إكس خبر- تحت عنوان توافق أميركي ــ سعودي: انهيار لبنان أفضل، كتب ابراهيم الأمين في جريدة الاخبار مقالا قال فيه:
القرار الأميركي بترك لبنان ينهار يبدو أنه قيد التنفيذ. السعوديون انضموا إلى الفكرة نفسها. وهم أكثر حماسة من الأميركيين أيضاً. وبينهما تقف فرنسا في وضع صعب. لا هي تريد مواجهة واشنطن والرياض، ولا هي قادرة أصلاً على فرض نفسها كلاعب يمكن للبنان الاتكال عليه. أما بقية أطراف المنطقة، فتبدو في حالة إرباك كبيرة، وسط ارتفاع منسوب التوتر الداخلي، وعجز كبير لدى القوى السياسية عن إنتاج صيغة جديدة لإدارة الأزمات كافة.
جلسة الثقة المقرّرة اليوم لن تحل المشكلة. لا الحراك قادرٌ بوضعيته على قلب النظام أو إطاحة السلطة، ولا القوى البارزة قادرة على تقديم حل يُرضي الناس. والنتيجة أن الانهيار يتواصل ومعه انكسار اجتماعي ونفسي ومعيشي يصيب غالبية الناس، الذين سينتقلون حكماً إلى مرحلة مختلفة من الغضب، وسط غياب المؤشرات على قيام قوى جديدة قادرة فعلياً على وضع برنامج لا يعمل ولا يتقاطع مع حسابات اللاعبين الكبار في لبنان والخارج.
وإذا كانت قوى السلطة قد جعلت من الحديث عن المؤامرة الخارجية نكتة سمجة غير قابلة للتصديق، فإن العاملين في خدمة الخارج من السلطة ومن قوى الحراك، نسجوا أيضاً حكايتهم التي باتت أيضاً غير قابلة للتصديق، وخصوصاً عند كتلة بارزة من الكوادر الذين يبدو أنهم «امتهنوا» صفة الثوار، فصارت وظيفتهم ومنها يعتاشون.
في الخارج، سافر موفدون تنفيذيون من جديد، وخصوصاً إلى الولايات المتحدة. سيمضي أسبوعان على الأقل، قبل أن يضجّ لبنان بالأخبار عن الخطط الأميركية التنفيذية المتصلة بالوضعين المالي والاقتصادي. لكن قبل وصول رُسل الشؤم، فإن وقائع كثيرة يمكن رصدها في محاولة فهم صورة الأسابيع المقبلة:
– فجأة تقرر تأجيل أو إلغاء زيارة كانت قيد التحضير لمسؤول أميركي كبير إلى بيروت (تردد أنه مستشار الرئيس جاريد كوشنير) والسبب ليس في عدم وجود ما يقوله، بل بناءً على نصائح – بعضها لبناني – بأن ينتظر تطورات كثيرة في لبنان، أساسها استعادة زخم الحراك الشعبي، وانطلاق حملات متتالية تحت عنوان إسقاط الحكومة الجديدة، ورفع مستوى المطالبة بسقوط رئيس الجمهورية ومجلس النواب معاً.
– جدول أعمال المسؤول الأميركي كان حافلاً بما يتصل بما تفترضه الولايات المتحدة حصة لبنان من «صفقة القرن»، وفيه استفاقة أميركية على حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والضغط على الحكومة اللبنانية للشروع في خطوات رسمية تهدف إلى تعديل الوضع المعيشي والسكني للاجئين الفلسطينيين، وإلغاء القوانين التي تمنع عليهم الحقوق المدنية العادية. وتستهدف هذه الاستفاقة إلغاء المخيمات ومنع أي وضع أمني أو عسكري خاص لهؤلاء.
– كذلك يريد الأميركيون إيصال رسالة واضحة بأن المشكلة مع سوريا متواصلة؛ وأنه لا يمكن للبنان السير في أي خطوات تطبيعية مع الحكومة السورية؛ والتركيز على ملف النازحين السوريين من باب أن لبنان سيكون مسؤولاً عن أي كارثة تصيب من يعود منهم إلى سوريا الآن. وبالتالي، دعوة لبنان إلى وقف عمليات إرسالهم إلى سوريا وتعزيز واقع إقامتهم في لبنان وتشريع فرص العمل والعلم لهم.
– يؤكد الأميركيون بأن مشكلة لبنان الرئيسية تتصل بوجود المقاومة وسلاحها. وأن الغرب سيكون إلى جانب إسرائيل في أي عمل يهدف إلى ضرب البنية الصاروخية للمقاومة في لبنان إن لم يبادر الجيش اللبناني إلى وضع اليد عليها، والتشديد على أن الحكومة اللبنانية معنية بكبح جماح نشاط حزب الله خارج لبنان بكل الطرق.
– تشدد واشنطن على أن الوضع المالي للبنان لن يكون قابلاً للعلاج إلا بمقدار التزام لبنان بالشروط الواضحة للدول المانحة ولتوصيات المؤسسات المالية والنقدية الدولية، وأن ذلك يكون من خلال قبول الوصاية الدولية على إدارة الدولة اللبنانية، والإشراف الضمني على الأصول بما فيها ملف النفط والغاز.
