إكس خبر- ينطلق وليد جنبلاط في استشعاره للخطر على لبنان، من باب التاريخ الحديث لهذا الوطن الذي تمزق قبل نحو 40 عاما من باب مؤسسته الأم، الجيش اللبناني، التي أذن شللها، ومن ثم انقسامها شيَعاً ومذاهب، إلى تعميق الحرب الأهلية واستفحالها لـ16 عاماً.
يدرك جنبلاط الخطر. الجيش مهدد، والطوائف في أوج انفعالاتها، ومن بينهم بالطبع الطائفة الدرزية القلقة على الحاضر والمستقبل. هو يخشى على “طائفته ـ قبيلته” على حد تعبيره، لكنه يخشى أيضاً عليها من نفسها. كيف لا وهو الذي بلغته أصداء تسلح لمسها عن قرب في جولته التي امتدت من حاصبيا وراشيا وصولاً الى عرمون، المحطة ما قبل الأخيرة قبل زيارة المتن الأعلى للغاية نفسها.
استشعر جنبلاط في جولته حجم الاحتقان، فسأل دعاة التسلح: بوجه من تتسلحون ولأي هدف؟ هو يرفض التسلح ويعتبره اللبنة الأولى أمام تدمير ذاتي تلجأ إليه الطائفة في لبنان وسوريا. “لا مكان لكم هنا، اذهبوا للقتال مع “النصرة” في سوريا”؟ هكذا صرخ بالأمس في عرمون، صرخ بوجه أحد دعاة “الأمن الذاتي“.
حاول جنبلاط تطويق ذلك التململ بالحديث عن “الامتداد الواحد من هنا الى القنيطرة ودرعا والسويداء”. تقاطع المشهد مع ذلك القلق الذي تحاصر به المؤسسة العسكرية. التاريخ قد يكرر نفسه اليوم. الجيش مستضعف. ثمة فئة تستهدفه بحجة المظلومية. وثمة فئات داعمة في السر لها، بينما تفتقد المؤسسة العسكرية تلك الحصانة السياسية التي تقيها شر الانشطار.
أطلق زعيم المختارة الصرخة أمس، واختار لها مكاناً ذا رمزية: منطقة خلدة وعرمون. تلك المنطقة تحتفظ بعنوانين. اولهما انها تحتفظ بتلك الهوية الديموغرافية السنية المتواجدة والتي من الواجب التوجه اليها في سبيل دعم الجيش. وثانيهما، انطلاقاً من العنوان الاول، تحتفظ تلك المنطقة بذكريات ملحمة بطولية سطرتها فصائل المقاومة في العام 1982 بوجه الإسرائيليين.
من هنا، انطلق جنبلاط بخطاب موجه الى العشائر السنية في خلدة، التي يحتفظ معها بعلاقة قديمة وتاريخية كما يؤكد مفوض الاعلام رامي الريس لـ”السفير”، الذي يشير الى انها ليست الرسالة الاولى التي يوجهها جنبلاط الى الطائفة السنية على هذا الصعيد، اذ وجه مثلها الى “أهلنا في شبعا وحاصبيا والعرقوب.. من هنا فإن الخطاب ليس جديداً”. لكنه يلفت النظر الى انه من الواجب الالتفات الى تلك العشائر في خلدة التي ليست بعيدة عن الدولة مع أنها مغبونة بحقوقها ومشاركاتها في السلطة السياسية وفي البلديات.
على ان الهاجس الاساس بالنسبة الى الرجل، يتمثل في حفظ الطائفة عبر حفظ الوطن ووحدته واستقراره، والذي يتمثل اولاً في حفظ مؤسساته وفي طليعتها جيشه الوطني، إضافة الى المؤسسات الأمنية الاخرى، في واحدة من اخطر المراحل التي يمر بها لبنان.
من هنا الحاجة الى تهدئة سياسية داخلية وحوار لترقيع الانقسام الداخلي ما دام لا سبيل لمعالجة جذرية لحالة الانقسام السياسي الحالي. ويشير الريس الى ان جنبلاط يتحرك على مستويات ثلاثة: العواصم الخارجية، الخيارات السياسية، المناطق الشعبية الداخلية.
اختار جنبلاط عباراته بعناية شديدة، سواء في خلدة او عرمون، وهو زارهما برفقة نجله تيمور ووزير الزراعة أكرم شهيب والنواب غازي العريضي وهنري حلو وفؤاد السعد، ومفوض الداخلية في “الاشتراكي” هادي ابو الحسن.
وقال جنبلاط في منزل الشيخ ابو ديب كامل الظاهر: هنا في مثلث خلدة كنتم الأوائل في صد العدوان الإسرائيلي، ودائماً هذه المنطقة عرفت بأنها كانت ترد الغزوات وكانت حامية الثغور، أنتم حميتم بيروت آنذاك في تلك المعركة الشهيرة وهزمتم الإسرائيلي، وللتذكير لم يدخل الإسرائيلي آنذاك الى بيروت إلا بتسوية سياسية وبالغدر.
وتابع: نقف جميعاً وقفة واحدة وراء الجيش الذي يخوض معركة قاسية جداً، وهذا الجيش بحاجة الى حصانة سياسية قبل الدبابات والطائرات وقبل كل شيء، بحاجة الى حصانة سياسية.
في عرمون، كانت المحطة الأولى في قاعة آل الجوهري حيث أقيم له استقبال تقدمه رئيس البلدية الشيخ فضيل الجوهري. وقال جنبلاط: إذا كان عندي وصية فهي حسن الجوار والعلاقات الاجتماعية والانفتاح والحوار على جميع المكونات في لبنان.
بعدها، توجه جنبلاط والوفد الى خلية آل المهتار. بعد ذلك توجه الى قاعة آل الحلواني. ثم الى خلية آل الحلبي. ثم زار مقام الشيخ ابو سعيد أمين ابو غنام. وزار بعدها خلية آل ابو غنام. وقال: لست لأدخل في سجال مع صديقي الوزير نهاد المشنوق. نعم لا نريد صحوات، لكن آن الأوان ان تكون هناك صحوات فكرية تجمع اللبنانيين وتخرجهم من هذا السجال العقيم الذي يمزقنا في كل يوم، نعم نريد صحوات فكرية تؤدي بنا الى حوار لأن الحوار وحده يستطيع ان يجنب هذه البلاد المزيد من التوترات المذهبية ويحصن البلاد في مواجهة الأخطار المحدقة ويحصن الجيش، فقبل ان نحصن الجيش بالدبابات والمدافع فتحصين الجيش هو في صحوات فكرية وحوار. ورفض “رفضاً مطلقاً كل مظهر من مظاهر الأمن الذاتي“.
بعد ذلك زار خلية آل يحيى. ثم انتقل الى قاعة آل دقدوق.