إكس خبر- ما إن انتخب عقيلة عيسى رئيساً للبرلمان الليبي الجديد، حتى انتشر في مواقع الانترنت شريط فيديو يظهره وهو يقدم فروض الطاعة والولاء للعقيد معمر القذافي خلال تجمع قبلي عشية ثورة 17 شباط (فبراير) 2011.
تطورٌ يدعو المراقب الى افتراض أمر من اثنين، إما أن المصالحة تمت في ليبيا على اكمل وجه، او ان ثورة 17 فبراير أحبطت. لكن ما يدحض فرضية «المصالحة»، مسارعة اصوات مناهضة للبرلمان الجديد الى اتهام عقيلة (النائب العام في عهد القذافي) ونواب آخرين، باختراق قانون العزل والتسلل الى الانتخابات البرلمانية، حتى أن احدهم وخلال أدائه اليمين في جلسة المجلس الجديد في طبرق، اقسم بالولاء لـ «ثورة الفاتح» قبل ان يدرك خطأه ويتلعثم، امام شاشات التلفزيون. وما كان من بقية النواب الا ان ضحكوا وصفقوا، باعتبار انها «زلة لسان» تنم عن براءة.
عزز انعقاد البرلمان الجديد في طبرق، نظرية المؤامرة القائلة إن منظومة عهد القذافي التي حاولت استنساخ التجربة المصرية، مستعينة باللواء المتقاعد خليفة حفتر، عمدت بعد فشله الناتج عن عدم وجود جيش نظامي في ليبيا، الى استحضار آلية أخرى حكم بها القذافي البلاد، وهي «اللعب» على التحالفات القبلية بما فيها من عصبيات وتجاذبات. ولا بد هنا من التوقف عند انتماء عقيلة عيسى الى قبيلة العبيدات التي تحمل ثأراً ضد الاسلاميين المتهمين بقتل اللواء عبدالفتاح يونس، أحد أبرز ابنائها الذين انشقوا عن القذافي في 17 فبراير.
وفي هذا السياق، يمكن استحضار مساعٍ سرية قام بها «المجلس الانتقالي» لدى وسطاء دوليين خلال الثورة، للتوصل الى تفاهمات لاقتسام السلطة مع منظومة القذافي، متمثلة بنجله سيف الاسلام، غير ان تعنت العقيد ورفعه سقف التفاوض، أحبطا الى جانب ظروف أخرى، محاولات التفاهم وانتهى به الامر مقتولاً على ابواب سرت.
واستمرت تلك الترتيبات على ابواب طرابلس قبل «تحريرها»، ما انتج انشقاقات كبيرة في نظام القذافي مع الحفاظ على منظومته التي اندمجت في الوضع الجديد مع احتفاظ افرادها بترابطهم وتواصلهم، مستفيدين من خبرات سابقة راكموها، حتى قيل انهم وحدهم يملكون «دليل الحكم» في ليبيا.
في المقابل، بدت «قوى التغيير» أسيرة لتنظيمات اسلامية ومتشددة وفوضوية، في غياب أي محاولة جديّة من قبلها لاستحداث مجتمع مدني يرعى القيم الاساسية لـ «17 فبراير» المتجسدة بالحرية والديموقراطية ودولة العدالة الاجتماعية. كما تشتت جهود المطالبين بالتغيير بظهور نزعات جهوية وصلت الى حد مطالبات بالاستقلال الذاتي والسيطرة على منشآت نفطية.
هذه العوامل، أضيف اليها انعدام الامن «المتعمد»، دفعت بكثيرين الى التشكيك بثورة «17 فبراير» والترحم على الامن والاستقرار في العهد السابق، عملاً بالمثل الليبي القائل: «ما أبهاكي يا مرات ابوي الاولى».
خاض الليبيون منذ مقتل القذافي تجارب انتخابية عدة، لكنهم لم يتمكنوا من انتاج طبقة سياسية جديدة، لأسباب عدة، اهمها التدخلات الخارجية والهجرة المستمرة للكفاءات، واستهداف المثقفين والمتعلمين وأصحاب الخبرات بحملات قاسية لاقصائهم وصلت الى حد التصفية الجسدية. وما لم تتمكن «قوى التغيير» من اعادة تقييم استراتيجياتها، فإنه لم يعد مستبعداً نجاح «الثورة المضادة»، وبالتالي استئثار المنظومة السابقة بالحكم.