كتب ابراهيم الأمين في جريدة الأخبار مقالا هاجم فيه السعودية وفيه: العدوان السعودي على اليمن شكل مفاجأة حقيقية لأهل هذا البلد ولحلفائهم. النقص شمل المعطيات الامنية والعسكرية. لكن التقدير بأن حدثاً كهذا لن يقع، استند الى حسابات معادلات تقول بأنه مجنون من يقوم بجريمة كهذه. لكن يبدو أن الحقد والجنون سيطرا على آل سعود، فكانت المغامرة. والسؤال هو عن الخطوة التالية.
بحسب المعلومات الواردة من صنعاء، فإن الغارات الجوية استهدفت بشكل رئيسي مطارات عسكرية ومواقع يعتقد أنها تحوي على منظومة دفاعات جوية، وأخرى على مستودعات يقول السعوديون إنها تحوي على صواريخ أرض ـ أرض من نوع “سكود”.
وتضيف أن هدف الضربات هو تعطيل القدرة على استخدام سلاح الجو من الجانب اليمني، ومنع استخدام الصواريخ لقصف العمق السعودي. وترافقت العمليات مع نشر وحدات عسكرية إضافية على طول الحدود مع اليمن، وبدء تحركات أولية في منطقة البحر الاحمر، مع إشاعة معلومات عن إمكانية انتقال قوة عسكرية مصرية بحرية الى حدود عدن البحرية، وعن نشاط لفرق كوماندوس للقيام بعمليات إنزال، خصوصاً في مدن الجنوب.
حشود بعشرات الألوف>
الغارات أصابت بنية عسكرية تخصّ الجيش اليمني، وسقط أقل من عشرين شهيداً من العسكريين اليمنيين، وتم تدمير مدرجات وطائرات حربية. لكن المصادر تجزم بأن البنية العسكرية الخاصة بجماعة «أنصار الله» لم تتأثر. بل على العكس، فإن المعلومات تشير الى ما هو مخالف، خصوصاً بعد القرارات الاولية السريعة التي اتخذتها قيادة «أنصار الله»، وهي التي سبقت الخطاب الذي ألقاه زعيمها السيد عبد الملك الحوثي.
وتفيد المعطيات بأن الاستنفار العام أعلن في صفوف كل اللجان العسكرية التابعة للحوثيين، وهي إجراءات شملت عشرات الآلاف من المقاتلين، وتم نشر حشود كثيفة على كامل الحدود اليمنية ـ السعودية، إضافة الى إجراءات خاصة على جميع الشواطئ، وخصوصاً البحر الاحمر. وبحسب تعليمات الحوثي، بأنه في حال لم يتوقف العدوان على اليمن خلال وقت قريب والإعلان عن التزام الحل السياسي، فإن عمليات الرد سوف تبدأ، ويتوقع لها أن تكون شديدة للغاية، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام حرب إقليمية واسعة.
في هذه الاثناء، سارعت السعودية الى طلب العون البري من حلفائها. وبينما لم يتضح الموقف المصري والسوداني من طلب الرياض إرسال قوات تكون جاهزة للقيام بعمل بري، فإن السعودية تراهن على قوات من باكستان، ذلك أن طبيعة الوضع على الحدود الجنوبية تشير الى مخاوف جدية لدى الجانب السعودي من قيام الحوثيين باقتحام جنوبي الجزيرة وقصف مكثف بصواريخ أرض ـ أرض تصل الى عمق الاراضي السعودية، واللجوء في حال تحركت بوارج حربية في البحر الاحمر الى استخدام أسلحة مناسبة قد تؤدي الى وقف كل الملاحة من قناة السويس مروراً بالبحر الاحمر وصولاً الى خليج عدن والمنطقة المجاورة.
ما الذي أوصل الأمور الى هنا؟
التطورات التي جرت خلال الاشهر القليلة الماضية في اليمن، جعلت جماعة «أنصار الله» تفتح الباب أمام تسوية سياسية شاملة. وبعد استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي، تسارعت الاتصالات. وتولت سلطنة عمان قسماً بارزاً منها، بما في ذلك محاولة إقناع القيادة المؤقتة في صنعاء بالسماح لهادي بالانتقال الى مسقط للإقامة هناك، وهو جهد جاء نتيجة طلب سعودي. وبعد محاولتي هرب من جانب هادي، عادت الاتصالات لتطلب تخفيف إجراءات الحماية من حول مكان إقامته، الى أن تمكن من الفرار باتجاه الجنوب، حيث بدأت مرحلة جديدة.
قبل هذه الخطوة، كانت الاتصالات المباشرة بين جماعة «أنصار الله» والسعودية قد حصلت. وقال المسؤولون في الرياض إنهم يريدون حلاً يقوم أساساً على إخراج إيران من اليمن، وهو كلام دأب المسؤولون في السعودية على قوله أمام كل من يلتقيهم من الايرانيين أو اليمنيين أو من الوسطاء. وردّ الحوثيون بوضوح بأنهم ليسوا في وارد قطع العلاقة مع إيران. حتى إن أحد مسؤوليهم من الذين زاروا الرياض، قال لمحدثه السعودي: «أنا آت إليك بعد رحلة قادتني الى لقاء مسؤولين إيرانيين في طهران وقيادة حزب الله في بيروت. والبحث الممكن هو في إنتاج صيغة حكم تقوم على إنشاء مجلس رئاسي، وعلى قاعدة أن هادي قد استقال».
