بالرغم من خطورة ما يجري في فلسطين في غزة أو في سوريا أو في اليمن والبحرين وليبيا، إلا أنني في هذه الليلة أجد نفسي معنياً بالتركيز في الحديث عن الملفات الداخلية اللبنانية بما فيها من أمور حساسة.
ـ جريدة الأخبار نشرت وثائق من “ويكليكس”، وما قرأناه من هذه الوثائق نصنفها إلى ثلاثة أصناف: صنف هو محاضر لقاءات للسفير الأميركي وأخرى هي استنتاجات السفير من لقاءاته، وأخرى هي تقييم السفير لشخصيات التقاها. في موضوع التقييم والاستنتاجات لا نرد عليه لأنها تخضع لوجهة نظر السفير، أما تلك، التي هي محاضر، فهي تستحق التوقف عندها وتبقى مرجعاً طالما لم ينفها أصحابها.
ـ التصنيف الآخر، هو حسب الشخصيات التي تناولتها هذه الوثائق، وهم شخصيات من 8 آذار وشخصيات من 14 آذار. ولقد حاول البعض إيجاد شرخ بيننا وبين الأخوة في حركة “أمل” أو بنسبة أقل مع “التيار الوطني الحر” أو في الحلف المستجد مع الأستاذ وليد جنبلاط،. وقد حاول هذا البعض الدخول من باب ما ورد في هذه الوثائق عن الشخصيات ومن باب أن من ينشرهذه الوثائق هي جردة “الأخبار” القريبة من “حزب الله”.
ـ منذ اليوم الأول في حرب تموز 2006، كان نبيه بري شريكاً كاملاً في إدارة هذه الحرب، وكنا ننسق يوميًا بكل تفصيل، ولقد تحمل الرئيس بري أمانة الشهداء والمقاومين من أجل حماية لبنان والمقاومة وتحقيق الإنتصار وحفظه، ولا أبالغ إذا قلت إنه لولا ذكاء وحضور وحرص بري لما كنا حققنا ما حققناه.
ـ أنا كنت أتابع الميدان دون غياب عن الوضع السياسي، والرئيس بري كان يتابع الوضع السياسي دون غياب عن الميدان، وهو قال لنا منذ اليوم الأول: “الحجج التي سأستخدمها لإقناع الأميركيين وغيرها هي طريقتي وأتركوني أنا أتدبر ذلك”، وقد لا يكون مفيداً أن أكشف عن ذلك اليوم.
– وبالتالي هذا التفاوض كنا نتابعه ليل نهار، ولا يمكن لإستنتاجات فيلتمان أن تنال منه، فنحن عشناه والرئيس بري معاً بالأمل والألم. وكل ما يهمسّ لا يقدّم ولا يؤخر خصوصاً الدور التاريخي والحقيقي الذي قام به بري، كما عندما نعرف ماذا قام به آخرون وبالعكس.
ـ حركة “أمل” كانت أيضًا شريكة كاملة في الميدان والشهادة والصمود والمعاناة، ولم نر من كوادر “أمل” إلا التعاون والتآخي والإخلاص، ولولا هذا لما أمكن تحقيق الانتصار ولما أمكن من عبور مرحلة ما بعد وقف الحرب. أما إذا سفير أميركا نقل عن وزير أو نائب من الحركة كلام ما فهذا لا يغير الواقع، ويكفي أن ينفي المعنيون هذا الكلام.
ـ هناك رهان عند كل من يستهدف المقاومة في لبنان على العمل على موضوع التفريق بين أمل وحزب الله وهذا ما ظهر من وثائق “ويلكيكس”، التي نقلت ما قاله الصنف الثاني من الشخصيات، أي شخصيات 14 آذار، الذين كانوا يقولون للأميركين يجب فصل أمل عن حزب الله. وأنا إذ لا أنكر مرور خلافات وقتال مع أمل، ولكن منذ عشرين عامًا أصبحت هذه العلاقة أقوى من أن ينال منها أحد خصوصاً أننا أبناء إمام واحد ومقاومة واحدة، وهذا لا يلغي أننا تنظيمان لنا أراء مختلفة وهذا مصدر غنى.
