هذه المعادلة هي التالية: موسكو ضغَطت على دو ميستورا لكي يلتزم بما طلبَت الأمم المتّحدة منه لجهة أن يتمّ تشكيل وفد المعارضة على نحوٍ مقبول خلال فترة أقصاها بضعة أيام تسبق موعد انعقاد «جنيف 4» في 20 من الجاري. والأخير ضَغط على الهيئة العليا للتفاوض لاحترام هذه المهلة وإلّا سيَستخدم صلاحياته في تشكيل وفد المعارضة من دون الرجوع إليها.
وعليه فإنّ الهيئة العليا وجَدت نفسَها خلال اجتماع المعارضة في الرياض للبحث في تشكيل وفدها، أنّها أمام خيارَين: إمّا تشكيل الوفد ضمن مهلة دوميستورا للحفاظ على بقائها، وإمّا خروج مبادرة التفاوض في جنيف من يدها.
تكشف هذه المصادر أنّ وفد المعارضة إلى «جنيف 4 « يختلف عن وفودها إلى جلسات جنيف السابقة. هذه المرّة لم تعُد الهيئة العليا خارج إطار الشكل، تملك شرعيةَ التفاوض باسمِ المعارضة السورية في الداخل والخارج. وبدا واضحاً مِن متابعة كواليس التفاوض على تشكيل وفد جنيف، أنّها لم تعُد حرّةً في انتقاء أعضاء فيه ينسجمون مع رؤيتها السياسية.
للمرّة الأولى كان إلى جانبها كتلتان من المعارضة لديهما ثقلها وربّما أكبر منه. الكتلة الاولى هي معارضة الفريق الذي شارَك في أستانة. وهؤلاء يمثّلون ثلثَ الفصائل المقاتلة في الميدان السوري. وبحساب آخر هم ثلاثة أرباع هذه الفصائل إذا ما حسِم منها «داعش» و«النصرة».
موسكو حاولت إقناع فصائل أستانة، بأن تطرح نفسَها بديلاً من هيئة التفاوض أو جسماً سياسياً وليس فقط عسكرياً موازياً لها، لكنّ فصائل منها رفضَت ذلك، إحساساً منها – حسب قول مصادرها – بالمسؤولية تجاه تحصين هدفِ بقاء جسدَي المعارضة المسلحة والسياسية موحّدَين.
تركيا كان يهمّها بدرجة أساسية أن لا يشمل وفد المعارضة إلى جنيف حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي». ردّ الحزب على نجاح تركيا بذلك، بمساندة الجيش السوري في سعيه لوقف قوات «درع الفرات» التي تدعَمها أنقرة، عند جزء من مدينة الباب، بدل احتلالها كلّها، وأيضاً بتسليم قوات النظام قرى كان يسيطر عليها في ريف حلب. الأكراد يتّجهون أكثر، في مقابل ثقل تأثير تركيا على الروس والأميركيين لنفيهم من مفاوضات جنيف، للالتصاق بالدولة السوريّة.
وقد يستقرّ وضعهم في نهاية المطاف على المشاركة في «جنيف 4»، أو ربّما 5، من خلال انضمامهم إلى الوفد السوري الرسمي، وهو أمرٌ لا تعارضه أنقرة التي يهمّها أن يشارك الكرد السوريون على نحوٍ لا يعكس طموحاتهم الانفصالية في سوريا التي تهدّد بأن يكون لها تتمّة في تركيا.
الكتلة الثانية التي دخلت ضيفاً ثقيلاً على قرار الهيئة العليا لتحديد شكل وفد المعارضة السورية إلى جنيف، تمثّلت بمعارضة الداخل الممثّلة بهيئة التنسيق العليا بزعامة حسن عبد العظيم، والتي تمثّلت في الوفد بثلاثة أعضاء، هم: عبد العظيم، أنيس مفرّج، ومحمد حجازي. والجديد في تمثّل هذه الكتلة هو أنّ روسيا رفَدتها بممثّلين اثنين من منصّتَي القاهرة وموسكو هما: جمال سليمان وعلاء عرفات.
