إكس خبر- بين حزن عميق أثاره مصير الجندي علي السيد، وابتهاج مستحَقّ لأهالي عسكريين عائدين من موت شبه معلن، وقلق بالغ على الجنود الباقين في الأسر، يعيش اللبنانيون مشاعر متناقضة وأوضاعاً مستحيلة. ولا يشبه الجثمان المقطوع الرأس سوى هذه الدولة المقطوعة الرأس هي الاخرى، بلا رئيس، وسط مساومات عقيمة لامنتهية على تلك الرأس، على ذاك الرئيس العتيد.
أتاحت ادارة قضية العسكريين الرهائن لـ”جبهة النصرة” و”داعش” ابتزاز جهتين: الحكومة، و”حزب الله” مع حلفائه لا سيما تيار العماد ميشال عون. الحكومة لأنها تتحمل مسؤولية عن اعادة جميع الأسرى سالمين، وليس من السهل على أي حكومة في أي دولة أن تتعامل مع شروط خاطفين ارهابيين، والأسوأ اذا كانت هذه الحكومة تواجه تخريباً داخلياً لجهودها من جانب ميليشيا مسلحة أقامت سلطة موازية لسلطة الدولة. أما “حزب الله” وحلفاؤه فمتحللون من أي مسؤولية، قد يُحرجون (قليلا) أمام جمهورهم الذي لمس نتائج سياسة اتّبعوها وبات اصرارهم عليها يوازي عدم الاكتراث بمصير العسكريين المهدّدين بالذبح.
في أحلك مراحل الصراع الطائفي لم يشهد اللبنانيون “رسائل” فجّة النيات وفاجرة الأهداف كالتي وجّهتها “النصرة”، سواء بإبداء “المحبة” المسمومة للسنّة أو الوعيد والتحدي للشيعة أو التحذير للمسيحيين. تكمن خطورة هذا الخطاب في كونه مغروفاً من أسفل أعماق مستنقع الانقسام اللبناني، ولا ينمّ عن معرفة بالهشاشة الراهنة للتعايشات فحسب، بل عن توجّه مكشوف الى اثارة فتنة تنتظر من يقدم على اشعالها. والمشكلة أن هذا هو الوضع الذي قاد “حزب الله” لبنان اليه، وبـ “رسائل” لم تقلّ فظاظةً بل كانت أكثر اغتيالاً. ثمة خطورة فائقة في أن الأمر الواقع الذي فرض نفسه الآن على الحدود فرض أيضاً مقاربة ومقارنة بين الجهتين المتحاربتين، “حزب الله” و”جبهة النصرة” مع “داعش”. فالأول حاول أن يسوّق حربه (الى جانب نظام بشار الاسد) لبنانياً واكتفى بتأييد جمهوره، والثانية تحاول أن تسوّق نفسها في أوساط سنّة لبنان لكن فشلها مؤكّد.
منذ بدأ تدخل “حزب الله” في سوريا بدأت أيضاً مطالبته بالعودة الى لبنان، اي أنها لم تنتظر احتجاز “النصرة” للعسكريين واشتراطها انسحابه من القلمون لإطلاق رهائنها الشيعة. فالمواجهة هي الآن بينهما، ولا يمكن تغطيتها بشعار “المقاومة” من هنا ولا بوصمة “التكفير” من هناك. فلا “تمييز بين ارهاب وآخر” في سوريا أو في لبنان، على ما ردد المجتمعون من مختلف الطوائف في “لقاء سيدة الجبل” يوم الأحد الماضي. “النصرة” و”داعش” مصنّفان دولياً ارهابيَين، وفقد السوريون أي أمل في أن يثبت التنظيمان سوريتهما، أي وطنيتهما. الحلقة المفقودة في مواقف “حزب الله” أنه لا ينفك يفقد القدرة على التمايز عن ايرانيته لمصلحة لبنانيته، أي وطنيته.