ـ أما بشأن “التيار الوطني الحر”، فما ذكر هو أسهل خصوصاً أنهما استنتاجات وقد أصدر النائبان المعنيان من التيار نفياً.
ـ الأستاذ وليد جنبلاط حسم النقاش منذ اليوم الأول لنشر الوثائق بتصريحه أنه كان يومها في موقع سياسي وهو اليوم متحالف مع المقاومة ويأمل إلغاء الصفحة السابقة. لكن قد يأتي من يقول للأستاذ جنبلاط لماذا تنشر “الأخبار” هذه الوثائق عنك بعد تحالفك الجديد؟
– أنا أريد أن أوضح أن جريدة “الأخبار” هي في خط المعارضة السابقة لكنها ليست لـ”حزب الله” ولها عقليتها الخاصة. وأحيانا يكتب فيها مقالات ضدنا نحن وأحيانا يُمسّ بإيران وبسوريا و”حماس” وغيرهم من الحلفاء. فهل يعقل أن تكون تابعة للحزب وتكتب كل هذا؟ نحن، “حزب الله” نتحمل ما تقوله إذاعة “النور” وقناة “المنار” وصفحاتنا على الإنترنت وبيانات العلاقات الإعلامية وتصريحاتنا، وغير ذلك لا يعنينا كحزب بالتحديد.
ـ نعم نحن شجعنا “الأخبار” على الحصول على الوثائق عن حرب تموز، نعم، لكننا لم نتدخل بنشرها وحتى لم نحصل عن نسخة منها، ولا نعرف ما إذا كان الذي سينشر غداً او بعد غد سينفعنا أو سيحرجنا.
ـ أما الصنف الثاني المتعلق بقيادات 14 آذار، ولم يصدر نفي بشأنها بل صدرت أحيانًا تأكيدات. أنا أريد أن أقول أن كل هذه الوثائق تدل إلى نتيجة واحدة هي أننا كنا أمام واقع خطير جداً وما زلنا أمامه، ففريق 14 آذار منذ بداية 2005 بعد تحقيق خروج سوريا وضع الهدف المركزي والوحيد هو ضرب المقاومة ونزع سلاحها وعزلها، وهذا كان شغلهم الشاغل.
ـ السؤال أن هذا الهدف الذي عملوا له منذ 2005 ولا زالوا، لماذا قرروا السير به؟ ولمصلحة من؟ أنا برأيي أن الأميركيين عقدوا صفقة مع 14 آذار على أخذ السلطة في لبنان مقابل رأس المقاومة. ولذلك كل المخطط والتفاصيل ركزت على إنهاء المقاومة. وليصدروا نفياً ويقولوا إن فيلتمان كذّاب، وانا مستعد لأتراجع عمّا أقوله وأعيد درس الموضوع.
ـ في هذه الوثائق، قال أحدهم للأميركيين أعطونا السلاح “لنعمل ونسوّي” بـ “حزب الله”. لم نقرأ أن أحداً قال لهم سلّحوا الجيش لمنع خروقات إسرائيل ونحمي حدودنا. بعضهم قالوا أعطونا المال لبناء المنازل كي لا يبنيها “حزب الله”، وأعطونا مزارع شبعا كي تكتسب حكومة السنيورة القوة الشرعية بوجه “حزب الله” الذي يفقد حجته بالسلاح، هذا ما كان يقولوه. آخر قال إن لديه عشرة آلاف مقاتل لضرب “حزب الله” لا لحماية البلاد. فهل هذه أخلاق وطنية؟
ـ نحن نقبل أن تعيدوا مزراع شعبا وأن تنزعوا منا حجتنا، وأن تحصنوا سيادة البلد وتوقفوا إعتداءات إسرائيل وتضعفوا حجتنا، لكن للأسف فأنتم كنتم تريدون مزيداً من الضرب على حساب دماء وموت أبناء لبنان. جريمة “حزب الله” أنه شوكة بوجه العدو الإسرائيلي ومطلوب معاقبته من قبل أميركا وإسرائيل.
