إكس خبر- يشهد العالم العربي في معظم دوله صراعات وأحداث متسارعة. فقد باتت هذه المنطقة من العالم ساحة صراع غير مستتر، يتداخل فيها الإقليمي والدولي. ويحمل الحدث اليمني دلالات بالغة في مسار الأحداث، إذ أنّ الرياض ترى في اليمن خاصرة حساسة، وهذا هو واقع الحال، وبالتالي فإنّ إمساك «انصار الله» بمفتاح اليمن، يثير حفيظة الرياض، نظراً إلى العلاقة الوطيدة بين «أنصار الله» والجمهورية الإسلامية الايرانية، ولأنّ مفتاح اليمن يتحكّم بباب المندب والحدود المشتركة الطويلة مع السعودية.
وعلى خلفية ما حققته حركة «أنصار الله» في اليمن بقيادة عبد الملك الحوثي، ينظر المراقبون إلى الساحة اليمنية بوصفها الساحة التي يمكن أن ترسم مشهدية المنطقة، خصوصاً بعد صدور مواقف سعودية لم تجد بداً من التسليم بالواقع الجديد، وسلوك أميركي مماثل، ما يعني سقوط نظرية إقصاء إيران عن المشهد، وهذا ما سيتكشّف من خلال التعاطي مع ملفات عديدة، منها ملف إيران النووي ورفع العقوبات عنها، ومحاربة ا رهاب في سوريا والعراق.
ما تقدم لا يعني تأقلم الولايات المتحدة ومعها السعودية وبعض دول الخليج مع الواقع المستجدّ في اليمن. فواشنطن ومعها الرياض تحاولان التخفيف من وطأة خسارة اليمن، وقد يكون قرار الرئيس اليمني تكليف رئيس حكومة لا يحظى بموافقة «أنصار الله» إحدى هذه المحاولات التي تستبطن احتواء نصف الخسارة. وفي موازاة ذلك، برز تطوّر تمثل بتفجير استهداف حافلة للقوات الجوية اليمنية في صنعاء، تبناه سريعاً تنظيم «القاعدة» في بيان توعّد فيه «أنصار الله».
واللافت أنّ أصداء التفجير في صنعاء وصلت إلى اجتماع مجموعة أصدقاء اليمن في نيويورك، فعلّق وزير خارجية السعودية سعود الفيصل محمّلاً «أنصار الله» وزر هذا التفجير، ومتهماً إياهم بالتنصّل من تعهّداتهم وعدم تنفيذ الملحق ا مني. وقد بدا من كلام الفيصل أنّ السعودية تتجه هي للتنصل من ااتفاق الموقّع بين «انصار الله» وبين السلطة في اليمن، ولذلك ليس مستبعداً أن تعمد السعودية إلى تحريك أكثر من ملف وجبهة، ويمكن أن يكون تفجير دار سلم في صنعاء أول غيث اانتقام بتغطية سعودية. كما لا يمكن عزل الجريمة السعودية الصامتة في القطيف والتي تمثلت باستخدام مجموعات غير حكومية أطلقت النار على تظاهرة سلمية لدعم الشيخ المعارض نمر النمر، ما أسفر عن سقوط ضحايا من بين المتظاهرين. وهذا ما اعتبره مراقبون أمر عمليات سعودياً لعدم تمكين الحراك في القطيف والمنطقة الشرقية السعودية من التوسّع على غرار اليمن.
وليس بعيداً عن هذه الأحداث، هناك حديث عن أنّ «الهبة السعودية» لتسليح الجيش اللبناني هبة الثلاثة مليارات دولار لن تبصر النور في المدى المنظور، فالسعودية تحاذر من تطوّر قدرات الجيش اللبناني الذي يخوض مواجهة مع المجموعات الإرهابية، وهي قد تكون وجدت ضالّتها في هذه المجموعات، سواء في عرسال والقلمون أو في شمال لبنان. ولعل مجيء أمين عام المجلس ا على للأمن القومي ا يراني علي شمخاني إلى بيروت وإعلانه استعداد إيران لدعم الدول التي تطلب منها المساعدة وتشديده على جدية إيران في دعم الجيش اللبناني في معركته ضدّ ا رهاب، رسالة إلى الرياض مفادها أنّ طهران تراقب جيداً محاولات فتح جبهات جديدة لتعويض خسارة اليمن.
السعودية التي أخذت على عاتقها احتضان معسكرات تدريب لما تسمّيه «معارضة سورية» وتأمين الدعم المالي لهذه المعسكرات، وكذلك للتحالف الأميركي ضدّ الإرهاب، تبدو مثقلة بالأعباء والتداعيات… وهي تحاول تسجيل نقاط للخروج بأقلّ الخسائر، حتى لا تقع في الفخ الذي وقعت فيه قطر التي تورّطت في دعم المجموعات الإرهابية وكلّ أذرع حركة «الإخوان المسلمين»، ولذلك فهي، أيّ السعودية تقول إنها تدرّب «معارضة سورية معتدلة»، لكنها في المضمون لا تزال تراهن على المجموعات الإرهابية المتطرفة، لأنه لا وجود لمعارضة معتدلة مسلحة!
تحركات المملكة لتعويض خسارة اليمن، لم تلغ سعياً سعودياً لإبقاء التواصل مع إيران قائماً، بهدف تجنيب السعودية ضغوطاً مصدرها اليمن، وهذا برز جلياً في المواقف السعودية في أعقاب «زلزال اليمن» وتجسّد ذلك في تصريحات وزيري خارجية السعودية وإيران حيث عبّر كلّ منهما عن أهمية وفعالية دور كلّ من بلديهما في إرساء ا من والسلام إقليمياً ودولياً، وهذه التصريحات يرى فيها مراقبون مؤشراً يؤسّس لعلاقات إيرانية ـ سعودية دافئة، إذ لم تعترض مسارها معوقات احتمالها يفوق احتمال علاقات الدفء. علماً أنّ حصول دفء في العلاقات السعودية ـ ا يرانية ينعكس ايجاباً على العديد من الملفات والقضايا التي تسهم في استقرار المنطقة.
ما هو واضح أنّ السعودية تحرص على عدم انقطاع خطوط التواصل مع ايران، وتحرص في المقابل على عدم التسليم بمفاعيل خسارة اليمن، ولذلك يبدو المشهد ضبابياً، في ظلّ محاولات الرياض امتلاك أوراق أخرى في عدد من الساحات… لكن يبقى التوجّس السعودي الأميركي من تحكم إيران بحركة الملاحة، فبعد تحكم إيران بمضيق هرمز، بات تحكّمها النهائي بمضيق باب المندب قاب قوسين أو أدنى.
في الخلاصة يمكن أن تغلف السعودية خسارتها لليمن ووقوعها بيد حلفاء إيران، بأنها تندرج ضمن الخطط الأميركية لجعل هذه الساحة، ساحة قتال بين «القاعدة» و»أنصار الله» لضرب هدفين بحجر واحد.