إكس خبر- أهداف الإرهاب في سيناء واضحة، بعضها يتعلق بتحدي هيبة الدولة والجيش، والقضاء على فرص إحداث تحول ديموقراطي حقيقي، وتوسيع نطاق الحروب الأهلية في المنطقة لتصل إلى مصر، وصولاً إلى إعادة ترسيم حدود «سايكس بيكو».
والثابت أن انتقال العنف والإرهاب بشكل فوضوي أو مخطط، كما يؤمن أنصار نظرية المؤامرة، لم ينجح في اختراق الداخل المصري في الدلتا والوادي، وبالتالي ركز الإرهاب على سيناء مستغلاً أوضاعاً موروثة من عهد الرئيس السابق حسني مبارك أبرزها إهمال تنمية سيناء والاعتماد على سياسات أمنية قاصرة عمقت من الشعور بالظلم والتمييز لدى أهالي سيناء، لذلك تشير التقديرات الرسمية إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر في شمال سيناء قبل سقوط مبارك عام 2011، مقارنة بجنوب سيناء الذي استفاد جزئياً من ازدهار السياحة. إلا أن تراجع السياحة بعد الثورة، وخلال السنوات الثلاث الماضية أدى إلى ارتفاع البطالة والفقر والشعور بالتهميش في كل مناطق سيناء. ويعيش في سيناء 600 ألف مواطن تقريباً، على 6 في المئة من مساحة مصر، ويتميز سكان سيناء بسمات خاصة ترتبط بثقافة البدو وتقاليدهم، التي قد تتعارض والتزامات الدولة وقيودها القانونية والبيروقراطية، لكن يظل السؤال لماذا لم تحاول الدولة المصرية إدماج سيناء الجغرافيا والبشر ببقية محافظات مصر، على رغم توافر ثروات طبيعية (تعدينية وصناعية وسياحية وزراعية وبحرية) هائلة في سيناء، منها حوالى نصف مليون فدان قابلة للزراعة؟
هناك أسباب عدة منها ما هو سياسي واقتصادي وأمني، أهمها غياب الرؤية والإرادة السياسية، وسيادة نمط تنمية مشوه في عصر مبارك ركز على المدن الكبرى وأهمل الصعيد وسيناء والحدود الغربية لمصر مع ليبيا، تحت دعاوى نقص الإمكانات المتاحة لتوفير بنية أساسية لهذه المناطق، إضافة إلى سيادة استراتيجية أمنية تفترض أن تعمير سيناء وإقامة صناعات ومجتمعات عمرانية قد يعرضانها للخطر في حال نشوب حرب مع إسرائيل، وهو افتراض خاطئ تماماً لأنه يهمل فرضية أن تعمير سيناء يضع قيوداً على فكرة نشوب حرب بين مصر وإسرائيل، ويمنع إسرائيل من التفكير في إعادة احتلال سيناء لأنها ستدخل في مناطق مأهولة بالسكان لا يمكنها السيطرة عليها.
والمفارقة أن الخطاب السياسي في عصر مبارك كان دائم الحديث عن خطط تعمير سيناء، كما أن مراكز البحوث والمجالس القومية المتخصصة أنتجت كماً هائلاً من البحوث والأفكار الخاصة بإنشاء مشاريع تنموية في كل المجالات، كان أهمها وأكثرها شمولاً المشروع القومي لتنمية سيناء والذي وافق عليه مجلس الوزراء عام 1994 بكلفة حوالى 75 بليون جنيه، كانت كافية لإيجاد فرص عمل لسكان سيناء وتوطين حوالى مليون مواطن من خارج سيناء، وقدرت كلفة مشاريع البنية الأساسية والمشاريع التنموية آنذاك بحوالى 70 بليون جنيه. لكن هذه المشاريع لم تر النور، واستمرت جريمة إهمال تعمير سيناء، وهي جريمة بحق مصر لأنها أدت إلى:
أولاً: خلق بيئة صالحة لاحتضان أفكار التنظيمات الإرهابية، والتي تمثل الموجة الأحدث من تنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة والتي تأثرت أساساً بأفكار «حماس» و «القاعدة» والسلفية الجهادية و «داعش»، ويلاحظ أن تلك التنظيمات لم تكن معروفة في سيناء قبل عام 2004 والذي شهد أول عملية إرهابية. وللأسف، فإن نظام مبارك لجأ كعادته الى الحلول الأمنية فقط، ما فاقم من مشكلات التعامل مع سكان سيناء ودعم البيئة الحاضنة لجماعات التطرف والإرهاب، والتي تستغل الفقر والبطالة والتهميش والتمييز والجهل بالإسلام الصحيح لنشر خطابها والترويج له وتجنيد عناصر جديدة بعضها من أبناء قبائل سيناء ومن باقي المحافظات، علاوة على عناصر من قطاع غزة، حيث سمحت الأنفاق بتهريب السلع وتنقل الإرهابيين على جانبي الحدود للتدريب وتبادل الخبرات العسكرية والتخفي والهرب.
