إكس خبر- يتناسى كثيرون في العالم دروس تجربة طويلة ممتدة منذ ثمانينات القرن الماضي تكشفت خفاياها المثيرة التي توضح كيف استعملت الولايات المتحدة ما يسمى بالجهاد العالمي في حروبها بالواسطة وأسست التربة الخصبة لقوى التكفير والإرهاب ومن ثم أعادت استثمار إفلات بعض الجماعات الإرهابية من سيطرتها تحت عنوان مكافحة الإرهاب ونفذت غزواتها الاستعمارية في مطلع القرن الجديد ضمن خطة شاملة لإخضاع العالم لهيمنتها الأحادية.
أولا بعد هجمات 11 أيلول 2001 انطلقت عقيدة الحرب على الإرهاب كإطار لاستراتيجية الغزوات الاستعمارية الوقائية التي قادتها الإمبراطورية الأميركية لفرض هيمنتها على العالم ولسحق فرص نمو وصعود القوى العالمية المنافسة وقد شكل نموذج غزو أفغانستان والعراق فرصة لعروض القوة الهادفة إلى ترهيب الخصوم والمنافسين بينما أحكمت الولايات المتحدة قبضتها على شرايين العالم المالية والاقتصادية بما يشبه حالة طواريء كونية تحت عنوان محاربة الإرهاب القاعدي الذي انبثق من رحم الشراكة الأميركية السعودية في تأسيس فصائل ما عرف بالجهاد العالمي انطلاقا من أفغانستان حيث كانت تنظيمات الأخوان المسلمين في البلاد العربية خصوصا وفي سائر بلدان العالم الإسلامي هي القوة الحاضنة لأنوية التكفير وقامت بالحشد وإعلان النفير الجهادي تحت عنوان محاربة الشيوعية وقد عرفت تلك المرحلة بحقبة النوم مع الشيطان من ناقديها وذهب بعض الكتاب الأميركيين إلى الدعوة للتخلص من العلاقة بالمملكة السعودية التي شكلت وعاء لتلك الشراكة في بناء القاعدة وتمويلها .
إثر هزائم الإمبراطورية وفشلها في العراق وأفغانستان وبعد انكسار إسرائيل وسقوط هيبتها العسكرية في لبنان مرتين خلال ست سنوات عادت لتطل من جديد عقيدة استعمال الفصائل القاعدية وتنظيمات الأخوان المسلمين في مشاريع الهيمنة الاستعمارية وباشرت الولايات المتحدة بتنفيذ خطة “إعادة التوجيه ” لاستعمال تلك الفصائل ضد سورية وحزب الله وفقا لما كشفه الكاتب الأميركي سايمور هيرش في مقالته التي نشرتها مجلة نيويركر مطلع العام 2007 وبعد أشهر قليلة من هزيمة إسرائيل في حرب تموز.
ثانيا بعدما فشلت تلك المحاولة من لبنان وفرضت منظومة المقاومة على الولايات المتحدة وقوى الحلف الاستعماري التركي الخليجي الرضوخ لتسويات احتوائية تجسدت باتفاق الدوحة اللبناني وبقرار اميركي بالارتداد عن خط الاشتباك الهجومي مع سورية الذي أعقب احتلال العراق والقرار 1559 واغتيال الحريري عبر الانفتاح الفرنسي والغربي على سورية بقيادة ساركوزي ومن خلال مناورة قطرية تركية خبيثة على جبهات سورية وحزب الله وإيران شكلت تغطية لوضع الخطة التي كشف وزير الخارجية التركي قبل أيام انها تضمنت اعتراف حركة حماس بالكيان الصهيوني وهي الخطة التي رسمت في اجتماعات اسطنبول التي ضمت حكومتي تركيا وقطر والتنظيم العالمي للأخوان المسلمين والولايات المتحدة عام 2008 وتضمنت الإعداد لتحريك ما سمي بالربيع العربي لاعتماد تنظيم الأخوان كقوة منتجة لحكومات جديدة تثبتالتبعية للغرب الاستعماري في الدول العربية المستهدفة وإحكام الالتحاق بمنظومة الهيمنة الأميركية وتكرس حماية امن إسرائيل وبيت القصيد في الخطة تدمير سورية والنيل من حزب الله ووضع اليد على مصر لبناء منظومة إقليمية تقودها تركيا عضو الناتو وخادمه الأمين وقد تكفلت قيادة حماس يومها بفصول خطيرة من تسليح التمرد على الدولة السورية تكشفت تباعا وبالأسماء والوقائع منذ خريف العام 2011 لكل من سورية وحزب الله وضبطت الكميات الهائلة من الأسلحة بأرقامها التسلسلية المطابقة لسجلات الجيش السوري وحزب الله وكذلك ادوات حفر الأنفاق ومعسكرات التدريب التي سلمت للزمر الأخوانية والقاعدية بكامل عتادها وعدتها كما كشفت ادوار خطيرة لكوادر ومسؤولين حماسيين في خطة تدمير سورية وتخريبها وظلت طي الكتمان حتى اليوم بدافع الحرص على سمعة قضية فلسطين والمقاومة الفلسطينية وكذلك حرصا على مقاومي حماس بالذات بينما بعض قادتها غاروا في دماء حلف المقاومة حتى الاكتاف فباتوا مدربين وقادة فصائل في عصابات الإرهاب على الأرض السورية.
ثالثا يطلق الغرب الاستعماري صيحات مكافحة الإرهاب وخلفه جوقة الحكومات التابعة في المنطقة والعالم وهم جميعا شركاء في نسج وتغذية تلك الشبكات العالمية الإجرامية وتنساق أبواق عالمية في الترويج الإعلامي مستغلة بشاعة الإجرام الإرهابي لتعطيل العقل النقدي ولانتزاع التسليم بوصفات الحكومات الاستعمارية من غير أي دراسة للتجارب السابقة ونتائجها التي تشهد بالفشل الذريع في التخلص من الإرهاب التكفيري وحيث تبين بالوقائع أن الخطط الغربية المطبقة كانت اداة تغذية وانتشار للإرهاب والتطرف ولتدمير الدول والمجتمعات واستباحة الثروات ويمكن الجزم بأن حرب المستعمرين على الإرهاب هي الوجه الاخر لنهجهم في تجنيد الإرهابيين لتنفيذ اجنداتهم العدوانية كما يفعلون في سورية منذ أربع سنوات.
طرح كثيرون فرضية التدبير المسبق لجريمة شارلي إيبدو ليسددوا ضربة لمصداقية الحملة الأميركية الجديدة كما يظنون وفي الحقيقة إن إثبات العلاقة المتينة بين المخابرات الغربية وجماعات التكفير لا يحتاج جهدا استثنائيا وبغض النظر عن الحبكات البوليسية المتداولة على طريقة الروايات الافتراضية التي انتشرت بعد هجمات أيلول تثبت الوقائع السورية ان قادة الغرب دجالون ومنافقون وهم مسؤولون سياسيا وعمليا واخلاقيا عن جريمة باريس كما هم مسؤولون عن وجهة استثمارها لمصلحة الصهيونية وخطط الهيمنة الاستعمارية وبتفعيل موجات التبشير بحرب الحضارات والديانات التي ظهرت في الولايات المتحدة بعد هجمات أيلول فالمطلوب هو عمل نقدي جريء في التصدي لخطط الهينتة الاستعمارية الصهيونية ولأكاذيب المستعمرين وفي نقد الفكر التكفيري الإرهابي وجميع نزعات الإلغاء والعنصرية دينية كانت ام عرقية ام سياسية.
الكاتب: غالب قنديل