إكس خبر- تتّسع مروحة الملف الفلسطيني في لبنان، بتركيز البؤرة على مخيّم عين الحلوة، بما يمثّله على أكثر من صعيد، متجاوزاً الواقع الفلسطيني على الساحة اللبنانية، ليكون المخيّم متأثّراً بتردّدات داخلية لبنانية، وما يجري في سوريا، وما يتعلّق بالقضية الفلسطينية برمّتها…
وتكمن أهمية تسليط الأضواء مجدّداً على المخيّم في وقت:
– تستمر أزمة خطف العسكريين اللبنانيين من قِبل “داعش” و”جبهة النصرة”، وعدم نجاح الاتصالات المبذولة على أكثر من صعيد حتى الآن بإطلاق سراحهم أحياءً…
– تأزّم الواقع على الساحة السورية، واحتمال تطوّر الأوضاع مع تعدّد الجهات الموجودة، سواء بالنسبة للنظام أو “الجيش الحر” أو “جبهة النصرة” أو “داعش”.
– الإصرار الفلسطيني على التوجّه إلى “مجلس الأمن الدولي”، مدعوماً، وللمرّة الأولى بإجماع “جامعة الدول العربية”، من أجل التقدّم بمشروع قرار يُنهي الاحتلال الإسرائيلي عن الدولة الفلسطينية، كما اعترف بها العالم في مثل هذه الأيام من عام 2012 على حدود الرابع من حزيران 1967.
– نجاح القوى الفلسطينية على مختلف مشاربها وتوجّهاتها السياسية، بتجنّب الخوض في أتون التجاذبات الداخلية اللبنانية، في أحلك الظروف وأصعبها خلال الانقسام الحاد، والاشتباكات التي شهدتها عدّة مناطق لبنانية سواء في طرابلس أو عرسال أو عبرا، ثم عرسال وطرابلس.
– عدم تأثّر القوى الفلسطينية بالخلافات السياسية بين حركتَيْ “فتح” و”حماس” التي تبرز بين الحين والآخر، فيما يستمر التنسيق والتلاقي بين مسؤولي الحركتين مع القوى الفلسطينية على الساحة اللبنانية.
– ارتفاع مستوى التنسيق اللبناني – الفلسطيني سياسياً وأمنياً، حيث تسجّل أفضل فترة علاقات ما بين القوى الفلسطينية والجيش اللبناني بقيادة العماد جان قهوجي، الذي حصن عقيدة الجيش بأنّ هناك عدوّاً وحيداً هو العدو الإسرائيلي وخلاياه التجسّسية وأدواته الإرهابية…
بات من الواضح أنّ هناك مَنْ لم يرق له عدم دخول العامل الفلسطيني في أتون الخلافات الداخلية اللبنانية، سواء من توجّهات مناطقية أو طائفية أو مذهبية، حيث أجمعت مختلف القوى الفلسطينية على أنّ بوصلتها هي فلسطين، وعدم الدخول طرفاً في التجاذبات الداخلية اللبنانية، بل العمل قدر المستطاع على إطفاء الحرائق، وتقريب وجهات النظر، وإصلاح ذات البين، وهو ما نجحت به في أكثر من مجال، وبشهادة أطراف لبنانية متعدّدة، وهو ما لم يرق للبعض بأنْ أصبح الوضع الفلسطيني في لبنان يحظى بشبه إجماع، حتى من الأطراف التي كانت في حالة حرب وعداء مع الفصائل الفلسطينية في مراحل سابقة، حيث أيقنت بالملموس أنّه لا يوجد مشروع لا سياسي ولا أمني ولا عسكري للقوى الفلسطينية على الساحة اللبنانية، وأنّ المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية ليست حاضنة للإرهاب، رغم الظروف الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية الصعبة، التي يئن تحت وطأتها اللاجئون الفلسطينيون.
