضى، وسقط بعض الدول واستولى عليها الأعداء وسقط بعض الدول وعاثت فيها الأصولية والإرهاب، ومثل هذه الأزمات والأوضاع تحتاج إلى كثير من الجهود التي من ضمنها رواية قصص الأبطال الذين ضحوا لأوطانهم وتخليدها بشتى السبل.
من يقرأ تاريخ الأمم والشعوب والدول قديما وحديثا يجد أنواعا وأشكالا متعددة لتخليد الأبطال وتخليد إنجازاتهم، وقد استخدموا لذلك كل أنواع التعبير والتأثير من الكتابة بأشكالها إلى الصورة إلى الوثائقيات إلى الدراما بأنواعها، وهو ما أحسب أنه جدير بالاهتمام والمتابعة.
دأبت حركات الإسلام السياسي وحركات العنف الديني منذ جماعة الإخوان في عشرينات القرن الماضي إلى تنظيم داعش في العراق والشام، على تمجيد أتباعهم من قيادات وعناصر واستخدموا كل ما استطاعوا ليظهروهم في أبهى حلة وأنضر طراز وهم مجرد إرهابيين مجرمين، فحبروا فيهم المقالات وألفوا عنهم الكتب وكتبوا عنهم الروايات، وطالما استخدموا الكذب والتهويل والخرافات ليرفعوا من شأنهم ويقوموا بترميزهم، والدول أولى من شذاذ الآفاق هؤلاء أن تعتني بأبطالها وتبرز مواقفهم وتروي قصصهم.
إن مثل هذا المشروع لو رأى النور فسيكون جزءا من صناعة الأمل وتعزيز الروح الوطنية وتحفيز الشباب على الانخراط في مؤسسات الدولة وتحديدا الأمنية والعسكرية، تلك المؤسسات التي نفخر بها جميعا ونعترف لها بالإنجازات والنجاحات والأيادي البيضاء التي ستظل طويلا في ذاكرة الأجيال.
عربيا، يتذكر كثيرون ما كتبه الروائي المصري صالح مرسي من روايات مأخوذة من ملفات جهاز الاستخبارات المصري، مثل رواية «رأفت الهجان»، ورواية «الحفار»، التي تحولت لمسلسلات درامية أثرت على جيل كامل من الشعوب العربية، وأعمال أخرى مشابهة كفيلم «الطريق إلى إيلات»، وغيره كثير، ومع كل الملاحظات التي يمكن طرحها على تلك الأعمال، إلا أنها كانت ذات تأثير كبير ولم تزل حاضرة في أذهان كثير من العرب والمصريين تحديدا.
بالطبع، لم يكتب صالح مرسي القصة بمعلوماتها الكاملة وتفاصيلها الدقيقة، ولكنه استخدم خياله الخصب وقلمه في حبك قصة تكون أقرب ما تكون للواقع أقله في صورته العامة، وهذا طريق مسلوك في الأدب والدراما في العالم كله وليس بدعا جديدا يفترع لأول مرة.
جزء كبير من تاريخ الدولة السعودية لم يزل يقتصر وجوده على بطون الكتب التي يعتني بها المؤرخون والدراسات التي يهتم بها الباحثون، والتي هي بالغة النفع والفائدة، ولكن الجمهور الذي يتلقاها قليل بالنسبة لغيرها من الأدوات والوسائل الحديثة مثل الوثائقيات والأعمال الدرامية، تلك التي تصل لشريحة واسعة من المواطنين والمشاهدين ويمكن إعادة بثها بين حين وآخر مع تطورات الأحداث.
إن تسليط الضوء على هذا الجانب لا يعني بحال التقليل من الشؤون السياسية والاقتصادية والتنموية بشكل عام، بل هو داعم لها ومعزز لنجاحاتها وأهميته تأتي من أهميتها لبث المعلومات الصحيحة والقصص الخلاقة، والأبطال الحقيقيون الواقعيون سواء كانوا قيادات كبرى أم أفرادا قدموا منجزا وطنيا يستحق الاحتفاء والإشادة.
إنجازات السعودية في محاربة الإرهاب لا تقتصر على نموذجها الداخلي المبهر فحسب، بل لقد لعبت أدوارا عربية وإقليمية ودولية في محاربته وحمت العالم من كثير من العمليات الإرهابية التي تم إحباطها بسبب السعودية، وهو أمر أقر به وأعلنه عدد من قيادات العالم.
عودا على بدء، فقد وصف مصدر أمني لهذه الصحيفة (3 مارس) «عملية تحرير القنصل السعودي بأنها عملية أمنية استخباراتية (ضخمة)، وكانت تحت متابعة مباشرة من وزير الداخلية السعودي».
ثمة تيارات وشخصيات ممن لا يعنيهم الوطن وأمنه وسلامته وسلامة مواطنيه، لم يرفعوا رأسا لهذا الإنجاز الوطني الكبير، بعضهم ينتمي للتيارات الأصولية والتحريضية المتحالفة مع الإرهاب، وبعضهم ينتمي لتيارات الفوضى الحديثة التي تفشت في العالم العربي بعد ما كان يعرف بالربيع العربي، وبعضهم ناقمون على الدولة لأسباب شخصية خاصة، ولكنهم جميعا، لا في هذه القضية فحسب بل في مجمل الأحداث منذ أربع سنوات، لا يكادون يجدون طريقا ولا قضية ولا حدثا للطعن في الدولة إلا ركبوه، وهم أعداء في إهاب أحباب.
أخيرا، فالحاجة ماسة لتخليد الأبطال الوطنيين وجعلهم رموزا وقدوات للأجيال القادمة.