خاص اكس خبر – عندليب دندش : رحل “الامجد”. رحيل قاس مبكٍ ومحزن. رحل فجأة. رحل وحيدا. هناك في منطقة غير مأهولة قاوم الموت حين انقلب عن دراجته النارية لكن الموت كان اقوى. لم يُهزم “الامجد” يوما في عراك خاضه مع احد او تحدّ عاشه.. لكن في 16 ايلول 2016 سُجلت اول هزيمة له واخر هزيمة، ومات صريعا.
الامجد ليس اول ضحية يودع اعوامه الـ18 على الطرقات في حوادث المرور (سيارات او دراجات)، التي كثُرت جدا في السنوات الاخيرة خصوصا حوادث سير الدراجات والتي بلغت بحسب احصاءات قوى الامن الداخلي 1100 حادث عام 2011، ثم ارتفع الرقم الى 1300 حادث في الـ2013، لكن لامجد قصته المختلفة عن قصص الضحايا التي لا تتشابه اصلاً، الا في اسباب وقوع الحادث.
فغالبية حوادث الدراجات تنتج عن السرعة في قيادة الدراجة وعدم الالتزام بقانون السير المتعلق بالسلامة العامة، وعدم وضع خوذة واقية.
فـ”الامجد” الذي صار اليوم تحت التراب، كان بامكانه استدراك حياته لو انه كان يضع خوذة على رأسه خصوصا انه عُرف عنه مدى حبه للسرعة المفرطة في القيادة.
كيف وقعت الكارثة مع امجد؟
أمجد دندش، الشاب الذي يعيش في قرية زبود في قضاء الهرمل، بالكاد اكمل اعوامه الـ18 في تموز الماضي. هو مرح متفائل محب للحياة وللتحدي، مقدام لكنه في الوقت نفسه هو مندفع يعاني من سوء التقدير للعواقب، يحب السرعة في قيادة كل وسائل النقل (سيارة، بيك اب، ATV، دراجة نارية…). يمارس حركات بهلوانية خلال القيادة، والتي تؤدي غالباً إلى حوادث مميتة كما جرى معه.
كان الجميع يشكون امجد لاهله لانه يقود اي شيء بسرعة مفرطة ويعرض نفسه والاخرين للخطر. خافت عائلته عليه وصارت تخشى فقدانه بسبب هذه السرعة والتهور في القيادة، خصوصا عندما يعتلي دراجته النارية، لدرجة ان والدته كانت تلجأ يوميا الى قراءة القران له كلما همّ بقيادتها.
لكن يوم الحادث كان مختلفا. لم تقرأ له الوالدة شيئا من الايات التي اعتادت قراءتها لانها كانت متيقنة ان ابنها لن يركب الدراجة النارية بعد ان قرر ابيه حرمانه منها.
ذهب الى حتفه برجليه
حرمانه من الدراجة النارية لم يرق كثيرا لأمجد الذي يعشق قيادة الدراجات بجنون. يوم الحادث، التقى بابن عمته على الطريق، وكان الاخير يقود دراجته النارية ( 750cc). طلب منه امجد السماح بقيادتها فرفض. لكن امام اصرار امجد، رضخ ابن عمته شرط ان يقودها 5 دقائق فقط ويعيدها اليه.
5 دقائق كلفته حياته
اخذ امجد الدراجة واتجه نحو الموت. قاد الدراجة بسرعة جنونية حتى قيل انه أقفل الكيلومتراج، واتجه الى شمال القرية حيث هناك منطقة نائية. سكان اخر منزل في القرية توقعوا حادثا مميتا لقائد هذه الدراجة بعد ان مرت من امامهم بلمح البصر.
ما هي الا دقائق قليلة، وفي منطقة خلت من اي كائن بشريّ، انقلبت الدراجة وحاول الامجد جاهدا ثنيها فجرّته معها عشرات الامتار ثم قذفته الى هاوية الطريق، ينزف في رأسه، فيما يده ورجله في الجانب الايمن تعرضت للكسور.
مشهد الكارثة رسمتها التحليلات وتوقعات الخبير بعد معاينة المشهد على الارض والاثار التي خلفتها الدراجة النارية على الطريق وعلى جسد الضحية. فعلى مدى 60 متر تقريبا، تظهر خطوط بيضاء على الزفت في دلالة واضحة على المسافة التي جرّت بها الدراجة الشاب امجد، وعلى جنب الطريق في نهاية الخطوط عُثر على امجد مضرجا بدمائه.
لكن كيف تم العثور عليه
بعد حوالي ربع ساعة من وقوع الحادث، صودف مرور سيارة من هناك فوجدت الشاب مُلقى على الارض. على الفور تم ابلاغ اقرب مركز اسعاف بوجود الشاب وجرت محاولة اسعافه. وبعد التعرف على هويته تم الاتصال باهله، وقالوا ان قلبه ما زال يخفق. اسرعوا به الى اقرب مستشفى في بعلبك، لكن هناك كان النبأ الاصعب: امجد فارق الحياة.
امجد لم يعد تنفعه لا دموع ولا رثاء ولا بكاء. امجد لم تعد تنفعه النصيحة ولا العقاب. امجد قضى. امجد صار تحت التراب. امجد سلم نفسه لله، وصار بين يدي الله. امه صارت ثكلى. اما ابوه، ورغم مظهر القوة الذي اراد الظهور به امام هول المصيبة، فان الانكسار كان باديا جدا على ملامح وجهه، والحزن كان ظاهرا بقوة في خطواته المتثاقلة في نظرة عيونه المليئة بالعتاب على ابن فارقه باكرا كثيرا وفي عز حاجته له.
رحل امجد، ولكنه بقي عبرة لكل شباب جيله من حوله. والعبرة تقول ان الحياة اثمن من مجرد تحقيق رغبات تافهة كقيادة الدراجات بطرق متهورة. الحياة اغلى من الموت بدون سبب او هدف. الحياة مليئة باحباء سيكسرهم رحيلنا، لذلك تُصبح المحافظة على حياتنا واجب وليس خيار. الحياة نعمة وهبنا اياها الله، فلنحافظ عليها ونستغلها في اعمال الخير وافادة مجتمعنا قبل ضياعها منا بارخص الاثمان.