إكس حبر- يتكشّف عُمق الأزمة الروسية يوماً بعد يوم أكثر فأكثر. ما يحصل كابوس ما كان ليتخيّله أحد قبل سنة (وفق نائب رئيس البنك المركزي الروسي سيرغي شفتسوف). التاريخ يُعيد نفسه، وروسيا تُواجه مصير الإتحاد السوفياتي. والرئيس فلاديمير بوتين يتّهم الولايات المتحدة الأميركية والسعودية بالتآمر لتركيع بلاده.
يعتبر البعض أن ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا أشعلَ ردَّ فعل الغرب، وإن موسكو تدفع اليوم ثمن ما أقدمت عليه من تحدٍّ للأميركيين والأوروبيين في أوكرانيا. لكن المسألة أبعد من ذلك بكثير.
حاول بوتين إعادة الثنائية الأميركية – الروسية إلى المسرح الدولي. وصف أميركا بنمر من ورق. إصطدم حلمه بمصالحها وحساباتها. فردّ عليه أوباما : لسنا نلعب الشطرنج.
لم ترَ واشنطن أن موازين القوى تسمح بعودة الحرب الباردة. قرّرت إنهاء حلم بوتين. شكّلت «خلية نخبة» في وزارة الخزانة الأميركية، ليس بعد ضمّ القرم، وإنما قبل عشر سنوات.
وراحت هذه الخلية تعدّ العدّة لشن حرب إقتصادية، وتبتكر الوسائل لتركيع من يناوئها من دون إطلاق رصاصة واحدة، وفي طليعتها «السيطرة المشدّدة على النظام المصرفي العالمي، بدعم شبكة من الحلفاء»، حسب خوان زارات (Juane Zarate) الذي ترأس الخلية في إحدى الفترات.
لم يخطئ بوتين في حساباته كثيراً، لكن كبار مستشاريه ورّطوه بحماستهم، إذ عندما سألهم، في اجتماع سرّي في شباط الماضي، إذا كانت روسيا تملك إحتياطاً أجنبياً كافياً لمواجهة الغرب إذا ضمّ القرم، أكدوا له أن روسيا قادرة على مواجهة العاصفة. وكانت تلك مراهنة كبيرة لبوتين، إذ أن انهيارات الأسبوع الماضي كشفت الحقيقة المرّة: إن الكرملين لا يملك الإحتياط الأجنبي الكافي كما كان متوقعاً.
لم يدُم الإحتفال باستعادة القرم طويلاً. تُواجه موسكو حرباً إقتصادية حقيقية، بين العقوبات وخفض أسعار النفط. الناس يزدادون غضباً. يهرعون إلى سحب أموالهم من المصارف. يقفون في طوابير مثل أيام الإتحاد السوفياتي. يحاولون شراء ما أمكنهم خوفاً من إستمرار انهيار عملتهم.
شركات السيارات وغيرها توقفت عن البيع، وبعضها بدأ يُسرّح عمّاله وموظفيه. إنها أسوأ من أزمة روسيا عام 1998، لأن الغرب يقف ضدها اليوم، ويضع الشركات الروسية خارج الأسواق العالمية، ولا تستطيع موسكو طلب نجدة صندوق النقد الدولي، لأن الأميركيين سيقفون لها بالمرصاد.
روسيا اليوم أضعف مما كان عليه الإتحاد السوفياتي عشية زواله في الثمانينات، حسب خبراء أوروبيين.
تملك 414 مليار دولار في الإحتياط، وعليها 700 مليار كديون خارجية، إضافة إلى احتمال إضطرارها إلى دعم القطاع المصرفي الروسي من إحتياطها. مع الإشارة إلى أن إنقاذ هذا القطاع قبل 5 سنوات كلّف 170 مليار دولار.
إلى ذلك، تقلّص الإقتصاد الروسي بفعل خفض أسعار النفط من 2,1 مليار دولار إلى 1,1 مليار سنوياً، ما يوازي نصف الناتج القومي لولاية كاليفورنيا فقط. وتضخّم الدين الخارجي 70 في المئة، فيما تضاعفت أسعار السلع المستوردة التي تشكّل نسبتها 55 في المئة.
ثمة تقارير غربية تشير إلى «نهاية حلم بوتين»، وانتقاله إلى خط الدفاع الثاني بعد صدمة العجز عن حماية «الروبل». بل أكثر من ذلك، يتوقع بعضها أن يواجه بوتين خطر انقلاب ضده من قلب النظام والحلقة الداخلية المعروفة بـ«Siloviki»، (الجهاز البديل عن الـ«ك.ج.ب.»)، إذا استمر انخفاض سعر برميل النفط عن الستين دولاراً لمدة سنة، فيما طلب بوتين من شعبه الصمود سنتين.
وتُبدي التقارير تخوُّفها من عمليات ثأر قد يقوم بها بوتين، واختبار صدقية الـ«ناتو» فيما لا يزال أوباما في البيت الأبيض، خاصةً في دول البلطيق حيث تتواجد أقليات روسية، وأي حادث هناك يمكن أن يُشعل المنطقة.
بوتين لن يستسلم بل على العكس، كلّف كبار معاونيه الإسراع في وضع خطة للهجوم المضاد. فعلاً إنها المواجهة الكبرى.
الكاتب: جورج سولاج