سميح المعايطة – مع كل عقد او مرحلة من الهزيمة والانتكاسات على صعيد القضية الفلسطينية تتغير قائمة المطالب العربية ويعاد جدولتها ، ففلسطين كانت من البحر الى النهر ثم تغير الحال الى دولة على حدود 1967 ، واصبح غيرها حقا تاريخيا ، ثم كانت سلطة على غزة والضفة ، وبفعل ايدي اصحاب الحق تحولت الى ( دولتين !!) على غزة والضفة وبرئيس واحد لا يملك دخول دولة غزة الا بإذن من اسرائيل وإذن اخر من حماس ، كما ان رئيس الوزراء ( المقال ) لم يدخل الضفة الغربية حتى وهي تحت ولايته.
ودائما تحمل المحطات الصعبة والمنعطفات خوفا من خسارة جديدة ، والخسارة ليست ذات مظاهر عسكرية بل في صناعة واقع جديد ، واحيانا واقع تتحول فيه المشاكل بين فصائل وهيئات الطرف المظلوم.
ربما علينا ان ندرك ان العدو الصهيوني يعمل بذكاء واجتهاد ليس على صناعة انقسام سياسي فلسطيني او تعزيزه ، بل ايضا على تقسيم الجغرافيا والسكان في مناطق السلطة الى قسمين رئيسيين في الضفة وغزة ، وساعده كثيرا الاقتتال والخلاف الذي جعل منها سلطتين وحكومتين وطاقمين من الوزراء ، وكل هذا فعل يريده الاحتلال على المدى البعيد واقعا مكرسا ، ومع مرور السنوات يصبح لدينا هوية فلسطينية غزاوية وهوية فلسطينية في الضفة ، فضلا عن الهويات الاخرى لابناء الشعب الفلسطيني المقيمين في دول العالم ويحملون جنسيات مختلفة.
هويتان فلسطينيتان في مناطق السلطة ، حيث تصبح غزة وهي تحت العدوان حالة مستقلة عن الضفة ، وأي رد فعل في الضفة هو تضامن مثلما يمكن ان يتم في بلد اخر ، حيث هناك بعض المظاهرات وتضامن اعلامي وحملات تبرعات وتنديد ، وفي المحصلة يصبح الامر وكأنه يخص ( شعبا !! ) اخر.
وما تريده اسرائيل ايضا ان تقول ان الضفة الغربية ( جغرافيا عاقلة !! ) لا تمارس عملا عسكريا ، ولا تخرج منها مجموعات مقاتلة ، وطوال شهر من العدوان على غزة لم تصدر طلقة من أي فصيل في الضفة تجاه الاحتلال ، وان الناس هناك تعبر عن رأيها بالمظاهرات والتجمعات والتضامن العاطفي ، لهذا فهذه الجغرافيا العاقلة تعيش بأمان وطمأنينه بلا قصف ولا تشريد ولا آلاف الشهداء والجرحى.
حتى اقتصاديا ومعيشيا فان الاحتلال يسعى لبناء حالة مقارنة بين بؤس وحصار واقتصاد ضعيف في غزة ، وحالة اقتصادية فيها مشاريع وحياة عادية في الضفة.
لن يتوقف الفعل الاستراتيجي الصهيوني عند ضمان الاعتراف ( بحقه !! ) في اقامة دولته في فلسطين عام 1948 ، بل سيمتد الى صناعة واقع فلسطيني فيها هوية غزاوية وهوية الضفة ، وتحقيق انقطاع جغرافي وانشقاق سياسي ، واقتتال عسكري ، وحالة اقتصادية متباينة ، فحتى الضفة وغزة يريدها قسمين وربما أكثر. واذا كنا نتحدث عن انجاز فلسطيني فان من معاييره ان تبقى الهوية واحدة والشعب ليس شعبين