إكس خبر- عاد توني بلير إلى واجهة الإعلام. عودته ليست مرتبطة بإنجاز حققه بصفته مندوب الرباعية إلى محادثات السلام في الشرق الأوسط. الرباعية (أميركا وروسيا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) التي انتدبته ليكون رجل سلام ولدت ميتة. وكان اختياره مكافأة له على دوره في الحرب على العراق. الرجل «الذي يعتمد عليه»، على ما قال جورج بوش يوماً، لم يكن حيادياً في أي يوم. ليس في سجله الشخصي، عندما كان رئيساً للوزراء، أي اهتمام بالشرق الأوسط سوى أنه منطقة كانت يوماً من الأيام خاضعة للإمبراطورية العظمى، ويجب أن تعود إلى الحضن الدافئ.
لا يتعب المسؤولون الأميركيون وكثير من المسؤولين البريطانيين من تكرار أن هدفهم في الشرق الأوسط يتلخص في مسألتين: ضمان تدفق النفط، وحماية إسرائيل. وقد سلمنا، نحن العرب، بـ «مشروعية» هذا الهدف الذي كان في صلب انتداب بلير لمهمته، فالرجل مؤمن (يملك بلير مؤسسة باسم الإيمان). لا ينام، لا هو ولا بوش، قبل قراءة الكتاب المقدس، وقبل الاطمئنان إلى أن إسرائيل متفوقة على كل الدول العربية وغير العربية المحيطة بها. تدمير العراق وتفكيك جيشه وقتل مئات الألوف من العراقيين حقق بعضاً من هذا الهدف. والآن جاء دور سورية. المؤمن يأخذ على أميركا في عهد أوباما عدم حزمها. ويرى أنها أخطأت كثيراً عندما تراجعت عن الهجوم على دمشق، بعدما كان «الحلفاء» جاهزين لتنفيذ المهمة المقدسة.
يقسم بلير العالم إلى قسمين: قسم حديث يضم الغرب روسيا والصين. وقسم متخلف يشمل العالم الإسلامي كله، عدا الحكومات السخية التي تتبرع له ولمؤسسة «الإيمان». ويدعو الحداثيين إلى التضامن لشن حرب صليبية على الإرهاب الإسلامي، أينما وجد. الدعوة ليست جديدة. كانت في صلب سياسة جورج بوش وتابعه بلير، على ما كان يصفه الإعلام البريطاني. أما إحياؤه الدعوة الآن فمحاولة لزج الولايات المتحدة من جديد في معارك لا تنتهي، بدلاً من اكتفائها بدعم حلفائها وإيكال المهمة إليهم، على ما يحدث في اليمن وفي سورية، وغيرهما.
هي عودة المحافظين الجدد. عودة «هذا الخليط السام من المسيحيانيين ودعاة الحروب في الخارج والمكارثيين في الداخل. خليط أفرز أفغانستان والعراق وتفجيرات لندن» (ذي غارديان). حروب عززت الإرهاب. ودعاة دعموا هذا الفريق من الإرهابيين، ضد آخر، أو سلحوا ودربوا متطرفين لزعزعة الأمن في هذا البلد أو ذاك، خدمة لإسرائيل في الدرجة الأولى. ولإبقاء الثروات النفطية تحت السيطرة في الدرجة الثانية.
«ثلث الشعب البريطاني يعتبر بلير مجرم حرب» (ذي غارديان) لخوضه حرب العراق، من دون تفويض من الأمم المتحدة، ولتسببه في قتل آلاف العراقيين ومئات الجنود، وتدمير بلد بتراثه ومؤسساته، وإطلاق يد الإرهاب فيه. لكن الرجل ما زال مصراً على موقفه. بل هو يجدد الدعوة إلى تكرار التجربة ذاتها في سورية، بحجة محاربة الإرهابيين، متناسياً الدعم الغربي الذي تلقاه هؤلاء، تسليحاً وتدريباً، وتمويلاً، ورعاية سياسية، كي يدمروا البلاد.
لقد حان الوقت لدعوة الرباعية إلى إقالة بلير، شرط ألا تعين مثله أو أسوأ منه، مثلما عينت واشنطن رجل السلام مارتن أنديك، وقبله دنيس روس، حكماً في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية.