في الصيف تبحث المرأة عن الترفيه والتسلية عبر النشاطات المتوفّرة التي تنتشلها من ضغوطات الحياة اليومية وتعيد إليها ثقتها بنفسها وحيويتها. فالسفر والرحلات الاستجمامية أصبحت بمثابة الشريان الرئيس لنبض اللبنانية، وهذا يعود ربما الى هروبها من واقع بلدها المأساوي والأليم الذي تتناهشه أنياب البلدان الطامعة به، والى جذورها وأصولها الفينيقية. فكما إنفتح شعب الفينيق على العالم وسافر لاكتشافه، كذلك إنفتحت اللبنانية على العالم الخارجي القريب والبعيد منها وطارت وتعرّفت الى حضارات جديدة لعيش تجارب فريدة ولاكتشاف معانٍ ورموزٍ حياتية مميزة، فعادت حاملةً معها قيماً تحررية دخيلة على قاموسها الشرقي والعربي، أو بالأحرى هذا ما إعتقدته.
أثينا… عاصمة الآلهة
فمنذ حوالى الأسبوعين أو الثلاثة سافرت 4 صديقات الى اليونان تلك الإمبراطورية التاريخية العظيمة التي شهدت على ولادة الآلهة ومنها «زيوس» وإلهة الحبّ والشهوة والجمال «إفروديت»، وخاضت حروباً وفتوحات ناجحة متصدّيةً للأعداء ببناء قواعد حربية قويّة على واجهة البحار.
سافرن الى العاصمة أثينا تلك المدينة العريقة التي تضمّ متحف الاكروبوليس الذي يعود الى العصر البرونزي، فإستمتعن في إكتشاف رموز الحضارة اليونانية القديمة ومعالمها الأثرية التي لا تزال مندثرة هنا وهناك تصارع ليبقى لها مركزاً مهماً في ظلّ العصرنة والتمدّن اللذين إجتاحا المدينة بقواعد خاصّة.
… وميكونوس عاصمة المثليين
عاشت الصديقات في أثينا تجربةً يونانية فريدة إذ إكتشفن معالم المدينة الأثرية والسياحية وحتّى الحديثة. وفي اليوم التالي من رحلتهنّ الاستجمامية قمن بجولة على جزرها الرومنسية الخلابة ذات الشوارع الضيّقة التي تدخلها إما سيراً على الأقدام أو على ظهر الحمار «المدلل» في اليونان، والمتاجر المنتشرة على ضفافها عارضةً منتجات يونانية وصناعة حرفية دقيقة تنطق أناقة ورومنسية.
وفي اليوم الثالث، إستيقظن قبل صياح الديك وتأهّبن تأهّب العسكر مستعدّات لعيش «أفضل تجربة سياحية وأكثرها روعةً وجنوناً» على حدّ قول غالبية اليونانيين والسيّاح، متوجّهات على متن قارب كبير الى ميكونوس «مدينة الانفتاح والعصرنة».
وبعد حوالى الخمس ساعات، وصلن الى جزيرة صغيرة بيضاء اللون ذات شوارع ضيّقة، تقليدية هي ميكونوس بشوارعها ومبانيها ومتاجرها، إلّا أنها تحررية بقيمها وشيمها وحضارتها، فميكونوس هي عاصمة المثليين الوافدين إليها من مختلف أنحاء العالم باحثين عن عيش تجربة غرامية تحررية لا حسيب فيها أو رقيب، لا منتقداً ولا ممانعاً ولا معارضاً.
شاطئ للعراة… ولا مَن يبالي
تجوّلت اللبنانيات في شوارع ميكونوس المتناقضة بين مظاهر الفقر والترف، بين البساطة والتكلّف، بين الانغلاق والتحرر، وزرن شواطئها حيث التحرّر المطلق. ففي شاطئ «البارادايز» مثلاً لا تتكلّف الفتاة عناء البحث عن شراء «مايوه» جميل يناسبها لانها تمشي عاريةً وتخضع الى حمام شمس وهي عارية، والامر مماثل بالنسبة الى الرجال الذين يتجوّلون بثقة على ضفاف الشاطئ مستمتعين بحريتهم وتحرّرهم، ولا يمانعون في تقبيل عشاقهم الرجال.
ولكنّ الغريب في الأمر، هو أنّ أحداً من رواد هذه المسابح لا يعير الآخر إهتماماً ولا ينظر إليه بطريقة إستغراب ولا يبالي به وبمظهره الخارجي بعكس اللبنانيين، بل كلّ إنسان يقوم بما يحلو له من دون الخوف من نظرات الناس الفضولية وإنتقاداتهم، «فالحرية الفردية مقدّسة في ميكونوس».
… والفلتان اللبناني في ذروته
عادت الصديقات الى لبنان محمّلات بأخبار وصور كثيرة تخلّد ذكرى رحلتهنّ التي جمعت بين مظاهر العصرنة وثوابت الماضي، عدنَ شاكراتٍ الدولة لعدم تشريعها المثلية نظراً لما رأينه هناك من مشاهد لا تقبلها العين، أقلّه العين الشرقية التي تربّت على ثوابت وقيم لبنانية تقليدية.
