ثريا حسن زعيتر – خطر المخدّرات على جيل الشباب لا يميّز بين لبناني وفلسطيني أو غيرهما… وهو لا يقتصر على مكان بعينه، سواء أكان مدينة أو مخيّماً، وخاصة في منطقة صيدا، حيث تتداخل أحياء المدينة مع مخيّم عين الحلوة، ما يجعل هذه الآفة تدخل الكثير من المنازل، خاصة في ظل حرمان الفلسطيني من حقوقه المدنية والاجتماعية والإنسانية والبطالة مع انعدام فرص العمل وبالتالي الفقر…
وكثيراً ما يورّط الشاب صديقه عن طريق التجربة والحشرية، والمُبرِّر الهروب من اليأس والضغط النفسي والإيحاء بأنّه يعيش بسعادة… سعادة تجعل منه مُدمِناً إرادياً بعد فترة، وصولاً إلى الندم لاحقاً، فيما حملات الجمعيات والهيئات الفلسطينية لم تصل إلى مرحلة نشر الوعي لقطع الطريق على هذه الآفة التي تشكّل خطراً حقيقياً على القضية الفلسطينية عبر تدمير الجيل الصاعد…
في مخيّم عين الحلوة بدأت الأصوات تعلو لمكافحة هذه الآفة الخطيرة، على قاعدة أنّ الأمن السياسي والاجتماعي وجهان لعملة واحدة، في أولى الخطوات كسر حاجز الخوف والتعامل مع المُدمِن على أنّه مريض وبحاجة إلى إعادة تأهيل، ومعالجة لا على أساس أنّه مطلوب فقط…
إدمان… وندم
داخل المخيّمات بدأت الأصوات تعلو خوفاً على شبابها من سم المخدّرات، الذي أصبح يغزو كل المناطق، ويحمّل «اللجان الشعبية» والقوى الأمنية الفلسطينية المسؤولية لأنّها هي التي يتوجّب عليها مراقبة وملاحقة المطلوبين والذين يروّجون المخدّرات في المخيّمات وتدمير الجيل الصاعد من الشباب.
{ وقف الشاب الجامعي العشريني «أ.ع» وهو خجول والاحمرار يبدو على وجهه، وقال بصوت حزين: «عندما أتذكّر كيف كنتُ أقتل نفسي، ولا أبالي بمستقبلي ولا بأهلي، أُحسُّ بانهيار، وأتمنى أنْ أموت من الخجل، لأنّني كُنتُ أتعاطى المخدّرات لمدّة 5 سنوات تقريباً».
وأضاف، وهو يستعيد شريط حياته إلى الوراء: «ذات يوم كُنتُ مع أصحابي نسهر ونلهو، فأصرَّ أحدهم على أنْ آخذ حبّة كحبّة الدواء، ومن باب المعرفة والحشرية أخذتها، وشعرت وقتها بإحساس مختلف، مثل «السعادة والحس المرهف والضحك»، ومن تلك اللحظة بدأتُ أمشي في طريق الإدمان إلى أنْ دقت ساعة الندم».
وتابع: «تدهورت حالتي حتى أصبحتُ أطلبها بإرادتي، وتراجعتُ في دراستي، وعن الاهتمام بأحد من عائلتي، وبات وضعي ميؤوساً منه، وتعيساً وأدمنتُ عليها، حينها لاحظ شقيقي من خلال التغيّرات التي ظهرت عليَّ، مثل «شحوب الوجه، اصفرار بياض العين، وبعض الحركات اللاإرادية»، فقام بتنبيهي لأكثر من مرّة، خوفاً عليَّ وعلى مستقبلي، وحاول أنْ يبعدني عن رفاقي، وبعد عناء طويل نجح في ذلك، وتعالجتُ من هذه الآفة، وبفضل شقيقي تابعتُ دراستي الجامعية بشكل طبيعي، والآن أنا في السنة الأخيرة قسم الهندسة في الجامعة، منتبهاً إلى خطواتي ورفاقي وطامحاً نحو مستقبل أفضل».
ووجّه «أ.ع» نداءً إلى الشباب وخاصة الجيل الصاعد، قائلاً: «لقد ضاعت سنوات من عمري بسبب هذا التعاطي، وأنصح بألا يأخذ أحد أي حبّة دواء لا يعرف ما هي، لأنّها من الممكن أنْ تدمّر مستقبله. وأنصح المدمنين بالتوجّه إلى مراكز المعالجة، لأنّ المخدّرات مرض خطير ويؤدي إلى الهاوية».