لكن الرياض كانت تهتم بأمر آخر في هذه الفترة. ولأول مرة منذ وقت طويل، عاود السعوديون الاتصال بجماعة «الإخوان» المسلمين في اليمن، وأرسلوا الوفود الكبيرة وبصورة مكثفة لعقد اتفاقات مع قبائل في الجنوب وتعز، وتم صرف عشرات بل مئات الملايين من الدولارات، وإيصال كميات من الاسلحة، بغية تشكيل لجان عسكرية تقود الحرب ضد الحوثيين في الوسط والشمال. وترافق ذلك مع قطع الاتصال بالحوثيين الذين وجدوا أن هناك من يريد جرّهم الى حرب استنزاف دموية. وردّ الحوثيون بمناورة عسكرية على الحدود مع السعودية، الأمر الذي عدّته الرياض تحدياً كبيراً لها، خصوصاً أن الأمن السعودي يقوم بعمليات تدقيق في جنوب الجزيرة، خشية أن يكون الحوثيون قد أقاموا صلات مع قبائل في نجران وعلى الحدود الجنوبية.
ومع انتقال هادي الى عدن، وإطلاق عملية تعويمه كرئيس شرعي، وما رافق ذلك من تحضيرات لمواقف عربية ودولية، كان السعوديون بمعاونة جماعة «الإخوان» (تجمع الإصلاح) قد باشروا، كما هي حال مجموعات تكفيرية، عمليات عسكرية ضد وحدات الجيش غير الملتزمة بقيادة هادي في أكثر من منطقة. ثم جاءت التفجيرات الانتحارية في مساجد صنعاء والشمال، لتدفع بالحوثيين، بالتوافق مع قيادة الجيش، وبدعم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، للقيام بعملية عسكرية خاطفة باتجاه الجنوب. ويبدو، بحسب مطلعين، نفذت عملية غير مسبوقة في حشد القوات والمدرعات التي قامت بالهجوم ووصلت الى عدن وسيطرت عليها خلال أقل من 24 ساعة. وحتى ساعات ليل أمس، كانت مجموعة اللجان الثورية التي تشرف عليها جماعة «أنصار الله» تثبت مواقعها داخل عدن وداخل مناطق عدة في المحافظات القريبة، برغم قيام جماعة «الإخوان» بتسيير تظاهرات في تعز ضد الحوثيين، وسعي بعض الزعماء الانفصاليين في الجنوب الى اعتبار قدوم الجيش والحوثيين الى عدن احتلالاً.
حتى هذه اللحظة، لم يكن أحد يتحدث مع أحد، ولا أحد يستمع الى الآخر، ليتبين أن السعودية أنجزت تفاهماً سريعاً مع عدد من الدول العربية لأجل تشكيل قوة مشتركة، تتولى القيام بالعدوان على اليمن. لكن اللافت أن الاميركيين كانوا على السمع، وهم بادروا ليس فقط الى سحب من تبقى من قواتهم، بل الى إبلاغ الجانب السعودي أن من الخطأ الرهان على مجموعات هادي العسكرية، وأن قدرات الطرف الآخر قادرة على حسم الامر سريعاً ومن دون مواجهات جدية، وهو ما حصل، ليتبين لاحقاً أن التحذير الاميركي الذي أعلن مساء الثلاثاء الماضي، كان قد صدر بينما كانت عملية اقتحام عدن قد بدأت رغم أن الاعلان عن نتائجها تأخر لنحو 18 ساعة.
هل من حل؟
كل المؤشرات تقول إن من اتخذ قرار العدوان لم يحسب أموره بشكل جيد. كذلك فإن الحملة الاعلامية الواسعة التي رافقت الغارات الوحشية على المدنيين والعسكريين لم تخف غياب الاستراتيجية الواضحة. وهو أمر عبّرت عنه مواقف الدول الداعمة للعدوان، خصوصاً الاميركيين والاوروبيين، الذين سارعوا الى وضع سقف للحملة العسكرية، بأنها يجب أن تصبّ في خدمة حل سياسي، الأمر الذي تقول الرياض إنها تريده على شكل إعلان الحوثيين الاستسلام من صنعاء. وهو أمر اتضح ليل أمس أن من غير الممكن، على الاطلاق، الرهان عليه.
في هذه الأثناء، سارعت موسكو وطهران الى القيام باتصالات مع عواصم عربية وإقليمية ودولية، بقصد ممارسة الضغط على السعودية كي توقف العدوان، وتعود الى طاولة المفاوضات. وبدا واضحاً أن الروس والإيرانيين يدركون جيداً حقيقة الوضع على الارض، وحقيقة الموقف عند «أنصار الله» والقوات اليمنية الرسمية. وبينما يرجّح أن تتولى سلطنة عمان جانباً من الاتصالات، في حال قررت السعودية التوقف عن العدوان، يبدو أن في الرياض من يريد ممارسة الضغط المباشر على أنصار علي عبدالله صالح، بغية إجباره على ترك تحالفه مع الحوثيين، اعتقاداً من المملكة بأن هذه الخطوة من شأنها عزل الحوثيين. ويردّ مطلعون على هذا الامر بالقول: إن السعودية لا يبدو أنها تعرف عقلية الحوثيين جيداً.
وفي هذا السياق، وفي إطار التأكيد على أن ما يجري هو عدوان مباشر على شعب ودولة، سيطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء اليوم، في خطاب حول الوضع في اليمن، وهو سوف يدين العدوان، ويعطي الاشارات الواضحة الى أن «أنصار الله» ليسوا متروكين لمصيرهم، كذلك يفتح الباب أمام حل سياسي متى رغب الآخرون فيه، وسريعاً، وقبل دخول المنطقة في جحيم أين منه ما يجري في سوريا والعراق.