في استفتاء مقرر له يناير المقبل، سيقرر جنوب السودان إن كان سيصبح دولة مستقلة. وفي وقت مبكر من هذا العام، كان كثيرون (وأنا منهم) متشككين بشأن مضي الاستفتاء قدما، حيث بدت الحكومة الشمالية غير مستعدة وبدا أنها تحاول جعل “الوحدة” جذابة للجنوب من خلال مبادرات رمزية. ولكن بمرور الوقت، أصبحت القوة الهائلة للاستفتاء، كما هو منصوص عليه في الاتفاقية التي ضمنت السلام بين المنطقتين المتحاربتين، أصبحت أكثر صعوبة على التحول.
لقد كانت التغطية الإعلامية الدولية للانفصال المحتمل للجنوب في أغلبها سلبية، بل ومروعة. تسأل مجلة الإيكونوميست البريطانية: “هل هم يتوجهون نحو صدام؟” وفي صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يؤكد كل من ديف إيجارز وجون بريندرجاست على أنه “في السودان، الحرب وشيكة”. وفي الأيام الفائتة كان هناك ضجيج حول أن حكومة الشمال ربما لا تعترف بنتائج التصويت، ومن ثم تعيد البلاد إلى فوضى الحرب.
وبينما توجد أسباب وجيهة للخوف، فإن التنبؤات بموت السودان ربما يكون مبالغ فيها. والروايات الوحيدة هي تلك التي تصور الشمال على أنه متلكئ في الانفصال عن الجنوب؛ التي تصور السودانيين الشماليين على أنهم ذوو نزعة إقليمية، غير عازمين وغير قادرين على ترك الجنوب ينفصل. أما الموقف الرسمي فهو أن ذلك اليوم سيكون يوما حزينا إذا وعندما ينفصل الجنوب. ولكن ينبغي علينا أن نخلط بين الحكومة الشمالية والناس في الشمال، والذين أعرب كثير منهم، في محادثات معي على مدى الأيام القليلة الفائتة، عن تفاؤل حذر بشأن الانفصال.
إنهم يعترفون بأن العلاقة مع الجنوب كانت دائما محددة لحكومات الشمال، حيث توفر لها الغطاء الذي يلهي عن فشلها والمبررا لعدم الاستثمار في الموارد. ومن ثم فإن الانفصال قد يكون نعمة مقنعة. لو نظرنا وراء التاريخ الذي حصر السودان في حلقة مفرغة على مدى سنوات، فإن الانفصال ربما يكون هو بداية لتغيير حقيقي ودائم.
من الناحية الاقتصادية، كان الشمال دائما يطالب بثروات الجنوب باعتبارها العلاج النهائي لأمراض البلاد الاقتصادية – لو فقط تنتهي الحرب حتى يتسنى لهذه الثروات أن تتدفق. ومثل ولد عاطل ينتظر موت والده الثري حتى يرثه، فقد تبلدت أخلاقيات العمل في الشمال بوعد الثروة المقبلة من الجنوب.
وهؤلاء الذين ينتقدون بشدة الخسارة المحتملة لعائدات النفط المقبل من الجنوب يجب عليهم أن يأخذوا في الحسبان ما سيدخرونه جراء السلام الدائم. إن التكلفة المادية للحرب فادحة. والشمال لا يكاد يخلو من الموارد الطبيعية، وهناك مؤشرات على أن الحكومة أخذت تستثمر بالفعل في المواد الخام والبنية الأساسية.
لو تصورنا الوضع بعد مرور سنوات قليلة سريعا من الآن وبدون الصراع الشمالي الجنوبي، سيكون لدينا شمال قد حول تركيزه، من خلال الضرورة، إلى الداخل.
ربما يكون الشمال مضطرا للاستثمار في نفسه وفي شعبه، لتطوير بنيته الأساسية وإحياء المجتمع المدني المنهك. وربما يجبر الانفصال السودان الشمالي على إعادة فحص وإعادة اكتشاف هويته، مسرعا بتغيير جذري في تركيبة البلاد السياسية. كما أنه يتيح الفرصة أيضا للخروج من التركة الاستعمارية التي كثيرا ما نُدد بها لرسمها خطوطا تعسفية في الرمال. فلماذا الاستنكار ثم الحماية وبشدة لهذه الحدود؟
والأهم هو أن الحكومات الشمالية ربما تبدأ في التفكير بشكل أكثر حرصا في مسألة تهميش مناطق مثل دارفور والمحافظات الشرقية الساخطة. ليس لأي أسباب عاطفية ولكن خوفا من أن ثورة أخرى قد تكون محتملة الحدوث، ولتجميع ما يمكن تجميعه من العائدات مما تبقى من البلاد.
لو اختار الجنوب الانفصال في يناير، فهو ليس فقط ناتجا إيجابيا للناس في الجنوب، ولكنه كذلك بالنسبة للشمال أيضا. فليست دولة واحدة، بل دولتين جديدتين ستنهضان من ركام الحرب. وعلى المدى البعيد، وبعد بعض الآلام الحتمية المتزايدة، ربما ننظر إلى الخلف إلى الانفصال على أنه شر لابد منه.
خدمة جارديان