سحب فتائل التفجير
ويبدو أنّ هناك مَنْ فشل في تفجير الأوضاع في أكثر من منطقة، بعدما سُحِبَتْ منها فتائل التفجير، فقُضِيَ على حلم الإمارة في منطقة الشمال، بعد توجيه الجيش اللبناني ضربةً قاصمة لمجموعة أحمد سليم الميقاتي (مواليد 1968) في منطقة الضنية (23 تشرين الأول 2014)، وما تلا ذلك من مداهمات داخل مدينة طرابلس، ما أدّى إلى توقيف العديد من المطلوبين، وتواري آخرين عن الأنظار، وبينهم شادي المولوي (مواليد 1987) وأسامة أحمد منصور (مواليد 1987).
وأيضاً بعدما نجحت الجهود، الذي بُذِلَتْ على أكثر من صعيد، بإفشال التفجير في منطقة العرقوب وحاصبيا وراشيا، وإشعال المنطقة بصراع مذهبي سني – درزي، يتأثّر بما يجري خلف الحدود في الجولان وجبل الشيخ في سوريا.
في ضوء ذلك كله، ظهر مجدّداً الملف الفلسطيني باعتباره “قميصاً لبّيساً” سرعان ما تُلصق التهم به، حتى ولو كانت دون مسوّغات وقرائن، ولكن التهمة جاهزة، على الرغم من أنّ الأيام الماضية أثبتت أنّ هناك تعاوناً فلسطينياً مع الأطراف اللبنانية، بمنع استخدام ساحة المخيّمات منطلقاً للقيام بأعمال إرهابية أو اعتداء على الجيش، أو مناصرة قوى كانت تسعى إلى زج العامل الفلسطيني إلى جانبها خلال اعتدائها على الجيش، كما حصل مع مجموعة إمام “مسجد بلال بن رباح” الشيخ المتواري عن الأنظار أحمد الأسير (23 حزيران 2013)، أو كما حصل خلال أحداث طرابلس وعرسال.
وأيضاً في مرّات سابقة عندما اعتدت مجموعة “فتح الإسلام” بقيادة شاكر العبسي على الجيش في نهر البارد (20 أيار 2007 وحتى 2 أيلول من العام ذاته)، حيث وقفت القوى الفلسطينية إلى جانب الجيش في مواجهة الاعتداء عليه.
هذا الواقع الذي تجسّد أكثر من مرّة، هناك مَنْ يتضرّر منه، ولذلك، إما يبث الشائعات أو ينقل الأزمة من مكانها إلى المخيّمات، أو يسعى إلى فلتان الأمور وتوتير الأجواء، وحصول اشكالات واشتباكات بين الجيش والمخيّمات، تحقيقاً لأجندات خارجية.
الاستقرار السياسي في صيدا والمخيّم
ما يجري في مخيّم عين الحلوة منذ فترة ليس ببعيد عن الاستقرار السياسي الذي تشهده “عاصمة الجنوب”، بما يمكن أنْ تؤثّر وتتأثّر بمخيّم عين الحلوة والوجود الفلسطيني في المنطقة، حيث تُسجّل أفضل فترة استقرار سياسي بين مختلف القوى السياسية المتواجدة على الساحة الصيداوية، على الرغم من التباين في التوجّهات السياسية، فحُصِّنَتْ المدينة في مواجهة أي خروقات أمنية، وإنْ كان البعض يسعى بين الحين والآخر إلى خروقات سياسية، ولكن لم تجد لها آذاناً صاغية على الساحة الصيداوية حيث يسجّل الأمن فيها أعلى نسبة استقرار، وإنْ كانت هناك بين الحين والآخر إشكالات فردية، سرعان ما يتم تجاوز تداعيتها وضبطها وإنهاء ذيولها.
وفي مخيّم عين الحلوة، نجحت “القوّة الأمنية المشتركة” بقيادة العميد خالد الشايب، التي انتشرت (8 تموز 2014)، كترجمة عملانية للمبادرة الوطنية الفلسطينية التي أُعلِنَ عنها (28 آذار 2014)، وحُدِّدَتْ مهام القوّة والتنسيق الفلسطيني الداخلي ومع الأطراف اللبنانية بمختلف تكويناتها الرسمية والشعبية، وهو ما أوقف مسلسل الاغتيالات السياسية والتوتيرات الأمنية التي كان هناك مَنْ يقوم بتنفيذها بهدف تفجير الأوضاع الداخلية الفلسطينية.
