إكس خبر- يتقدم المشروع الإيراني في المنطقة بخطى بطيئة لكنها واثقة وناجحة. في مقابل ذلك يبدو الجلوس في غرفة المراقبة والانتظار هو الخيار الوحيد امام الآخرين. آخر مراحل هذا التقدم نشهدها الآن في عاصمة عربية أخرى تسقط في يد هذا المشروع هي صنعاء، حيث استطاعت الجماعة الحوثية بعد حروب طويلة مع الدولة اليمنية وتفكيك بطىء للسلطة واختراق للمؤسسة العسكرية، ان تبسط، او تحاول ان تبسط يدها على البلد كله، من خلال ما اطلقت عليه «الاعلان الدستوري»، الذي يعني عملياً القضاء على مؤسسات الدولة، من الرئيس نزولاً الى الحكومة والبرلمان، وقيام «اللجنة الثورية» بالاشراف على الاجراءات المقبلة، من اختيار «المجلس الرئاسي» الى اختيار اعضاء «المجلس الوطني»، الذي سيحل مكان مجلس النواب، الذي أعلن الحوثيون حلّه.
ما يحصل في صنعاء سبق ان شهدنا فصولاً شبيهة به في بغداد وبيروت، ومحاولات في المنامة، الى جانب الحرب التي تديرها طهران في دمشق، لمحاولة الاحتفاظ بهيمنتها على الحكم في العاصمة السورية من خلال عائلة الاسد وابناء طائفته. وفي مواجهة ذلك، ظلت مواجهة القوى القادرة في المنطقة للمشروع الايراني، مواجهة خجولة وضعيفة. وباستثناء التحرك الخليجي الذي قطع الطريق على هذا التمدد في البحرين، كان نجاح هذا المشروع هو عنوان ما حصل في العواصم الاخرى، سواء عن طريق الشراكة مع المحتل الاميركي، كما هي الحال في بغداد، او من خلال الهيمنة على البلد وتعطيل مؤسساته، كما يحصل في بيروت.
لا يتوقع الحوثيون بالتأكيد انهم سيستطيعون استكمال سيطرتهم على كل اطراف اليمن ومحافظاته. هم يعرفون حجم العوائق التي تقف في طريقهم هذا، والتي تؤكدها الاحتجاجات الواسعة ضدهم في المحافظات الجنوبية وحتى في العاصمة نفسها، اضافة الى امتناع اركان الحكم المخلوع، مثل الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي ورئيس حكومته عن تغطية انقلابهم، الذي قال هادي انه سيجر اليمن الى حرب أهلية. هم يعرفون انهم أقلية في اليمن، وأن هناك نقمة ومعارضة واسعة لهم من اكثرية اليمنيين، كما أن النفوذ الايراني الذي يقودهم، يقف عائقاً كبيراً دون حصولهم على أي قبول سياسي من دول الخليج، وخصوصاً من السعودية، التي لا يستطيع أي حكم في اليمن ان يستمر او يستقر من دون الانفتاح عليها.
وهو ما يستدعي السؤال: لماذا تصر جماعة عبد الملك الحوثي ومن وراءها على السير في هذا الطريق، رغم ما تشير الظروف المحيطة به الى انه طريق مسدود؟ هناك بالطبع اغراء السيطرة على العاصمة صنعاء، وهو أمر غير بسيط بعد المعارك العديدة التي خاضها الحوثيون مع الجيش اليمني منذ عام 2004، وبعد ان استطاعوا اللعب على التناقضات وخلافات المصالح في هذا البلد، وصولاً الى اغراء الرئيس السابق علي عبدالله صالح بأنه سيكون حليفهم الطبيعي، ومرشحهم الاوفر حظاً، عندما يستكملون انقلابهم، فاذا بهم يستبدلونه برئيس لـ «اللجنة الثورية العليا» التي ستكون المرجع الاول في ادارة انقلابهم، هو محمد علي الحوثي، الذي كان معتقلاً من قبل جهاز الامن السياسي ايام صالح، بعد ان عاد من ايران حيث تدرب على يد «الحرس الثوري».
وهناك ايضاً الامساك بهذه الدولة المفتوحة الحدود مع منطقة الخليج، والمقيمة عند مدخل باب المندب، ما يفتح المجال لمساومات مع القوى الكبرى، صاحبة المصلحة في المحافظة على امدادات النفط عبر هذا الممر الحيوي البالغ الاهمية لاقتصاد العالم.
يحاول الحوثيون الإيحاء بأن سيطرتهم على اليمن تهدف الى منعه من السقوط في الفوضى والانهيار، كما اشار عبد الملك الحوثي في خطابه أمس. غير ان هذه السيطرة هي التي ستقود اليمن الى التقسيم والى تعزيز نفوذ تنظيم «القاعدة». فخيار انفصال الجنوب اصبح اكثر جدية الآن، بعد ان اعلن الجنوبيون انهم لن يتعاملوا مع «الاعلان الدستوري»، لأنهم يعتبرونه انقلاباً على الشرعية الدستورية. اما «القاعدة» فسيستفيد من الفراغ الامني والصراع المذهبي المحتدم في هذا البلد.
اليمن رهينة في يد الجماعة الحوثية. فهي تعتبر ان التفاوض معها بعد اليوم، سواء من القوى الاقليمية، بما فيها دول الخليج، او من القوى الدولية، يسمح لها بفرض شروطها. كما تستغل القلق الذي يساور الدول الغربية من تمدد تنظيم «القاعدة» في اليمن وما يشكله من خطر على أمن هذه الدول، لتساوم الغرب، بصفتها القوة القادرة على التعاون معه للقضاء على هذا التنظيم.
الكاتب: الياس حرفوش