إكس خبر- عودة سعد الحريري ليست منسقةً مع النائب وليد جنبلاط ولا مع الرئيس نبيه بري كما أكد كل منهما منفرداً رداً على ما جرى تداوله بهذا الصدد، هذا عدا عن أن خطاب الحريري فور عودته لم يحمل أي إشارات ودية أو بناء لجسور أو كسراً لجليد أو إطلاقاً لمبادرات نحو من يُفترض أن تنسيق الزيارة جرى معهم كي تكون منسقةً، المقصود منها طبعاً حزب الله.
فمن خطاب جدة قبل يوم من العودة إلى بيان الرابع عشر من آذار الصادر عن بيت الوسط بحضور الحريري ورئاسته احتفاءً بعودته، الخطاب هو هو «لا حلّ إلا بانسحاب حزب الله من سورية»، ولا يزال وجوده هناك أصل المشكلة والجديد هو الاعتراف أن الإرهاب موجود وبات خطراً حقيقياً وأن مواجهته تتم بالاصطفاف وراء الجيش اللبناني، مع إضافة هذه المرة هي العودة للمطالبة بنشر «يونيفيل» على الحدود اللبنانية – السورية، كافيةً وحدها لاستفزاز حزب الله.
جاء الحريري وبجعبته مليار دولار سعودي للجيش والأجهزة الأمنية ومعه التفويض بإنفاقها عبر الدولة اللبنانية، لكن بعد أن يقرر هو، أي الحريري، حصة كل مؤسسة وكلّ جهاز وأبواب الإنفاق المقررة من خلال مفاوضات سيجريها مباشرة مع قيادة الجيش وقادة الأجهزة الأمنية.
على ماذا سيفاوض الحريري؟ وهل هي مجرد مفاوضات تقنية لضمان وجهة إنفاق المال السعودي لحساب صاحبه، أم لا توجد ثقة بأن تقوم بها الدولة مباشرة إذا تسلمت كامل المبلغ؟
رئيس الحكومة تمام سلام من تيار الحريري ووزيرا الدفاع والداخلية سمير مقبل ونهاد المشنوق محسوبان عليه بالمباشر وبتصرفه. والمنطقي أنّ مواقعهم في الحكومة تضع بتصرف كل منهم أجهزة وخبرات ومعرفة بالحاجات المباشرة للمؤسسات العسكرية والأمنية أكثر مما سيكون متاحاً للحريري شخصياً.
إذاً المفاوضات التي سيجريها الحريري مع قيادة الجيش والأجهزة الأمنية هي مفاوضات سياسية، وتهدف إلى تعزيز نفوذه ومن خلاله النفوذ السعودي عليها أي على «المؤسسات والأجهزة الأمنية»، والمستهدف الوحيد في هذا هو ضمان إبعاد هذه المؤسسات عن نفوذ حزب الله.
بالمقابل عودة الحريري تطلق حملة من الاتصالات واللقاءات والاجتماعات لشدشدة تياره ومناصريه وترتيب البيت الداخلي للطائفة، بعدما بدا أنّ التطرف والإرهاب يقتطعان منها نصيباً وأن أصحاب الطموحات الشخصية والسياسية داخل تياره حوّلته إلى مجموعة مراكز نفوذ متصارعة، فهنا تيار فؤاد السنيورة وهناك تيار الشمال وفي الوسط تيار نهاد المشنوق، وفي الظل يستعيد حلفاء حزب الله وسورية في الطائفة جزءاً من المكانة المفقودة مستفيدين من هذا الترهّل والضعف.
من الطبيعي في هذا المناخ أن يسعى المتنافسون في تيار الحريري إما للاستقواء بالتطرف كما هي حال نواب الشمال، وإما لمدّ الجسور مع حزب الله تحت عنوان الاعتدال والوحدة الوطنية.
عودة الحريري بعنوانها الأمني والمالي لمواجهة الإرهاب ودعم الجيش والأجهزة لكن ضمن صيغة وإطار يضمنان تعزيز النفوذ بوجه حزب الله، أما بعنوانها «المستقبلي» والطائفي فهي لتصليب كتلته الشعبية والسياسية في وجه الإرهاب، ولو بدرجة أقل، على قاعدة الابتعاد عن حزب الله.
هل هذا يعني أن عودة الحريري بداية معركة جديدة مع حزب الله أم هي عودة للشراكة بعد تجميع الأوراق التي تحفظ الدور والمكانة؟
المصادر السياسية المتابعة لعودته تؤكد أنه يستحيل أن تكون عودة الحريري الذي بقي ثلاث سنوات خارج لبنان، ترجمة لرمزية ما يعنيه قوله من أنه عائد من مطار دمشق الدولي، كإشارة للثقة برحيل نظام الأسد، من دون أن يكون قرار العودة بشراكة سعودية كاملة إشارةً رمزية معاكسة تعني أن زمن الرهان على رحيل الأسد قد انتهى، وأن ما يجري في المنطقة ولبنان لم يعد يتناسب مع هذا النوع من ترف الانتظار والمراهنات.
من جهة أخرى، السياق الذي تطلقه عودة الحريري أهمّ من العودة نفسها كما يجمع السفراء الغربيون المقيمون في بيروت، فهذا السياق لن يكون منعزلاً عن تصاعد الحراك لملء الفراغ الرئاسي من جهة وللتمديد للمجلس النيابي من جهةٍ أخرى، وكلاهما مستحيل من دون انخراط تفاوضي مع حزب الله بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة، والتفاوض حول الهبة للمؤسسات الأمنية والعسكرية لن يجري وحزب الله مغمض العينين مقيّد اليدين، بل يستحيل أيضاً أن يصل إلى نتائجه العملية والإجرائية من دون المرور بعتبة التفاهم مع حزب الله.
الخلاصة التي يسجلها المراقبون عن مؤشرات عودة الحريري تقول إنها لم تكن حاصل تسوية وترجمة لمفرداتها وهذا صحيح، إلا إنها بداية لمناخ تسوية وسياق مفرداتها وإعلان لنهاية مرحلة كان عنوانها الرهان على رحيل قريب للأسد قد صارت وراءنا.
أليس ما جرى في دار الفتوى بعد استعصاء ثلاث سنوات دليلاً على ذلك؟