إكس خبر- عندما نتوقف أمام خلفيات التحرك لوساطة من أجل وقف إطلاق النار في غزة، ونكشف صلتها بالقرار الأميركي المنطلق من شعور «إسرائيل» بمأزق دخولها حرباً غير محسوبة، أو سوء تقديرها لموازين القوى السياسية والعسكرية، فذلك لا يعني تجريم أو تخوين أو التشكيك بالقوى الفلسطينية المقاومة التي ترتضي دخول التفاوض حول هذه الوساطة، وتحاول تحقيق أفضل الشروط لحساب المقاومة والشعب الفلسطيني.
الأكيد أنّ المبادرة المصرية لوقف النار، لو كانت مجرّد مسعى عربي أو مصري نابع من الشعور بهول المجازر «الإسرائيلية» بحق الشعب الفلسطيني، لكان الحذر والتروّي حاضرين في إطلاقها كمشروع تنفيذي بمواعيد محددة كما هي الحال، خشية إبطالها من قبل «إسرائيل»، وما سيترتب على ذلك من إحباط وإهانة ليست مصر بحاجة إليهما.
الأكيد أنّ التوقيت لأيّ وقف للنار يرتبط بتوازن القدرة على الإفادة من الوقت لتحقيق المزيد من المكاسب، أو لإصابة الخصم بالمزيد من الخسائر، والواضح من حرب فلسطين أنّ الوقت لا يسير لمصلحة «إسرائيل» منذ يوم السبت، عندما بدا أنّ زمام المبادرة صار بيد المقاومة، على رغم شراسة القصف «الإسرائيلي» ووحشيته وعدد الشهداء والجرحى الذين سقطوا في تلك الليلة، فقد تمكنت المقاومة من إثبات السقوط الكامل للقبة الحديدية كبوليصة تأمين وهمية زرعتها القيادات «الإسرائيلية» في عقول مستوطنيها، وتقصّدت المقاومة شرشحتها عندما حدّدت موعد قرارها بقصف تل أبيب في التاسعة ليلاً ونفذت تهديدها، وتساقطت الصواريخ على تل أبيب من دون أن تتمكن القبة الحديدية من فعل أيّ شيء.
راهنت «إسرائيل» على مفاعيل التقتيل العبثي والعشوائي للمواطنين في غزة وكان الصمود أسطورياً والحالة المعنوية فوق التصوّر، فراهنت على عمليات استهداف مبرمجة للمواقع والقادة ففرغ بنك الأهداف من دون نتائج تذكر، وانتقلت إلى الرهان على الاجتياح البرّي فاكتشفت أنّ ما تحقق عام 2008 من قدرة بلوغ خط التماس مع التجمّعات السكنية، لم يعد ممكناً تحقيقه اليوم بعدما نجحت وحدات الكورنيت بإحراق دبابة إسرائيلية في المناطق المفتوحة.
استنجدت «إسرائيل» بواشنطن وقطر فبدأت المشاورات مع مصر لإحياء اتفاق عام 2012، وإطلاق مبادرتها، كما سبق ومهّد باراك أوباما قبل أيام، وحرصاً على عدم فتح بازار تفاوضي صعب ومرهق بسبب عدم وجود صيغة جاهزة يقبلها الطرفان من دون أن يدفع جزءاً من مهابته وماء وجهه، أو أن يحصل ذلك لأحدهما على الأقلّ والمقصود هنا «الإسرائيلي»، وبسبب العجز عن تمرير صيغة ترضي «الإسرائيلي» بينما المقاومة في ذروة إنجازاتها، صيغت الوساطة بصورة تتيح قبولها من الطرفين وترك التفاوض على الطلبات لما بعد وقف النار.
الطبيعي عندما تتدخل مصر لوقف النار أن تقبل قوى المقاومة من دون منح الهدنة صفة الديمومة، وتلك فرصة للمقاومة لتحسين شروط اتفاق 2012 القائم على توصيف أعمال المقاومة بالأعمال العدائية، وحصر الأمر بوقف استهداف التجمّعات السكنية بصورة متبادلة، ومعها التزام «إسرائيلي» بوقف الاغتيالات وفك الحصار وفتح المعابر وإطلاق الأسرى.
المعلومات المتوافرة تقول إنّ «إسرائيل» في أضعف حالاتها، وإنّ بمستطاع المقاومة تحقيق أكثر بكثير من مجرّد وقف للنار.