إكس خبر- “تزوّجنا في آب 2013، وباشرنا معاملات الطلاق في نيسان 2014″. هذه باختصار قصّة زواج ربى ونديم القصيرة المدى، التي تتشابه مع مصير زيجات كثيرة في لبنان، بعد تزايد نسبة الطلاق في السنوات الأخيرة نسبة إلى عقود الزواج المبرمة.
تعرّفت ربى إلى نديم في عرس أحد الأصدقاء خلال صيف 2012، وخرجا معًا مرّات عدّة في الصيف نفسه، قبل أن يعود نديم إلى الرياض حيث يعمل في شركة هندسة، ولكنّهما بقيا على تواصل. أتى إلى لبنان في فترة أعياد رأس السنة، فتعرّف إلى أهلها وهي تعرّفت إلى أهله، واتفقا على الخطوبة في عيد العشّاق والزواج في الصيف. تروي ربى قصّتها القصيرة مع نديم لـ”النهار”، وتقول: “تزوّجنا في غضون سنة من تعارفنا، لم أره كثيرًا خلالها، فأغلب أحاديثنا كانت من خلال السكايب. اتفقنا على الزواج وأن أذهب للعيش معه. وهذا ما حصل، تزوّجنا في آب 2013، وسافرنا معًا في أيلول. هناك تعرّفت أكثر إلى عاداته وطباعه التي لم أحتملها، فهو بخيل وغامض، كنا نتشاجر دائمًا، وكانت الخلافات رفيقتنا. عدنا إلى لبنان في فترة أعياد الميلاد لأستكمل أوراقي، ولكني بقيت هنا بعدما أخبرته رغبتي في البقاء في بلدي ومع أهلي. رفض بداية ولكن رضخ بعدما أصررت على ذلك. كنت أخطّط للابتعاد عنه تدريجًا، زادت المشكلات خلال الفترة الأخيرة بسبب إصراري على البقاء مع أهلي، وبسبب علاقتي المتأزمة مع عائلته. وعندما قدم إلى لبنان في نيسان الماضي، اتفقنا على وضع حدّ لحياتنا معًا، فلا هو رجل أحلامي ولا أنا الفتاة التي حلم بإكمال حياته معها“.
قصّة ربى ونديم، لا تختلف عن قصّة ماري وعماد، فهما تزوّجا منذ سنتين بعد قصّة حبّ جمعتهما لأكثر من أربع سنوات، لكن سوء الأوضاع الاقتصاديّة والمشكلات الماديّة كانت سببًا في اندلاع الخلافات بينهما، فاتفقا على الطلاق. يروي عماد قصّتهما لـ”النهار” قائلًا: “تعرّفنا إلى بعضنا في الجامعة، واتفقنا على الزواج بعد سنة من تخرّجنا، وهذا ما حصل. لكن ظروف الحياة لم تكن حليفتنا، الفقر يقتل الحبّ ويسبّب الخلافات ويكشف النفسيّات، كنت أظنّ أن الحبّ كافٍ لإنجاح الزواج ولكني كنت مخطئًا، فالحبّ وحده لا يكفي، اتفقنا على الطلاق بعد سنتين، ونحن حاليًا منفصلان بانتظار قرار المحكمة“.
التخطيط والرعاية
هناك إجماع على أن نسبة الطلاق إلى ازدياد في لبنان، ويعزو البعض الأسباب إلى الوضع الاقتصادي المتردي، وتغيّر العقليّة اللبنانيّة، وغياب القناعة، الخ… لكن ما هي الأسباب الحقيقيّة التي تدفع نحو الطلاق السريع؟ وما هي المشكلات التي تُهدّد الحياة الزوجيّة وتُفشلها؟ وهل تغيّرت المشكلات بين الأمس واليوم أم قلّت القناعة لدى الناس؟
عن الأسباب التي تدفع نحو الطلاق السريع، تقول رئيسة قسم العلوم الاجتماعيّة في جامعة الروح القدس الكسليك، الدكتورة ميرنا عبود المزوّق، لـ”النهار”: “الزواج، سواء كان مدنيًا أو دينيًا، هو مشروع حياة، والتخطيط له يحتاج إلى تحضير مسبق ومتقن، لكن الواقع يشير إلى إهمال في هذه التحضيرات وغيابها أحيانًا. الزواج هو المؤسّسة الضامنة للسلم الاجتماعي وللقيم ولاستمراريّة العائلة، ولكنه لا يُعطى الأهمّية المطلوبة ولا يُبنى على المعرفة المفاهيميّة لمكوّناته. إضافة إلى ذلك، هناك نقص في المؤسّسات الأهليّة، وضعف في الدور الإرشادي الديني، وغياب الحصص الخاصّة في المدارس والجامعات، لإعطاء المفاهيم الصحيحة حول الزواج، والتعريف بهذه المؤسّسة وكيفيّة بنائها والحفاظ عليها. وجود هذه المؤسّسات يدخل ضمن سياسة عامّة وشاملة للصحّة العائليّة وصحّة الثنائي. كلّ الأزواج تصادفهم مشكلات، لكن قبل اللجوء إلى المحاكم والطلاق، يجب تفعيل دور هذه المؤسّسات، والتركيز على أهمّية الإصغاء وتقديم المساندة لهم“.
