“فتاة تقرأ” أو “القارئة”، إحدى اللوحات التي لطالما جذبت المهتمين بالفن التشكيلي على مر العصور. للرسام الفرنسي جان هونوري فراجونارد (1732-1806). لوحة زيتية من القرن التاسع عشر، رغم بساطتها لكنها شديدة الأناقة والثراء، عن فتاة شابة تقرأ كتابا بنهم؛ جمال غير متكلف، وهدوء يزينها، وكتاب يبدو بعلاقة استثنائية معها، ليعطي اللوحة بعدين: جمال الأنوثة، وجمال القراءة.
وبالرغم من أن هوية الفتاة المرسومة لم يتم تحديدها، لكنها أصبحت نموذجا للأنوثة النضرة؛ إذ تجمع بين جمال المظهر، الذي أظهره فراجونارد بتسليط الضوء على مُنحنياتها الناعمة وأناقتها الشخصية، وجمال الجوهر المتمثل في القراءة بنهم. ومن حيث إن اللوحة لا تحتوي على أدوات الكتابة أو أقلام وأوراق، فإن القراءة تبدو موجهة بدافع الشغف، لا لدراسة أكاديمية؛ ويؤيد تلك الفرضية حجم الكتاب الصغير الدال على رواج الروايات التي انتشرت أواخر القرن الثامن عشر.
بدءا من المشهد الخلفي، وصولا لمقدمته، نجد أن خلفية اللوحة حائط استخدم فيه فراجونارد درجات البني في رسمه ببساطة، ليسلط عين الرائي بشكل أكبر على موضوع اللوحة الرئيسي: الفتاة نفسها. وفي حين يشغل الرسام الرائي بمظهر الفتاه، فإنه يدفعه للتساؤل حول ما تقرأ.
من النظرة الأولى للوحة، يجد الناظر نفسه أمام سؤالين يقاطع كل منهما الآخر؛ هل يستخدم فراجونارد الفتاة لإبراز سحر القراءة أم يستخدم القراءة لإبراز سحر الفتاة؟ ما سر المتعة البصرية التي يجدها الرائي في فتاة تقرأ؛ هل في فضاء اللوحة محدود الألوان، أم في البنية الجسدية للفتاة، أم في طريقة فراجونارد في تسليط الظل والنور؟
يوفر الحائط الخلفي الداكن بالإضافة للوسادة المستخدمة كمسند للظهر صلابة للوحة، فيعطي الرسام انطباعا أن الفتاة تجلس جلسة مستقيمة، وأنها في الوقت نفسة شخصية محافظة، وما يقوي هذا الانطباع هو الثياب الحشمة التي ترتديها الفتاة، والتي لا تظهر أيا من مفاتنها الأنثوية؛ ومع ذلك استطاع فراجونارد إظهار أنوثتها، دون الحاجة للدلع، بفعل غير إيروتيكي؛ وهو القراءة.
لذلك يظهر الحائط غامق اللون وكأنه تأطير للفتاة ذات الثوب المشمشي الفاتح، ما يعطي حسا بالعمق للمشهد. كذلك فإن الذراع الأيسر للفتاة على الذراع الخشبي للكرسي يعطي إحساسا بالراحة. وتظهر الأشرطة البيضاء حول الرقبة واليدين بارزة ونقية ضد الخلفية البنية. كل هذا جعل إحساس النعومة والسكينة مسيطرا على اللوحة، ويسهل على المشاهد لمسه من النظرة الأولى. وبساطة التفاصيل تلك رغم عمق الموضوع هي ما يُعرف بفن الركوكو.