في 29 نيسان(ابريل) الماضي هزت جريمة قتل المصري محمد مسلم في بلدة كترمايا وجدان المجتمع اللبناني، واستفزت المشاعر الانسانية، لدى كل من قدر له ان يشاهد وقائع عملية تصفيته البشعة بدءا من مستشفى سبلين حيث اودع للعلاج، وصولا الى ساحة البلدة حيث علقت على عمود حديد وسط الساحة.
في حينه اختلطت المشاعر الانسانية بين التقزز من هذا المشهد البشع، وشيء من التشفي. وتعددت آراء المشاهدين بين من قال: “حرام”، ومن قال: “بيستاهل”، لان الجريمة التي اقترفها قبل يوم واحد على تصفيته، بذبح جدين وحفيدتيهما الطفلتين، استفزت مشاعر اللبنانيين، فكيف الحال بأهالي القرية الذين عاينوا بأم العين المشاهد الاجرامية، وكانوا يتهيأون لدفن الضحايا الاربع عندما وصل القاتل بمرافقة امنية، لم تكن كافية لحمايته، من رد فعل الناس الهائجين.
الجريمة في حينه ألقت بتداعياتها على اكثر من صعيد، لكن اكثر المتضررين منها كانت الحقيقة. لان موت مسلم طوى الكثير مما كان سيعلنه، في اطار اعترافاته بالاسباب التي ادت الى قيامه بذبح افراد تلك العائلة الآمنة، كما طوى امكان ادلائه بالمزيد من التفاصيل الاضافية عن تنفيذه تلك الجريمة، وهوية شركائه فيها، وكاد ان يقضي على امكان التثبت من انه هو من ارتكبها اساسا، لولا لجوء القوى الامنية القائمة بالتحقيق الى التثبت من ذلك عبر فحوص الحمض النووي التي اجريت على قميصه وعلى الدماء العالقة على السكين المخبأ في منزله، والتي تثبت انها تعود الى الطفلة آمنة، فيما الدماء التي كانت على قميصه عائدة الى الجد يوسف ابو مرعي.
وبازاء اختفاء العامل الاهم والاساس من امام المحققين، اصبح ملف القضية برمته مؤهلا لان يدخل في ادراج الغموض والاحجية، لولا اصرار قيادة الشرطة القضائية على تحقيق انجاز نوعي فيه، ولو من خلال اتباع سبل اخرى من التحقيق والاستقصاء المكثف، افضت بعد اقل من شهر على الحصول على الحقيقة الموجعة كما هي، من خلال توقيف شريكة مسلم في القضية وهي بدرية ابنة شقيق المغدور يوسف ابو مرعي. فما الذي حدث؟ ولماذا تحرض تلك المرأة على قتل عمها وزوجته وحفيدتيه بهذه الطريقة؟
الوقائع التي حصلت عليها “النهار” ان بدرية ابنة شقيق المغدور مرعي متزوجة من ضاهر العلي الذي يقضي محكومية في سجن رومية بجرم قتل قريبه، ولها ابنتان، رلى وجميلة (15 عاما) وهي الفتاة التي اتهم المصري مسلم باغتصابها قبل مدة من تنفيذه الجريمة، ومن ثم اسقط الادعاء عنه.
وبدرية، استنادا الى المصادر كانت على خلاف مستحكم مع عمها المغدور يوسف ابو مرعي وكان مسلم دائم التردد الى منزلها.
وتواصل تدهور العلاقة بين بدرية وعمها يوسف مدة طويلة، الى ان حصل حادث معين هدد يوسف ابو مرعي بدرية على اثره بنقل ما جرى الى زوجها وهو في السجن.
وعندما علم مسلم من بدرية بما جرى وعدها بانه سيقتل عمها المغدور يوسف ، وراحت بدورها تحضه على الشروع في تنفيذ وعده قبل ان تتفاقم الامور، ويعلم زوجها بما جرى، لكنه تلكأ بعض الشيء وقلل حضوره ال منزلها، فأرسلت اليه قبل يوم واحد من وقوع الجريمة الاولى، عبر بعض شبان، بأن عليه تنفيذ وعده قبل ان يعمد عمها الى ابلاغ زوجها، ويصبح الكل في مأزق! فوعد امام الشبان بأنه سينفذ الجريمة في اليوم التالي، وهكذا كان.
وعند وصول المحققين الى هذه المعلومات امر المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان باحضار بدرية وابنتها الى التحقيق. وبعد اعترافها بهذه الوقائع، معززة بأقوال الفتاتين، طلب المدعي العام الاستماع اليها مباشرة، فأحضرت وأدلت بأقوالها واعترافاتها على هذا النحو.