بمعنى أنّ خطّ معارضة الداخل السياسي أصبح ممثّلاً بخمسة أعضاء، في مقابل خمسة أعضاء للائتلاف الوطني، والبقيّة للفصائل المسلّحة الأستانية والمستقلّين الذين تمثّلوا بعضوَين هما: محمد صبرا وبسمة قضماني.
داخل كواليس الهيئة العليا توجَد مكابرة في قراءة الصورة السياسية للوفد، فتقول مصادرُه إنه مؤلّف من 70 في المئة من السياسيين وثلاثين في المئة من العسكريين، ما يعني فشلَ موسكو في جعلِ «جنيف 4» هو استكمال لموازين قوى اجتماع أستانة الذي لم تُدع إليه الهيئة. ولكنّ قراءة أرقام التمثيل في وفد جنيف بلغةٍ سياسية، وبحسب معلومات مستقاة عن حقيقة انتماءات أعضائه الإقليمية، تُظهر الملاحظات الأسياسية الآتية:
ـ أوّلها، إنّ تركيبة الوفد تمّ إنتاجها بالتشارك بين تركيا وموسكو، فرئيس الوفد نصر الحريري وثيق الصلة بأنقرة، ونائب رئيس الوفد أنيس مفرّج هو مِن هيئة التنسيق التي يقودها عبد العظيم الذي ظلّ طوال الفترة الماضية يَرفع شعار أنه ممثّل معارضة الداخل السلميّة البديلة من معارضة الخارج السياسية، وحتى من معارضة الداخل العسكرية.
وعبد العظيم الذي ينتمي مفرّج إلى جماعته، لديه صلات متينة بموسكو التي تدخّلت مراراً للضغط على دمشق بغية الإفراج عن سجَناء من مناصريه. ويقال إنّ عبد العظيم بقيَ في سوريا تحت حماية روسيّة.
أمّا جورج صبرا الذي احتلّ مرتبة «كبير مفاوضي الوفد» فهو محسوب على المستقلّين، وكان لديه في الكواليس نزاعات ساخنة مع قيادات الهيئة العليا للتفاوض.
وبهذا المعنى يبدو وفد المعارضة إلى «جنيف 4»، منقاداً من ثلاثة أطراف إقليمية: تركيا رئيساً وموسكو نائباً للرئيس، والمستقلّون الذين هم خليط من مساحات مشتركة بين الجهات الإقليمية وبين معارضات الداخل والخارج نالوا في الوفد عضوية «كبير المفاوضين» من خلال صبرا، والذي يؤدّي خلال عملية التفاوض في جنيف، دور منسّق المواقف بين كلّ أطياف وفد المعارضة.
ـ ثانيها، كلام مصادر الهيئة العليا أنّها كسبَت معركة تشكيل وفد المعارضة بما يَخدم رؤيتها السياسية، ليس دقيقاً، فنسبة توزُّعِ أعضائه تميل بوضوح إلى كفّة أصحاب الرأي القائل بمفاوضات على أساس مرجعية القرار 2254 الذي ركّز عليه بيان أستانة والذي لا توجد فيه دعوة لحكم انتقاليّ، بل ضمناً تعايُش مع الرئيس بشّار الأسد.
– ثالثها، السؤال الذي يَطرح نفسَه هو، هل ستصمد وحدة الموقف السياسي لوفد المعارضة مع بدء التفاوض في جنيف، في ظلّ تعدُّد أولويات أطيافه السياسية؟ أم أنّ الهيئة العليا ستتعامل بواقعية مع تغيّرِ موازين القوى الذي حدثَ بعد معركة حلب وبعد تعمُّق التقارب الروسي ـ التركي وتوقّعِ اقتراب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوريا؟
ناصر شرارة