– فهل “حزب الله” نافس 14 آذار على السلطة؟ وهل هذه العقلية تحمي لبنان؟ أو تعطي استراتيجية دفاعية حقيقية؟ هل هذه العقلية وبهذا المستوى من الحقد والتدني بالأخلاق أن تحمي السلم الأهلي أو أن تبني الدولة؟ هل هكذا تكافئ المقاومة التي بدأت من قوى متعددة والتي أعادت أرض وكرامة لبنان بأن تواجه بهذا الكم من الغدر؟
ـ الحصيلة اليوم انه بقيت المقاومة وذهبت السلطة، ولم يستطع أحد ان يفعل معها شيئ ولن يقدر أحد على فعل ذلك، فيما ذهبت سلطتكم. أنا أدعو الذين خسروا السلطة أن يعيدوا حساباتهم وأن لا يجنّوا وأن لا يذهبوا بعيداً وأن يعيدوا حساباتهم وأن لا يوغلوا في التحريض، وحرصًا ومحبة وإخلاصاً للبلد وللوحدة الوطنية أنصحهم بالتخلي عن هذا العقلية التي لن توصل إلى مكان، بل من فشل إلى فشل. فما هكذا تُدار الأمور ولا هكذا تحل الخلافات ولا هكذا تحمى الوحدة.
ـ رغم كل ما حصل، لا مصلحة لأحد في لبنان بإلغاء أحد، بل عليهم نبذ الأحقاد وترك الصفحات السوداء والتلاقي على تحصين الوحدة، وهذا لا يعني عدم الذهاب إلى القضاء. فإذا كنتم تريدون مقاضاتنا بملف خطف الجنديين الإسرئيليين في تموز 2006 فنحن جاهزون، ولدينا في المقابل ملفاتهم، ولنر من هو الذي يعتبر خائناً.
ـ بالنسبة لملف لبنانيي ساحل العاج: ما حصل في الإنتخابات هناك ليس جديداً بل هو منذ تشرين 2010، فهل حصلت جلسة لبحث كيف يمكن أن نواجه تردي الأوضاع في ساحل العاج لحماية اللبنانيين؟ ثم بغض النظر عن صوابية قرار الخارجية بحضور سفير لبنان في أبيدجان حفل تنصيب أحد الرئيسين، فهل الوقت هو لشن حملة على وزير الخارجية أو لمعالجة الوضع؟
– لندخل جميعاً لاحقاً في حساب من أخطأ ومن لم يخطئ، لكن اليوم يجب النظر إلى معاناة الجالية اللبنانية التي تلقّت ضربة وكيف يمكن الوقوف إلى جانبها. كلام التعاطف قاصر عما عانته الجالية التي لا تطلب عطفاً بل عملاً لإزالة ما تعرضوا له.
ـ في موضوع كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عن إيران، نحن لا نضع قناعاً بشأن علاقتنا بإيران التي نعتز بها ونجاهر بها، ولن تجدوا لنا “ويكليكس” فنحن نقول كلاماً واحداً في السر والعلن. ومن الطبيعي عندما تتعرض دولة وقفت إلى جانب لبنان ومقاومته سياسياً وعسكرياً وإنمائياً لا يمكن أن نسكت أقله من باب الوفاء، خصوصاً أيضًا وأن الحريري لا يزال رئيس حكومة لبنان، وقد أخطأ بوضع إيران بمقام العدو بدل إسرائيل. وهو بذلك يقول نفس الكلام الإسرائيلي الأميركي. أنا لم أقل أنه إسرائيلي لكنه يردد ما يقوله الإسرائيلي.