وفي خطوات استباقية لسحب فتائل التفجير، نشطت القوى الفلسطينية بتوسيع مروحة اتصالاتها مع الداخلية، أو مع الأطراف اللبنانية الروحية والرسمية والسياسية والحزبية والأمنية، تأكيداً على أهمية التواصل وتنسيق المواقف لمواجهة المرحلة الخطرة التي يخشى البعض من حدوث مكروه وتوتيرات تتجاوز بتداعياتها ساحة المخيّم ومدينة صيدا إلى مناطق أخرى!
أين المولوي؟
وبعدما ذكرت بعض وسائل الإعلام وصول شادي المولوي إلى مخيّم عين الحلوة، أبلغت الأجهزة الأمنية اللبنانية، القوى الفلسطينية بضرورة التحرّي لتوافر معلومات لديها عن وصول المولوي إلى المخيّم، خاصة بعد توقيف سائق سيارة أدلى باعترافات حول أنّه نقل المولوي من طرابلس إلى مخيّم عين الحلوة، وكان سيقوم بمهمة أخرى بنقل منصور من هناك إلى المخيّم.
وهنا تبرز جملة من التساؤلات:
– كيف استطاع المولوي الوصول من طرابلس إلى مخيّم عين الحلوة، وتجاوز جميع الحواجز الأمنية وأعين الأجهزة الأمنية؟
– لماذا اختير مخيّم عين الحلوة دون سواه لنقل المطلوب الخطير؟
– هل يُمكن أنْ يتخلّى مَنْ عمل على تغطية المولوي في فترات سابقة، وضغط من أجل إطلاق سراحه بعدما اعتقله الأمن العام اللبناني (14 أيار 2012)، وألا يخشى كشف من كان يموّله مادياً وعتاداً؟
– لماذا نُقِلَ المولوي إلى مخيّم عين الحلوة ذي المساحة الجغرافية الضيّقة جداً، والذي لا يتجاوز حدود الـ 1.5 كلم2، وسط اكتظاظ سكاني يفوق الـ 100 ألف نسمة مع النازحين الفلسطينيين الوافدين من سوريا؟
– لماذا أُعلِنَ عن وصول المولوي دون انتظار وصول المطلوب الآخر منصور إلى المخيّم؟
– كيف استطاع دخول المخيّم رغم الإجراءات الأمنية المشدّدة في محيطه، وصعوبة الدخول والخروج عبر حواجز الجيش الأربعة المنتشرة على مداخل المخيّم، والتي تدقّق بالأوراق الثبوتية للداخلين وتفتّش السيارات وركّابها؟
وفيما تؤكد القوى الفلسطينية أنّها لم تلحظ ما يثبت وجود المولوي في المخيّم، وإذا ما ثبت، فإنّ المخيّم لن يكون بيئة حاضنة له، بل سيعمل على إبلاغ مَنْ يأويه بذلك، وعليه إما سيتم تسليمه إلى الدولة اللبنانية أو عليه مغادرة المخيّم.
وهنا، وعلى الرغم من عدم توافر معطيات لدى القوى الفلسطينية عن وجود المولوي في المخيّم، إلا أنّها تتعاطى مع الأمر وكأنّه موجود، وتقوم بسلسلة زيارات مفاجئة كما حصل في منزل نعيم النعيم في حي حطين، الذي ذُكِرَ أنّ المولوي تواجد فيه، فتبيّن عدم صحة ذلك.