غياب القناعة أم جهل للزواج؟
ما هي المشكلات التي تهدّد الحياة الزوجيّة، وهل تغيّرت بين الأمس واليوم أم قلّت القناعة لدى الناس؟ تقول مزوّق: “أهمّ المشكلات التي تهدّد الحياة الزوجيّة هي عدم الإخلاص، عدم وعي مكوّنات الحياة الزوجيّة والعائليّة ومتطلباتها، غياب الحسّ الالتزامي الذي يهدّد استمراريّة الزواج، وعدم وعي أهمّية الاستقلاليّة أي حصر دور الأهل بالنصح وأن تكون عمليّة صنع القرار منبثقة من داخل البيت الزوجي“.
وتضيف مزوّق: “الأمور لا تتعلّق بغياب القناعة. سابقًا كان هناك تعتيم إجتماعي واسع على المشكلات التي تواجه الزوجين، أمّا اليوم فقد انخفضت نسبة التعتيم وظهرت المشكلات إلى العلن، وزادت، لأن الحلّ الوحيد أمامهم هو الطلاق. لا شكّ في أن أنواع المشكلات ومسبّباتها تتغيّر مع الزمن وهذا أمر طبيعي، ولكن كيفيّة إدارة المشكلة ومجابهتها من خلال وحدة الزوجين وتحليلهما العقلاني وحبّهما لبعضهما، هم العوامل الأساسيّة في دحر شبح الطلاق“.
ما هي سبل إنجاح الزواج؟ تردّ: “الزواج يُبنى على الحبّ العقلاني. فنجاحه استنادًا إلى الحبّ فقط مراهنة فاشلة، والأمر سيان باستناده على العقلانيّة والتحليل المنطقي. قاعدتا الزواج الناجح هما الحبّ والغرام من جهة، والتخطيط والبناء العقلاني لهذه المؤسّسة من جهة ثانية، عبر معرفة مكوّنات ومتطلبات الحياة الزوجيّة لمجابهة كلّ المشكلات والتحدّيات، أي معرفة الرجل والمرأة لبعضهما، وكيفيّة تكوين أسرة، والدور التربوي للأب، ومفاهيم الحياة العائليّة والزوجيّة السليمة. إن غياب هذه المعارف يعني فشل الثنائي عند المطبّ الأوّل“.
الطلاق بالأرقام
في أرقام حصلت عليها “الشركة الدوليّة للمعلومات” من إدارة الإحصاء المركزي في وزارة الداخليّة والبلديات، يتبيّن أن عقود الزواج المبرمة في العام 2008 كانت 37.593، زادت إلى 40.565 في العام 2009، وإلى 41.758 في العام 2010، وإلى 42.405 في 2011، لتتراجع إلى 38.691 في 2012، وتستقرّ على 38.737 في 2013، وتصل إلى 18.246 حتى حزيران 2014.
في المقابل، زادت عقود الطلاق من 5.389 في العام 2008، إلى 5.957 في 2009، و5.897 في 2010، إلى 6.403 في 2011، إلى 6.498 في 2012، إلى 6.644 في 2013، وصولًا إلى 3.366 حتى حزيران 2014.
ما يعني أن نسبة عقود الطلاق من عقود الزواج زادت من 14.3% في العام 2008، إلى 14.6% في 2009، و14.1% في 2010، إلى 15.1% في 2011، إلى 16.8% في 2012، إلى 17.1% في 2013، وصولًا إلى 18.4 في 2014.
الاقتصاد والتهجير السوري
يشرح الباحث في “الشركة الدوليّة للمعلومات”، محمد شمس الدين، دلالات هذه الأرقام لـ”النهار”، ويقول: “هذه الأرقام لا تحدّد مدّة الزواج قبل حدوث الطلاق، ولكن نظريًا هي عقود حديثة، لأن نسبة الطلاق ترتفع في حال عدم وجود أطفال، فغالبًا ما يضحي الأهل ويحاولون إنجاح زواجهم من أجل أطفالهم“.
ويضيف: “هذا التراجع في عقود الزواج هو مؤشر إلى الوضع الاقتصادي في البلد. خلال الأعوام 2008 و2011 ارتفعت هذه العقود، ثمّ تدنّت منذ العام 2012 بسبب الأزمة. فيما ارتفعت عقود الطلاق بنسبة 20% من عقود الزواج المبرمة“.
وعن سبب تنامي نسبة الطلاق بعد العام 2011، أي بعد اندلاع الحرب السوريّة، ووجود ارتدادات لها على الوضع الاقتصادي اللبناني، يردّ: “طبعًا هناك علاقة، لأن لبنان لم يستفد من الأزمة السوريّة كما استفادت سوريا اقتصاديًا من الحرب اللبنانيّة. سوريا استفادت من وجود الرأسماليين اللبنانيين في أراضيها خلال الحرب اللبنانيّة، وإشغالهم فنادقها، وفتح أعمال خاصّة هناك، بينما الرأسماليون السوريون فضّلوا تركيا ودبي وقطر والأردن على لبنان لتشغيل أموالهم. إن نسبة النازحين السوريين القادرين على تحريك العجلة الاقتصاديّة في لبنان لا تتعدى العشرة في المئة، فيما الأغلبية هم من النازحين السوريين الفقراء“.