– إذا كان أحد “زعلان” منا إننا أسقطنا حكومته فإيران لا دخل لها بهذا الموضوع، بل إن إيران سمعتب ذلك في الإعلام. فلا يحاسب أحد إيران لأنه خرج من السلطة.
– أنتم تطالبوننا بشي لا تلتزمون به. فأنا عندما تكلمت عن البحرين إنتقدتموني لأن هذا الكلام يمسّ بعلاقات لبنان بدول الخليج وبالبحرين، وأنا لست مسؤولاً بالدولة وبإمكانهم أن يقوموا بما قاموا به بأن يقولوا لملك البحرين أن هذا الكلام لا يعبر عن رأي الدولة اللبنانية، وهذا صحيح.
– لكن لماذا لا تلتزمون أنتم بما قلتموه لي بأن كلامي يدخل لبنان في سياسة المحاور؟ فكيف إذا كان الحريري لا يزال رئيس الحكومة وكلامه عن إيران أتى وهو في موقعه هذا، وهو حتى ولو عاد رئيس حزب سياسي لا يجب عليه أن يتكلم عن إيران بهذا الشكل على القاعدة نفسها التي يقولونها هم بأن لبنان أولاً، ولا يجب إدخاله في محاور.
ـ بشأن تهديد البحرين بطرد لبنانيين منها، هذا أسلوب خاطئ، لأنه إذا أخذ حزب سياسي في لبنان موقفاً من دولة معينة يرد عليه بطرد اللبنانيين هو سابقة، وسوريا مثلاً رغم كل الشتائم التي تعرضت لها من أفرقاء في لبنان لم تطرد لبنانياً واحداً. الحريري هاجم إيران ولم تطرد إيران أحداً. ما قامت به حكومة البحرين ينم عن ضيق صدرها وعن سوء تعاط من قبلها بملف داخلي لديها لا شأن للبنانيين به.
ـ في كل حال، إن حصل طرد لهؤلاء فهي تضحية نقبلها أمام ما يتعرض له شعب البحرين من معاناة، وأدعو حكومة البحرين إلى عدم الإقدام على هذه الخطوة لأنها ستزيد من تعقيد الصورة المعقدة أصلاً.
– وبشأن ما يقال عن نية لدى دول مجلس التعاون بطرد لبنانيين، وقد يكون هذا غير صحيح، فأسأل: ألم يطرد لبنانييون من الإمارات قبل موقفنا من البحرين ولم نعرف بعد لماذا؟ قد يكون ذلك مرتبطاً بمشروع كبير لن أغوص في ذلك الآن، ويهمني اليوم أن أوضح أن اللبنانيين في البحرين لا شأن لهم بمواقفنا.
ـ في موضوع سجن رومية، وهو أمر ناتج عن مسببات إنسانية وقضائية وتقنية، إن لعدم صدور أحكام أو للفساد أو للإكتظاظ أو غيرها، فيأتي فريق 14 آذار ويقول إن “حزب الله” هو من حرض السجناء وأهالي السجناء وجعلوا من الأمر مسألة طائفية. وتارة يقولون إننا نضغط على زياد بارود، وتارة أننا نريد عفواً عاماً وغيرها من القصص الظالمة. لقد بتنا نعرف اليوم ما معنى ظلم ذوي القربى الذي لا يمكن المسامحة عليه.
ـ بدل التلهي بإختلاق الأمور عالجوا موضوع سجن رومية كي لا يبقى هذا الجرح مفتوحاً، ونحن جاهزون للتعاون مع الأهالي ومع غير الأهالي لبذل كل جهد من أجل حلّ مسألة سجن رومية التي هي ليست أمراً حزبياً ولا سياسياً ولا طائفياً بل إنسانياً، كما يجب حلّ ملف مئات بل آلاف طلبات ومذكرات التوقيف وبعضها لأسباب تافهة.