إكس خبر- تحدثنا أكثر من مرة في “الموقف” عن ميزات الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم عدم اقتناعنا بأن الأنظمة الدينية تصلح لحكم الشعوب. الميزة الأولى هي الجدّية، إذ استطاعت ورغم سنوات ثمانٍ من حرب مع عراق الراحل صدام حسين، ورغم مواقف عربية وإسلامية ودولية رافضة لها، ورغم الحصارات والعقوبات التي تعرّضت لها، أن تبني مؤسساتها المدنية والقضائية والعسكرية والأمنية. كما استطاعت بناء ترسانة عسكرية مهمة جعلتها قوة إقليمية كبرى. ومكّنها ذلك من انتهاج سياسة توسّع إقليمي طموحة جداً ومن النجاح في تطبيقها إلى حين “اندلاع” الربيع العربي في سوريا وتداعياته عليها وعلى لبنان وعلى العراق. والميزة الثانية هي أنها كانت ولا تزال حتى الآن الدولة الوحيدة في المنطقة غير المرتبطة بتحالف دولي يحدّ من استقلاليتها ويمسّ سيادتها ويحميها من أعداء الداخل والخارج. والميزة الثالثة هي ممارستها داخل بلادها ديموقراطية جزئية، وذلك خلافاً للدول المسلمة والعربية التي ليس فيها من الإسلام إلا دين الدولة أو دين رئيسها أو التشريع.
وأشرنا أكثر من مرة في “الموقف” أيضاً إلى أن الميزات المفصّلة أعلاه لا يمكن إنكارها، وإلى أن القوى الدولية الكبرى والعظمى تعترف بها. لكننا لفتنا في الوقت نفسه إلى أن مبالغة قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الاقتناع بها قد توصلهم إلى “غرور القوة” الذي من شأنه إيقاعهم في شرك الحسابات والتقويمات الخاطئة. فأميركا القوة الأعظم لم تشعر يوماً بالقلق أو بالخوف من قدراتها العسكرية لاقتناعها بأن المواجهة العسكرية معها، إذا وقعت يوماً، ستثبت لإيران أن مقياس القوة العسكرية ليس فقط صنع السلاح بل اختباره في حرب فعلية. علماً أن واشنطن كانت تعوِّل دائماً على أمرين في المواجهة مع إيران. الأول براغماتية شعبها وواقعيته. والثاني الانفتاح الشيعي بسبب الباب المفتوح للاجتهاد.
لماذا هذا الكلام على إيران اليوم؟
لتأكيد ما ذكرناه في “الموقف” أيضاً منذ شمول “الربيع العربي” سوريا وهو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية صارت في “موقع الدفاع” للمرة الأولى بعد انتهاء حربها مع العراق عام 1988. وهو أيضاً للإشارة إلى أن ما جرى في العراق أخيراً، بانعكاساته السلبية على حلفائها في سوريا ولبنان يجعل عودتها إلى موقع الهجوم من الصعوبة بمكان. فـ”الهلال” الذي سمّاه ملك الأردن “شيعياً”، والذي يسمّيه كثيرون “فارسياً” ينفرط عقده وتتفتت شعوبه. والعراق المدى الحيوي المباشر لإيران” الذي لا تستطيع أن تسمح لأي جهة إقليمية أو دولية بتهديده، وإن اضطرت إلى استعمال القوة المباشرة، صارت فيه الآن في موقع دفاعي. فمن جهة لا تستطيع إرسال جيشها لتمكين “نظامها” الحاكم فيه من استعادة مناطقه السنية التي سيطر عليها تنظيم “داعش” باشتراك غالبية السنّة. ذلك أن العالم العربي والإسلامي السنّي لن يقبل ذلك ومعه الدول الكبرى وفي مقدمها أميركا رغم وحشية التنظيم المذكور. وإيران عرفت (متأخرة ربما) أن جيش نظام العراق غير مؤهل عملياً لاستعادة ما فُقِد بعدما عجز عن منع فقدانه. علماً أنها قد تكون أخطأت في تقدير نيّات سنّة العراق والسنّة العرب. ومن جهة ثانية أكدت وسائل الإعلام أمس، استناداً إلى مصادرها، أن أميركا، وهي تساعد العشائر السنية والتنظيمات السنّية الأخرى والأكراد على محاربة “داعش”، لن تسمح للجيش العراقي بالاشتراك المباشر في ذلك لأن لا ثقة بأنه لن يكرر ما فعله بأمر من رؤسائه والقيادة السياسية العراقية في السنوات الثماني الماضية لهؤلاء. ومن جهة ثالثة بدا واضحاً أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اعتمدت ولا تزال تعتمد على أميركا لمنع “داعش” من التمدد إلى بغداد ومن استهداف مناطق أخرى رغم أن المتضررين من إيران في العراق وجواره لا يمانعون في ذلك ربما. ومن جهة رابعة ظهرت في وضوح حاجة إيران إلى أميركا في العراق وربما في المنطقة. وهي تماثِل حاجة أميركا إليها لمحاربة “الإرهاب الإسلامي السنّي” الجديد.
هل يسهِّل ذلك وصول الـ5+1 الدولية وإيران إلى إقفال الملف النووي وإلى البحث في القضايا الاقليمية؟ على الأرجح نعم. لكن الجزم بذلك يبقى سابقاً لأوانه. فإيران، ورغمٍ موقعها الدفاعي، لن تستسلم رغم معرفتها أن ربحها وحدها في المنطقة صار مستحيلاً.