وأيضاً تكثيف القوى الفلسطينية من تحرّكاتها وتحرّياتها للتحقّق من أنّ المولوي في المخيّم، والضغط على مَنْ يأويه – إذا ما ثبت ذلك – لتسليمه إلى الجيش اللبناني أو مغادرة المخيّم، والتجارب السابقة عديدة في هذا المجال سواء، كما حصل مع بديع حمادة “أبو عبيدة” بعدما قتل 3 عسكريين (11 تموز 2002) لدى تواجده في منزل خطيبته في منطقة الفوار – الهمشري – صيدا، قبل أنْ يلوذ إلى المخيّم، حيث تم تسليمه (17 تموز 2002) إلى الجيش اللبناني، وأيضاً كما حصل مع أحمد سليم ميقاتي و”مجموعة الضنية” بعد الاشتباكات بين هذه المجموعة وعناصر من حركة “فتح”، كرد فعل على تسليم حمادة، والطلب من أفراد “مجموعة الضنية” إما الالتزام ومنع التحرّك ووضع حالتهم تحت سيطرة “عصبة الأنصار الإسلامية” أو مغادرة المخيّم، وهو ما قام به الميقاتي وعدد آخر من أفراد المجموعة، قبل أنْ يتم توقيفه في منطقة قصقص (17 أيلول 2004).
المهم أنّ القوى الفلسطينية تأخذ على محمل الجد احتمال تواجد المولوي في المخيّم، لكن التساؤل الذي يبرز هو “لماذا الإصرار على وجود المولوي، وعدم معالجة الموضوع بعيداً عن الضوضاء الإعلامية، على اعتبار أنّه “قنبلة موقوتة” قُذِفَ بها إلى المخيّم ويجب تفكيك صاعق هذه القنبلة قبل انفجاره، حيث قد تصل شظاياه إلى أكثر من مكان؟، وماذا يُمكن أنْ يفعل شخص مطلوب إذا ما وصل إلى مكان لا توجد لديه فيه بيئة حاضنة”؟”.
وفي هذا الإطار، تؤكد القوى الفلسطينية لـ “اللـواء” “أنّها ستمنع مَنْ يحاول الاعتداء على الجيش اللبناني حتى لو كان من القوى الفلسطينية، وأنّ دماءها ستكون حاجباً لدماء الجيش، بتفويت الفرصة على صدام الجيش مع المخيّم، لأنّ الهدف أبعد من قضية مطلوب سواء أكان المولوي أو غيره من الأسماء.
ويذهب البعض إلى قول: “إنّ أبرز قيادات الخلايا الإرهابية يتواجدون في “سجن رومية”، حيث يحظون بعناية خاصة، وتتوافر لديهم أجهزة الكمبيوتر والإنترنت ووسائل التدريب، ومَنْ يدخل إلى السجن مبتدئاً يخرج منه كادراً متعلّماً ومتدرّباً على العديد من وسائل التفجير والتطرّف الفكري.
مصير فضل شاكر
أما بالنسبة إلى الفنان المعتزل المطلوب للعدالة فضل شاكر، فقد أُبلِغَ من قِبل القوى الفلسطينية بأنّ عليه حسن الضيافة والامتناع عن الإدلاء بأي تصاريح أو مواقف بعد ازديادها في الآونة الأخيرة، والتي طالت الجيش اللبناني وقوى سياسية، مع الطلب منه تأمين مكان آخر له خارج المخيّم، حيث كان يُقيم سابقاً لدى أقاربه في منطقة التعمير، والتي تُعتبر منطقة جغرافية غير خاضعة لسيطرة الجيش اللبناني أو الفصائل الفلسطينية.
وتؤكد مصادر فلسطينية أنّ المرحلة دقيقة وحسّاسة، ويجب على الجميع معالجة الأمور بحكمة وروية، وتفويت الفرص على مَنْ يحاول الاصطياد بالمياه العكرة، وهذه ليست المرّة الأولى التي يمر بها المخيّم بمثل هذه المآزق، حيث استطاع خلال الفترات السابقة، بفضل وعي وحرص قيادته، والتعاون الفلسطيني مع القوى اللبنانية، تفويت الفرص، خاصة بعدما فُتِحَتْ صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، بعدما كان قد دخل اللواء عباس ابراهيم (مدير عام الأمن العام) يوم كان يتولّى مهام رئاسة فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب (تشرين الثاني 2006) إلى المخيّم، وكانت ثمارٌ إيجابية لهذه الخطوة تجسّدت في أكثر من محطة تفويتاً للفرص على مَنْ يحاول زج الفلسطينيين في أتون الصراعات الداخلية اللبنانية.
الكاتب: هيثم زعيتر