صراعات وفجوات عاطفية زوجية تؤثّر على كيان أسرة كاملة، مخلفةً وراءها أبناء مفتقدين لجو الأمان وجرعات الحنان، فمن خلال تلك المشاكل المتكاثرة؛ وفي ظل انتشار انعدام الحوار الأسري، يرى البعض أن العلاقة بين الأب والأم يجب أن تتخللها «إجازة زوجية»، لمحاولة منع التراكمات الحياتية التي قد تؤدي إلى موت العاطفة وإثارة المشاكل.
ويرى آخرون أن البعد بين الزوجين ولفترة قصيرة «أياماً معدودة» من شأنه أن يساعد على ردم المشاكل، ويحفز على مشاعر الحب والشوق بينهما، بينما يرى البعض الآخر أن مثل هذه الإجازة، ستخلق فجوة كبيرة بين الزوجين، بالإضافة إلى أن كل منهما سيتعود كثيراً على فراق الآخر، الرياض» من خلال تلك الآراء طرحت الموضوع لمعرفة مبررات المؤيدين والرافضين، فكان هذا التحقيق.
تجديد الحنين
في البداية يؤكد «عدنان العصيمي» -42 عاماً- أن الإجازة الزوجية مهمة وفعالة في محاولة تقليص المشاكل الزوجية، ولكنها تظل متبوعة بضوابط، فهي إيجابية إذا طُبِّقت بطريقة صحيحة على ألا تطول مدتها، وألا تكون بعد ثورة غضب، أو تأتي كفض اشتباك، مضيفاً أن الإجازة تعني الانفراد بالنفس قليلاً من الوقت، وذلك لتجديد الحنين والشوق، كما أنها فرصة لتستعيد العلاقة عافيتها وبريقها الأول، حيث تلبي احتياجات الزوجين الترفيهية والبدنية والثقافية والروحية، ليعود كل طرف إلى الآخر بأفضل مما كان عليه، مشيراً إلى أن مثل هذه الإجازة تعد بمثابة جرعة تنشيطية لمشاعر الزوجين العاطفية وصحتهما الذهنية.
أضواء الشموع
ويرى «عدنان» في عملية تنظيم تلك الإجازة، أن يأخذ كلا الزوجين راحة من الآخر، ليبتعد عنه فترة قد تطول لتصل إلى أسبوع، أو تقصر بالابتعاد لمدة يوم كامل، ليأتي اللقاء بعدها على أضواء الشموع في العشاء، وتقديم الاعتذار تجاه أي قصور اتضح للشريك خلال تلك الإجازة الاستجمامية، لافتاً إلى أن هذا الانفصال المؤقت يثير عادةً مشاعر الفقدان وقلق الانفصال بين الزوجين، وبالتالي تترتب عليها مشاعر إيجابية تجاه الشريك، إضافةً لإثارة أفكار إيجابية وواقعية حول الزوج والحياة الزوجية، مضيفاً: «تأتي فائدتها في تهدئة النفوس وتخفيف درجة الغضب، مما يؤدي فيما بعد إلى بروز المشاعر الإيجابية تجاه الطرف الآخر، والتفكير المنطقي بعيداً عن الغضب والألم والجروح والقرارات المتسرعة».
إيجابية وسلبية
ويوضح «عدنان» أن لمثل هذه الإجازات الزوجية نتائج إيجابية وسلبية، فقد تساهم في عودة المشاعر الطيبة والتفاهم بين الزوجين، وقد تساهم في زيادة التباعد والجفاء فيما بينهما، إن لم يحسن أحدهما اختيار الفترة المناسبة للقيام بها، والتي من الضروري أن تكون اختيارية لا إجبارية، كي لا تنتهي بدخول أحدهما في علاقات أخرى من شأنها تعويض ذلك الركود والثبات في المشاعر.
تدارك الأخطاء
وتتفق «ليلى حسن» -52 عاماً- مع «عدنان» بضرورة وجود الإجازة الزوجية والتي تؤمن بها المرأة غالباً، بينما يراها الرجل انتقاصاً في رجولته، من خلال هجر الزوجة له ولو ليوم واحد، رغم فعاليتها في تقليص المشاكل اليومية الناتجة عن القرب الدائم، والملل من الروتين اليومي، مضيفةً أن الابتعاد عن الأجواء المشحونة مرة كل ثلاثة أو أربعة أشهر، يفيد في إعطاء الزوجين متسعاً من الوقت لمراجعة ما مروا به خلال تلك الفترة، ومحاولة تدارك الأخطاء في السنوات القادمة، لافتةً إلى أنه من خلال تجربتها على مدار 35 عاماً، فإنها ترى أن تلك الإجازة غير صالحة للمتزوجين حديثاً، حيث إن المشاعر لا تزال متقدة بينهما، بل لا يزالان في فترة دراسة وفهم لبعضهما البعض.
