حامد الحمداني – لم تقدم الثورات التي اجتاحت العديد من بلدان العالم العربي للمرأة ما كانت تصبو إليه في نيل حقوقها المغتصبة في ظل المجتمع الذكوري السائد، بل عادت إلى الوراء على اثر وصول أحزاب الإسلام السياسي إلى السلطة في العديد من البلدان العربية، وما تزال بلدان عربية اخرى مسرحا لمعارك دامية معظم ادواتها احزاب اسلامية طائفية متخلفة عن العصر تهدف إلى انتزاع السلطة.
وعلى حين غرة ظهرت عصابات داعش وكأنها نزلت من السماء!! مدججة بكامل اسلحتها الحديثة في سوريا والعراق بوجه خاص، وليبيا وتونس والجزائر واليمن بوجه عام، مع ما تحمله من افكار موغله في الرجعية والتخلف لتجتاح المساحات الواسعة من الاراضي العراقية والسورية تنفيذا لأجندة اسيادها الامبرياليين، وتقترف اشنع الجرائم الوحشية بحق الانسان، تلك الجرائم التي نالت المرأة النصيب الأكبر منها، من قتل وسبي واغتصاب تشريد، ونهب الممتلكات، وكل ذلك جرى ويجري باسم الإسلام، حتى بتنا نعيش اظلم عصور الهمجية والعالم يعيش العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين!
إنها انتكاسة كبرى بالنسبة لحقوق المرأة لم تشهد له منذ الخمسينات من القرن الماضي، ومن عاش تلك الحقبة الزمنية يدرك البون الشاسع بين أوضاع المرأة آنذاك وأوضاعها اليوم في ظل هذه الانتكاسة، والردة الرجعية التي لم نشهد مثلها في العصر الحديث.
أنها لمأساة كبرى أن نجد المرأة اليوم وقد البسوها هذا القناع الأسود باسم ما يدعيه مسلمو هذا الزمان بالفضيلة، وكأنما هذا القناع الأسود هو الذي يحمي عفافها!!، وبدأت عمليات غسل الأدمغة التي يمارسها منظرو الإسلام السياسي، وقد امتلكوا السلطة لإعادة الحصان الجامح الذي انطلق مع قيام الثورات إلى حصنه من جديد
لقد انتكست حقوق المرأة التي ناضلت من أجلها عقوداً طويلة، وبات عليها أن تبدأ من نقطة الصفر من جديد، والفضل في كل ما جرى هو وصول الإسلام السياسي إلى قمة السلطة، فلا يمكن أن يبني الإسلام السياسي دولة ديمقراطية ويطبق شرعة حقوق الإنسان ومساواة المرأة بالرجل ويحقق العدالة الاجتماعية.
ولا سبيل إلى فرض وجود المرأة ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية والثقافية إلا من خلال كسر كل القيود التي تضمنها ما يسمى بالشرع الذي يفرضه أساطين الإسلام السياسي، فلا شرع في عصرنا هذا غير شريعة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا بد أن تتحرر المرأة اقتصادياً لأنه السبيل الأهم لتحررها الاجتماعي، وهذا لن يتم إذا لم يجرِ تعبئة سائر منظمات المرأة، وبدعم فعّال ومتواصل من سائر القوى السياسية الديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني لخوض المعارك الفاصلة مع قوى الردة والرجعية، لفرض إرادة التحرر من قيود المجتمع الذكوري والقوانين الرجعية التي تفرضها الشريعة التي عفا عليها الزمان، ولن تعد تلائم عصرنا.
لا يمكن ولا أتصور، ولا أثق بكل ادعاءات أحزاب الإسلام السياسي بطرح برنامج ليبرالي حديث يتناسب مع فكرة الدولة المدنية، ويتضمن حقوق وحريات المرأة طالما هم متمسكون بما يسمى بالشريعة التي وضعت قبل 1400 عام فمن المستحيل أن تتلاءم الشريعة الدينية مع شرعة حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة منذ عام 1948، والتي تتجاهلها كل أنظمة الدول الإسلامية، ولا حل إلا بقيام دولة علمانية تتولى فصل الدين عن الدولة، ليبقَ الدين منزها من كل ما الصقه منظرو الإسلام السياسي من أدران بغية تثبيت كيانهم السياسي وسيطرتهم وتحكمهم بشؤون المجتمع، بدأً من رياض الأطفال وحتى الدراسات العليا، وليبًق الدين علاقة خاصة بين الإنسان وربه فقط، دون تدخل الدولة.
ولا بد أن اقول أن المرأة تتحمل جانبا من المسؤولية بسبب التخلف السائد في المجتمع نتيجة لعوامل متعددة بعضها يقع على عاتق رجال الدين، وبعضها الآخر على الدولة ونظامها السياسي والاجتماعي، وبعضها الآخر على المرأة نفسها فلقد وجدنا الكثير من النساء ممن حملن حتى شهادة الدكتورة وقد غطت نفسها بهذا الكيس ألظلامي الأسود، وتعلن صراحة أن من حق الرجل أن يضرب المرأة، وأن على المرأة إطاعة الرجل، وعدم مخالفة إرادته، لأن الإسلام يقول أن الرجال قوامون على النساء، وهذا ما سمعته في ندوة تلفزيونية مع نائبة في البرلمان العراقي، فكيف بالمرأة المحرومة من الثقافة، والمطمورة بين أربعة جدران ومهمتها خدمة الرجل، وتلبية رغباته الجنسية، وتربية الأطفال، وتحضير الطعام، وتنظيف المسكن، دون إن تشعر بكرامتها المهانة، ودون أن تعترض على انتهاكها تحت تهديد الرجل. .
اننا بحاجة للثقافة الذاتية فهي التي تجعل الرجل يحس بكونه يضطهد المرأة ويسلبها حقوقها، وإرادتها، وأن المرأة مخلوق لا يختلف عن الرجل، بل أستطيع القول أن ما تقوم به المرأة يعجز الرجل عن القيام به، دعك عن الحمل والولادة وآلامها ومخاطرها، ومع ذلك نجد المرأة وقد درست واجتهدت وحققت نجاحاً باهراً كطبيبة ومهندسة ومدرسة ومحامية وقاضية، بل وتبوأت في العديد من الدول أعلى مراتب السلطة كرئيسة دولة، أو رئيسة وزراء، في حين نجد الكثير من الرجال الأميين الذين لا يدركون من شؤون الحياة سوى فرض سيطرته على المرأة، ونتهاك حقوقها والاعتداء عليها.
أن الثقافة الذاتية لكلا الجنسين لا تأتِ إلا من خلال القراءة، والمخالطة الاجتماعية مع من يمتلكون جانبا واسعاً من الثقافة، فمن لا يقرأ يتحجر دماغه بلا أدنى شك، وعلى المرأة أن تهتم بالقراءة فهى السبيل لجعلها تدرك حقوقها وحرياتها، وتدفعها للنضال من أجل تحقيقها.