أزمة وترويج
{ وأكد نائب رئيس «جمعية نبع» و«منسّق الشبكة العربية لحقوق الطفل» رائد عطايا أنّ «ما يُمارس على الشباب من ضغوطات في المجتمع من واقع أليم ومرير، يدفعهم إلى الهرب واللجوء للمخدّرات، فكيف إذا كان هذا الشاب أو المريض يسكن في المخيّم، حيث كل أنواع العدم فيه.. لا فُرَص عمل.. فقر.. جوع… ومَنْ كان يعمل خارج المخيّم حلَّ مكانه النازح السوري، حتى المتعلمين مثل الطبيب لا يقدر على العمل في «الأونروا»، وكذلك المهندس فإنّه يعمل على إسم صاحب العمل.. وفي الحالتين هم يُعاملان كأجير، وفي هذه الأزمة زاد الترويج للمخدّرات والإتجار بها، وازداد عدد المدمنين والمتعاطين، وهذا ما يُفقِد عنصر الحافز على التقدّم عند الشباب.. أيضاً الفلسطيني يترتّب عليه الضغط النفسي والتجنيد من قِبل قوى ظلامية مقابل 50 و100 دولار أميركي، وبعد ذلك عليه أنْ يتحمّل نتيجة أفعاله».
وأوضح «بدأنا عملنا منذ 5 سنوات في دراسة أُقيمت في مخيّم عين الحلوة وفي صيدا البلد، حيث شارك 200 شاب وشابة، وقد تبيّنت لنا نتيجة مخيفة، إذ ظهر معنا أنّ ما يقارب الـ 65% من الفئة التي عملنا عليها إنْ لم يكونوا يتعاطون المخدّرات، فهم على معرفة بمَنْ يتعاطى هذه الآفة، وهذا ما دق ناقوس الخطر كجمعية، خاصة أنّنا نعمل مع الأطفال والشباب، إذ تطوّرت الفئة العمرية عن السابق، وأصبحت تشمل عيّنات 12 و13 سنة».
أدوية مُخدِّرة
وأضاف: «هناك انتشار للإدمان على الأدوية، وهو أمر سهل جداً ليُدمِن المراهق عليه، وخاصة أدوية الأعصاب Tramale وTramadole التي تُباع على أبواب المدارس والجامعات وهي متوافرة بشكل يومي، حيث يقدر على شرائها الطالب من مصروفه اليومي دون أنْ ينكشف أمره، وهنا لا بد من الإشارة إلى موضوع هام وهو حشرية البعض بإعطاء حبّة الدواء على أنّها مهدئ لوجع الرأس، وقد أثبتت دراسات أنّ عمليات التعاطي والإدمان على هذه الأمور أكثر من الهيروين والكوكايين وغيرهما».
وتابع: «هذا الأمر حرّك عملنا، خاصة أنّه يوجد لدينا برنامجان: برنامج حقوق الطفل وبرنامج الحماية، فاعتبرناهما جزءين أساسيين يجب العمل عليهما من خلال التوعية، وتسليط الضوء على موضوع المتغيّرات التي من الممكن أنْ تعطي دلائل إلى أنّ هذا الطفل أو الشاب يذهب باتجاه الخطأ».
حملات داخل المخيّم
وقام بعض الجمعيات بمشاركة «اللجنة الشبابية الفلسطينية» و«اللقاء الشبابي» و«القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة» في مخيّم عين الحلوة بحملات توعية تحت عنوان «بصوتك بتقدر تغيّر وتقول لا للمخدّرات» من خلال توزيع كتيّبات على المارّة في شوارع المخيّم، وعلى أصحاب المحلات داخل المخيّم، حيث لاقت الحملة إشادة بالتحرّك والعمل على مكافحة ظاهرة انتشار المخدّرات، وخاصة بين الشباب والأطفال لأنّها ظاهرة تعمل على ضرب المجتمع في المخيّم وبالأخص الشباب والأطفال.
{ وقال مصدر خاص من «القوّة الأمنية المشتركة» في مخيّم عين الحلوة: «في الوقت الذي يتعرّض فيه شعبنا في فلسطين المحتل للإبادة بأحدث أنواع الأسلحة وأكثرها فتكاً على يد العدو الصهيوني، يتعرّض أبناؤنا في مخيّم عين الحلوة وغيره من المخيّمات لإبادة بأسلحة من نوع آخر، ومن العدو نفسه، إنّها أسلحة السموم «المخدّرات» التي لا تقلُّ خطورة عن أسلحة الدمار الشامل.. وهذه ظاهرة غير منتشرة على نطاق واسع، لكن إنْ تركناها دخلت كل بيت، وأصبح شبابنا في خطر ويرتكبون الجرائم والسرقة».