تسعة عشر يوماً متصلة نسي الرجال فيها زوجاتهم، وانشغل الآباء عن بناتهم، وخلت منازل من محتوياتها الغذائية، وتعطلت خلالها لغة الكلام باستثناء أصوات المعلقين، وأنين “الفوفوزيلا” المزعج، والصرخات الحادة من رجال أنعشتهم فرحة، أو قهرتهم خسارة، أما النساء فلزمن الصمت اضطراراً حتى لا تصعقهن إحدى موجات الغضب أو التوتر، وانحنين لعاصفة لن تدوم مهما بلغت شراستها.
منذ الأمس انقلبت الصورة، وتبدلت الأوضاع، وأفاق الرجال من سلطة الكرة ليجدوا أن الزوجات بالمرصاد وقد صبرن طويلاً، وتحملن كثيراً، أما اليوم فقد حان دفع الحساب، وسداد الديون المتأخرة.
في لحظة واحدة انتقلت السلطة من شاشات التلفزيون، وتجمعات الاستراحات، وضجيج المباريات إلى الأنامل الناعمة التي يمكن أن تستعيض عن الكلام بالنقد وجولات الأسواق، واكتشف البعض أن أطفالهم كانوا يعيشون حقبة اختبارات حصيلتها نهايات متفاوتة.
استراحات اللاعبين أشغلت المتزوجين الذين صحوا، طوعاً أو كرهاً، من سباتهم الرياضي، وانقطعوا عن صحبهم في الاستراحات والملاحق ليركضوا سراعاً، مدفوعين بجبروت الأنثى غالباً، ليستدركوا ما فاتهم من التزامات؛ يزورون أقارب ويعودون مرضى، ويتسوقون كثيراً، ثم يكتشفون، بعد ذلك، أن الصيف بلغ مداه، وأن الشرقية تمطر رطوبة، وأن أبها تستقبل سيّاحها، وأن العالم تغير كثيراً خلال متابعتهم، يومياً، لثلاث مباريات مع ملحقاتها للمباريات التي خاضها 32 منتخبا.
وشملت استحقاقات استراحة المونديال طلاب الثانوية العامة، الذين صادف أمس آخر امتحاناتهم، ليعكسوا ذلك على عبارات كتبوها على مركباتهم التي جابت شوارع الرياض حاملة كلاماً مثل: بلا اختبارات بلا همّ.. كأس العالم هو الأهمّ.
وإذ لم يضطر محبو كرة القدم للتسمر أمام الشاشات أمس، ولن يضطروا لذلك اليوم، فإن الأسواق ستصحو من حالة سبات رافقتها طوال العشرين يوماً الماضية، ولن تكون الطرقات خلال ساعات المساء، حيث ذروة المباريات، كما كانت منذ أول أيام المونديال.
ورغم ابتعادهم عن شاشات كأس العالم، لن يجد هؤلاء وغيرهم مشكلة في مناقشة اهتماماتهم المونديالية اليوم، إذ لم تكن أحاديث البطولة منذ إقامتها محصورة بالمستوى الفني لمباريات كل يوم، بل شهدت كواليسها الجانبية أحاديث طالت التحكيم والتقنية والشتائم والتمرد ووصلت، في المملكة، إلى مستوى مناقشة تصاميم العباءات والأثواب التي حملت ألوان المنتخبات المشاركة وشعارات وشعار المونديال.