عدن الى بلدهنّ فرحاتٍ بمظاهر التطوّر والعصرنة التي تسللت إليه من دون أن تفقده هويته المحافِظة نوعاً ما، إلّا أنّ فرحهنّ لم يدم إلّا بضعة أيام معدودة.
فلطالما تميّز لبنان بتحرّره وانفتاحه على غيره من الشعوب، ولطالما تربّع على عرش الانفتاح وتبادل الثقافات والتجارب وتبنّي قيم جديدة تساهم في تطوّره محلياً وعالمياً، إلّا أنه في الآونة الاخيرة وصل الانفتاح الى ذروته وبالغاً حدّ الوقاحة والفلتان.
مسبح أو كاباريه؟
ففي نهاية الأسبوع قررت الصديقات الاستجمام في لبنان وزيارة أحد المسابح المميزة التي تجمع اللبنانيين على اختلاف أعمارهم وطوائفهم وإنتماءاتهم السياسية، وتهتم بهم وتقدّم لهم «خدماتٍ خاصّة».
فإستُقبلن بحفاوة وترحيب كبيرين ودخلن المسبح الضخم محاولاتٍ الاختلاط بلبنانيين ولبنانيات أمثالهنّ لكنّ الامر لم ينجح. فما رأينه على شاطئ الـ«سي ف» اللبناني من مظاهر خلاعة وسكر ورقص مبتذل وتصرّفات وقحة غير أخلاقية يتجاوز بأشواط مشاهدَ العراة على الشواطئ اليونانية.
فلِيضمن المنتجع لرواده عيشهم تجربة مريحة ومسلية مليئة باللذة والمتعة والشغف، أوجد «باراً» في وسط بركة السباحة وسمح لعشاقه بإصطحاب مشروبهم معهم الى المياه. أما الموسيقى الحماسية التي يلعبها فتدفعهم الى الجنون وتطلق العنان لمخيّلتهم فيبتكرون رقصات مبتذلة تصل الى حدّ ممارسة الجنس علناً.
لا يكتفي المنتجع بتدليل زبائنه بهذا القدر فقط، وإنما في ذروة اللذة يحضر لهم ثلاث عارضات من جنسيات غير لبنانية يرقصن على المنصّة أمام أعين مئات الرجال والنساء، إلّا أنه لا يسمح إلّا للفتيات بمشاركة العارضات الرقص مباشرةً على المنصّة.
كذلك، يملك المنتجع خطة إقتصادية محكمة، فلِيحافظ على زبائنه يسمح للفتيات بالدخول مجاناً قبل الساعة الحادية عشرة صباحاً وهذا ما يشجّع بالتالي الرجال الى دفع مبلغ من المال لقاءَ الحصول على فرصة التعرّف الى كثير من الفتيات.
… فيلم بورنوغرافي
وفي ذروة تلك اللحظة الحماسية حيث تتمايل أجساد الزبائن ورواد المسبح على أنغام الموسيقى التصاعدية، خرجت فتاة أجنبية من المياه تتمايل ليس إنسجاماً مع الموسيقى وإنما بسبب كميات الكحول التي دخلت الى جسمها. قفزت بقوّة بطريقة أثارت شهوة أحد الشباب الذي خرج فجأة من المياه وتوجّه بخطى مترنّحة وإنما ثابتة الى «هدفه»، فإحتضنها برجولة وراقصها بخفّة وقبّلها بقوّة وشغف… الى أن وصل بهما الامر الى السرير.
لم يمانع أصحاب المنتجع والقيّمون عليه مظاهر التحرر هذه وإنما إعتبروها أمراً طبيعياً محترمين الحريّة الفردية، بحيث لم يقاطع العاشقين أحد فأكملا ما باشرا به بكل هدوء.
القانون يعاقب!
إستنكرت المحامية في محكمة الاستئناف لودي حسّون «مظاهر التحرّر تلك على الشواطئ اللبنانية والتي وصلت الى حدّ غير مقبول تجلّى بالفلتان الأخلاقي وعدم إحترام الآداب العامّة، خصوصاً أنّ الحرية الفردية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر، وهذا يسيء الى تربية الاولاد ويترك لديهم إنطباعاً خاطئاً»، بحسب ما أوضحت في حديثها لـ«الجمهورية».
وأشارت حسون الى أنّه «علينا إحترام الآداب العامة والأخلاق خصوصاً في الاماكن العامة إذ يمنع القانون اللبناني أيّ تصرّف منافٍ للحشمة ويعاقبه».
وأكّدت أنّّ «المادة 757 من قانون العقوبات المعدّلة في المادة 48 من المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 16-09-1983 تمنع مظاهر الفحش التي تحصل في المنتجعات والاماكن العامة، وتعاقب مَن يستحمّ في مكان عام بمظاهر مخالفة للحشمة أو يظهر في مكان عام بوضع مخالف للآداب العامة بالسجن ثلاثة أشهر وبغرامة مالية تتراوح بين 40000 و400000 ليرة لبنانية». وختمت حديثها مشيرةً الى أنّ «مَن يُعاقب في حال الاخلال بالآداب العامّة هو مرتكب الجنح وصاحب المسبح أيضاً لسماحه بهذه المظاهر».