زرع الجفاء
بينما ترى «لطيفة علي» -30 عاماً- أن تلك الإجازات من شأنها زرع الجفاء والبعد العاطفي بين الزوجين، حيث يعتاد أحدهما على بُعد الآخر، وأنها إن نفعت مع حالة أو حالتين فهي غير مجدية مع كل الحالات الزوجية، مضيفةً أن الزوجين يستطيعا أن يتداركا كافة المحبطات الزوجية والمشاكل الحياتية بالحوار دون الحاجة إلى الابتعاد، مبررةً سبب رفضها لمثل تلك الإجازات، أنها قد تحفز الزوج للبحث عن البديلة، لتفريغ عاطفته التي «تكبتها» الزوجة ببعدها عنه، كما أن موافقة الزوج على ابتعاد الزوجة عنه، انتقاصة كبيرة بحق الزوجة، وهدر لرجولة الرجل وقوامه على تذييل الصعوبات والمشاكل اليومية.
إزالة الشحنات
في الجهة المؤيدة لضرورة الإجازة الزوجية لاستمرار العلاقة بنجاح ترى «د.سحر رجب» – الاستشارية النفسية – أن السبب الرئيسي خلف وقوع الطلاق هو القرب الدائم من الساحة التي تضم الأسباب والمسببات لوقوع الخلافات الزوجية، وما يجره من تبعات وأعباء نفسية بكثرة الضغوطات التي تولد الانفجار، مؤيدةً نظرة علم النفس في وجودها، لما تتركه من أثر حسن على الزوجين المتشاحنين باستمرار، بل حتى المتوافقين لابد أن يبتعدا ليوم أو يومين، على أن لا تزيد فترة الابتعاد عن أسبوع، لتجديد النشاط وإزالة الشحنات، بعد أن يكون كلا الزوجين فكر وتأمل الأحداث الماضية برؤية، واسترجع بذاكرته شريط الفرح والسعادة واللحظات الحميمة، لتعود المياه إلى مجاريها.
الاشتياق يتجدد
واشترطت «د.سحر رجب» لنجاح تلك الإجازة أن يتفق عليها الطرفان، وأن يحددا فترة الابتعاد، دون أن تحمل الزوجة حقيبتها تاركة وراءها كل شيء، مضيفةً أنه بعد أن يتفقا يذهب أحدهما إلى أي مكان للراحة، ليس شرطاً منزل الوالدين، أو أحد الأخوة، حتى يستنفر كلاهما الذكريات الجميلة، لتتأجج المشاعر الايجابية، ويشعر كلاهما بالاشتياق لشريكه الذي كان يتوسد ذراعه ويشاركه فراشه بكل حب، لافتةً إلى أنه بعد ذلك يعود الزوجان لعشهما، بعد أن يكون الوئام قد عاد، ليطفئوا ضوء الشموع في دعوة للعشاء، وبطاقة بها كلمات رقيقة، يكون فيها الانسجام والشوق سيد المكان.
وضع الحلول
وشددت «د.سحر رجب» أن لا تقتصر الإجازة فقط على الابتعاد والعودة دون مناقشة الأخطاء الماضية ووضع الحلول، لأنها لو لم تتضمن العلاج فحتما ستغدو غير مجدية، فعلى الزوجين التفكير بعلاج ناجح يعيد التوأمة لحياتهما، وأن يكون لديهما مرونة في عودة الحب والضحكات لحياتهما، ذاكرةً أنه يجب أن يدرك الزوجان حجم الخطأ الفادح المرتكب في غرفة النوم، لأنها المكان الوحيد الذي يحفظ للزوجين خصوصية رومانسيتهما ومطاردتهما للغرام، كما أنه يجب عليهما عدم النقاش بصوت مرتفع، وأن يتبعا أسلوب الحوار الزوجي الذي يسهم في حل كثير من المشكلات، مشيرةً إلى أن دعم الحوار يكون في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، موضحةً أن الحياة الزوجية لا تسير بالحب فقط، ولكن على كل زوجين أن يعيشا حياة واقعية، تتخللها المرونة والحوار والنقاش، وأن تكون هناك مساحة للعشرة والألفة.