إكس خبر- واصلت أسعار النفط العالمية انخفاضها على نحو أثار حالة من القلق لدى الدول المنتجة والمصدرة لهذه المادة الحيوية بالنسبة للاقتصاد العالمي.
وقد سجل سعر برميل النفط أدنى مستوى له منذ سنوات ليبلغ 80 دولارا للبرميل بعدما كان قد وصل إلى 117 دولاراً، ويتوقع الخبراء أن يصل سعر البرميل إلى مستوى الـ75 دولارا وأقل.
ومن الطبيعي أن يقود هذا الهبوط الكبير في الأسعار إلى آثار سلبية على الدول التي تعتمد في تركيب موازناتها على عائداتها النفطية بالدرجة الأولى، مثل روسيا والسعودية وفنزويلا..الخ.
مما ينعكس بعجز في موازناتها، وبالتالي اضطرارها إلى تغطيته من احتياطاتها التي حققتها في السنوات الماضية نتيجة الارتفاع القياسي في الأسعار.
وإذا كانت هذه الدول قادرة على استيعاب مثل هذا الهبوط الكبير في الأسعار في البداية لامتلاكها احتياطات نقدية كبيرة، إلاّ أنها لن تتمكن من تحمل ذلك إذا ما نشبت حرب تخفيض في الأسعار بين الدول المصدرة للنفط، وبالتالي استمر هذا الهبوط، وسيكون عليها إعادة النظر في سياستها الانفاقية التي بنيت على أساس العائدات المرتفعة المتأتية من ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وهو ما احتاطت إليه فنزويلا التي اعتمدت في إيرادات موازنتها على أساس سعر البرميل الواحد 60 دولاراً، وهي سياسة بدأها الرئيس السابق هوغو شافيز الذي استخدم فائض العائدات النفطية المتأتي من ارتفاع الأسعار لتحسين أوضاع الاقتصاد الفنزويلي والنهوض بالمناطق الفقيرة في البلاد.
أما روسيا والسعودية فإنهما سوف تتأثران كثيراً لأنهما اعتمدتا في إنفاقهما السنوي على أساس أن سعر برميل النفط هو 100 دولار.
ويبدو من الواضح ان محاولة الدول التي تملك قدرات إنتاجية كبيرة زيادة حصتها في السوق العالمية لتعويض تراجع إيراداتها ستقود إلى مزيد من انخفاض الأسعار، كما أن خفض إنتاجها لتحسين الأسعار، سيؤدي بدوره إلى تراجع في الإيرادات، في حين ان ذلك يحتاج إلى اتفاق بين الدول المنتجة وهو أمر ليس سهل التحقق في ظل احتدام الصراع العالمي وعودة الحرب الباردة.
والأسئلة التي تطرح في ضوء ما تقدم وتشغل بال المراقبين والمحللين هي:
– ما هي الأسباب الفعلية التي أدت إلى هذا الانخفاض الكبير في أسعار النفط؟
–هل يعود ذلك لأسباب سياسية؟
– أم لأسباب اقتصادية؟
– أم لحصول زيادة في إنتاج الولايات المتحدة من النفط، وتراجع استيرادها منه؟
– وأخيراً ما هي التداعيات المحتملة التي سيؤدي إليها مثل هذا الانخفاض في الأسعار خصوصاً إذا ما استمر واستقر سعر النفط بمستويات 75 – 60 دولاراً للبرميل ولفترة طويلة ولم يعاود الارتفاع؟
المدقق في الأسباب، يلحظ أن هناك عدة عوامل تقف وراء هبوط الأسعار هي:
1 – عامل اقتصادي، يكمن في تراجع معدلات النمو في اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط، لا سيما الصين وأميركا والاتحاد الأوروبي واليابان، ففيما يسجل تباطؤاً في النمو في أوروبا واليابان وأميركا، انخفضت معدلات النمو في الصين وبلغت العام الحالي نحو 7.3 بالمائة بعدما كانت قد وصلت في السنوات الماضية إلى عتبة الـ13 في المائة وبدأت بالتراجع تدريجياً مع اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 إثر انفجار الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأميركية التي تملك اكبر واقوى اقتصاد في العالم.
وبالتالي فقد أدى هذا التراجع المستمر في معدلات النمو إلى عدم زيادة الطلب على النفط، بل إلى تراجعه.
2 – عامل التوسع في الإنتاج وزيادته: وتمثل في زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط بمقدار مليون برميل يومياً مما قلص حجم استيرادها من الخارج بنفس الكمية، كما زاد كل من العراق وليبيا من كمية انتاجهما، الأمر الذي جعل المعروض في السوق أكبر بكثير من الحاجة.
3 – عامل سياسي، ويتمثل في الحديث عن مصلحة أميركية غربية في خفض الأسعار للتأثير على اقتصادات كل من روسيا، وإيران، اللتين تعتمدان في جزء مهم من دخلهما على العائدات النفطية، وذلك بغية التأثير على موقف موسكو من الأزمة الأوكرانية وإضعاف دورها الدولي من ناحية، وزيادة الضغط على طهران قبيل التوصل إلى الاتفاق معها على برنامجها النووي لدفعها للاستجابة لبعض الشروط الغربية من ناحية ثانية.
من الواضح أن العوامل المذكورة آنفاً تجمعت كلها لتسهم في إحداث هذا الانخفاض الكبير في أسعار النفط والمرشحة إذا ما استمرت هذه العوامل إلى تسجيل المزيد من التراجع.
غير ان مثل هذا التدني في الأسعار سوف سيكون له نتائج على جميع دول العالم، ففي حين سوف تستفيد الدول المستوردة للنفط لناحية خفض فاتورتها النفطية، وتوفير أموال طائلة من العملات الصعبة، وبالتالي خفض كلفة انتاجها وتحسين مستويات المعيشة لديها، لما لأسعار الوقود من انعكاسات على مجمل أسعار السلع الاستهلاكية والنقل.
فإن الدول المصدرة سوف تتضرر كثيراً، حيث ستتأثر ميزانياتها التي ستفقد عائدات مالية كبيرة كانت مقدرة. على أن من المتوقع أن يدفع ذلك العديد من الدول المنتجة للنفط إلى إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية بتقليص اعتمادها الكبير على العائدات النفطية غير الثابتة لصالح تطوير الصناعة والزراعة وتحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي، لاسيما وأن الاكتشافات النفطية في أميركا والمحيط المتجمد الشمالي تؤشر إلى ان المعروض من النفط في المقبل من الأيام سيكون أكبر من الطلب، ما يعني ان الأسعار سوف تشهد المزيد من الانخفاض أو على الأقل لن تعاود الارتفاع، فأميركا أكبر مستهلك للنفط تتجه إلى الاكتفاء الذاتي وستتحول إلى مصدر للنفط، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى انخفاض جديد في الأسعار، أو قيام الدول المنتجة بتخفيض انتاجها لتجنب ذلك، وفي الحالتين فإن عائدات هذه الدول سوف تسجل تراجعاً إضافيا.
وهذا ما يطرح السؤال عما إذا كان العالم قد دخل مرحلة انتهاء الفورة النفطية والحديث الذي ساد في السنوات الماضية عن القلق من نضوب مخزونات النفط العالمية في العقود المقبلة، والذي دفع إلى زيادة الجهد لإنتاج الطاقة البديلة.