عقوبات باسم الفساد
على أن الخطوات الأميركية لن تكون مقتصرة على رسائل التحذير فقط. بل يبدو أن فريقاً غير ضعيف في واشنطن يميل إلى خيار زيادة مستوى الضغوط على لبنان. واذا كان وكيل وزير الخارجية ديفيد هيل يمثل التيار الذي يحذر من خطوات تجعل لبنان كله في قبصة حزب الله، فإن مساعد الوزير، ديفيد شينكر، يهتم حصراً بكيفية منع أحد من القيام بخطوة من شأنها جعل لبنان يرتاح سياسياً أو اقتصادياً أو مالياً. وقد يكون مناسباً عرض بعض الوقائع حيال هذا الأمر.
شينكر الذي سبق أن زار لبنان، استمع إلى آراء تقول إن الطبقة السياسية الحليفة للولايات المتحدة في لبنان لم تعد صالحة للقيام بدور محوري. وإن من يريد إطاحة الطبقة المعادية لأميركا عليه أن يضحي بجماعته. وبحسب هذا المنطق، فإن الإطاحة قد لا تكون على شكل إقصاء تقليدي. بل يمكن القيام به من خلال بناء منظومة جديدة من القيادات السياسية، تقوم على نقل ولاء بعض الشخصيات «المدنية» من عهدة مرجعيات وقوى بارزة في السلطة اليوم إلى عهدة «غامضة»، كما هي الحال مع بعض أعضاء كتلة التيار الوطني الحر. حيث العمل جار من دون توقف على إخراج نواب إضافيين بعد نعمت افرام، وأن لا يقتصر الأمر على النواب، بل أن يشمل أيضاً شخصيات قيادية في التيار أيضاً.
لكن من جانب آخر، وجد فريق شينكر أن في محاربة الفساد حيلة مناسبة للتخلص من شخصيات ورجال أعمال تعتقد أميركا أنهم لا يخدمون حلفاءها. ولذلك نجح شينكر – رغم تحفظات ديفيد هيل – بانتزاع قرار في وزارة الخارجية الأميركية يقضي بتكليف «بعثات تقصّي حقائق» لدرس وضع عدد من الشخصيات اللبنانية أو العربية العاملة في لبنان. وأن يصار إلى التدقيق في وضعها المالي وفي روابطها مع بعض السياسيين، وأن يجري تجميد كل المشاريع المرتبطة بتمويل خارجي إلى حين الانتهاء من عملية التدقيق هذه. وبالفعل، كلّفت وزارة الخارجية بالتشاور مع وزارة الخزانة الأميركية فرقاً خاصة، زارت لبنان وعواصم عربية وأوروبية، وبدأت تدرس الملفات التفصيلية لعدد غير قليل من رجال الأعمال والسياسيين والمصرفيين والقانونيين اللبنانيين الذين تعتقد واشنطن أنهم يتيحون لها الوصول إلى مرجعيات سياسية كبيرة من أجل إدانتها بتهمة الفساد. لكن اللافت أن لائحة شينكر الأولى خلت من أي شخصية معروفة الولاء السياسي لحزب الله. بل إن مشروع العقاب لا يستند مطلقاً إلى تهمة العلاقة مع حزب الله. ولذلك فإن المسودة تحوي أسماء من الطوائف المسيحية ومن السُّنّة والدروز.
لكن الجديد الذي كشفته أخيراً شخصيات معنية بهذا الملف، أن وجهة النظر التي يدعمها هيل حقّقت بعض التقدم، بعدما أظهرت الجولة الأولى من التحقيقات الميدانية عدم وجود ما يناسب شهية شينكر (تقول المعلومات الواردة من واشنطن إنه لم يتم الوصول إلى خيط يربط متهمين بالفساد برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حتى الآن، بل برزت مفاجآت دلّت على مرجعيات أخرى مثل سعد الحريري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية وجمعية المصارف).
اللاعبون في لبنان
في هذه الأثناء، تبدو الجهات اللبنانية العاملة بالتماهي مع المشروع الأميركي أكثر تنسيقاً مع السعودية. انطلاقاً من كون الفريق التنفيذي المساعد لولي العهد السعودي يؤيد مبدأ عدم التدخل الإنقاذي إلا بعد استسلام لبنان، ما يسمح لهم، بحسب ما يعتقدون، بطلب إبعاد حزب الله عن كل الحياة السياسية الداخلية وضبط سلاحه وقطع صلته بالإقليم. وهؤلاء يتصرفون على أن مآلات الحراك الشعبي ستصبّ في خدمتهم، ولا سيما لجهة فكرة إسقاط المجلس النيابي ورئيس الجمهورية. بل إن بعض هؤلاء يتصرف على أساس أنه شريك في الحراك، وخصوصاً «القوات» التي تلعب دوراً مركزياً في «احتضان مجموعات الشمال»، وسط صراع بدأ يطل برأسه بين أنصار السعودية وأنصار تركيا وقطر على خلفية المشهد الشمالي.
في هذه الأثناء، سيسمع اللبنانيون خلال الفترة المقبلة المزيد من الكلام السلبي عن حكومة حسان دياب وعن الوزراء فيها. وسيشاهدون محاولات جدية لقيام تحركات احتجاجية واسعة في أكثر من مكان ضد السلطات التنفيذية والقضائية والأمنية. وقد لا يتأخر الوقت، حتى نرى القادة المؤسّسين لفريق 14 آذار، وهم يكتبون خطاب الثورة. علماً أن قوى جادّة في الحراك الشعبي تتحرك بغية منع هؤلاء من الإمساك بالمشهد الشعبي. والله أعلم، على أي قوة يتّكلون!