ثانياً: السماح بوجود وانتشار الكثير من الجماعات الإرهابية التي انتعشت بعد ثورة كانون الثاني (يناير) وضعف سيطرة الدولة، ثم سماح محمد مرسي و «الإخوان» لهذه الجماعات بالعمل بحرية في سيناء، وتلقي أشكال الدعم كافة من الخارج سواء من منظمات إرهابية أو دول إقليمية، وهنا لعبت الأنفاق وشبكات التهريب دوراً كبيراً في نقل هذا الدعم، خصوصاً الأسلحة الواردة من ليبيا والعناصر الإرهابية التي وفدت من الخارج واستقرت في سيناء، حاملة معها خبرات قتالية نقلتها من سورية والعراق وغزة، ما أحدث تطوراً نوعياً في أداء الجماعات الإرهابية في سيناء ضد الشرطة والجيش.
ثالثاً: ضياع فرصة مصر لتأمين حدودها الشرقية بخلق مجتمعات سكانية منتجة تستفيد من الموارد الطبيعية والإمكانات الاقتصادية لسيناء، وهنا أشير فقط الى ارتفاع فاتورة تفعيل المشروع القومي لتعمير وتنمية سيناء إلى 300 بليون جنيه، أي أربعة أمثال كلفته عام 1994، وثمة اتفاق واسع على ضرورة تبني هذا المشروع في المرحلة الحالية بحيث يصبح مشروعاً قومياً رئيساً لمصر تتبناه الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ويستهدف توفير 21.5 مليون فرصة عمل.
نمو جماعات الإرهاب في سيناء، وتراجع نفوذ مشايخ القبائل يضاعف من صعوبات القضاء عليها في شهور عدة، لأن سيناء وفق نصوص اتفاقية السلام شبه منزوعة السلاح في المنطقة المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، كما أن الجيش المصري لم يتدرب على حرب العصابات، فهو يواجه عدواً خفياً ليست له مناطق تمركز أو وجود محدد، وإنما يناور بالتنقل بين سكان سيناء، وبين مصر وقطاع غزة عبر الأنفاق. لذلك، فإن الرئيس السيسي اضطر الى عمل منطقة عازلة على امتداد الحدود مع غزة لضمان الانتهاء من المشاكل الأمنية للأنفاق، والتركيز في مواجهة الإرهابيين، وهناك ثقة كاملة في قدرة الجيش على حسم المعركة ضد الإرهاب وفي الوقت نفسه عدم الإضرار بمصالح أهالي سيناء، والحفاظ على علاقة طيبة معهم، علاوة على استمرار الدعم المصري للشعب الفلسطيني في غزة عبر فتح المعابر أمام حركة التجارة وانتقال الأفراد.
لكن معركة مصر ضد الإرهاب في سيناء ليست سهلة أو سريعة، لأن أخطاء وتجاوزات بعض الأجهزة الأمنية تفسد العلاقات الطيبة مع أهالي سيناء وتوفر دعماً غير مباشر للجماعات الإرهابية، لذلك لا بد من التحقيق بشفافية وحسم تجاه أي أخطاء أو تجاوزات غير مقصودة، ولا بد أيضاً من التسليم بأن الحل الأمني أو العسكري غير كاف، وبالتالي لا غنى عن البدء الفوري في تنفيذ حلول تنموية وسياسية لا تقتصر على سيناء وإنما تمتد الى كل ربوع مصر بحيث تشمل إجراء مصالحة سياسية سريعة مع شباب الثورة وكل مكونات تحالف 30 يونيو الذي أطاح حكم «الإخوان».
ان الانتصار على الإرهاب في سيناء يتطلب تطويراً في الأداء الأمني، وحلولاً تنموية واجتماعية سريعة تحد من الفقر والبطالة والجهل بالدين بهدف القضاء على البيئة الحاضنة للإرهاب في سيناء، وإقامة علاقة شراكة بين أهالي سيناء باعتبارهم مواطنين ضد اخطار الإرهاب التي تواجه مصر، لذلك من الضروري حل إشكاليات تملك الأراضي والمشاريع في سيناء ومنح أهالي سيناء أولوية في العمل في المشاريع الجديدة، وبالتوازي مع ذلك، لا بد من تمتين الجبهة الداخلية واستعادة علاقة الثقة والعمل المشترك بين مكونات تحالف 30 يونيو ضد «الإخوان» والإرهاب ومن أجل استكمال استحقاقات خريطة الطريق بإجراء الانتخابات البرلمانية، والعمل بجدية نحو استكمال عملية التحول الديموقراطي والتي يجب ألا تكون رهناً بإرادة الإرهابيين، ذلك أن انتهاك الحريات العامة أو حرية الإعلام تحت دعوى محاربة الإرهاب تحمل رسالة صريحة بأن الإرهاب حقق أهدافه، لأن درس التاريخ يؤكد أن جماعات التطرف والإرهاب باسم الدين لا تعيش في مناخ ديموقراطي، كما أن التاريخ يعلمنا أن أي حكومة تستخدم فزاعة الإرهاب والتطرف للعصف بالحريات أو تجميد خطوات التحول الديموقراطي لن تنجح أيضاً في مواجهة الإرهاب.