إكس خبر- تعيش قرى حاصبيا وراشيا قلقاً بعد سيطرة إرهابيي «جبهة النصرة» على مساحة واسعة من القنيطرة. القلق عزّزته «غزوة عرسال» والغضب العام من النزوح السوري، فبات السلاح سيد الكلام. أما النائب وليد جنبلاط، فجاء متأخراً إلى وادي التيم، وبين صبحٍ وظهر، قال أشياء ونقيضها!
لا شكّ، تقع زيارة النائب وليد جنبلاط، في عطلة نهاية الأسبوع الماضي الى حاصبيا وراشيا بعد غياب خمس سنوات، ضمن سياق حركته الأخيرة وزياراته للقرى الدرزية، منذ ما بعد زيارته للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. لكن لوادي التيم نكهة أخرى.
فحالة القلق هنا لا تقارن بتلك «الفورة» التي تقضّ هدوء قرى عاليه والشوف والمتن الأعلى، وتترجم على شكل نقمة على النازحين والعمال السوريين. أصوات القذائف التي يتردّد صداها في شويا وشبعا وعيحا وعين عطا، تحمل معها هاجس المصير على قرى حضر وعرنة وقلعة جندل الدرزية، على المقلب السوري من الجبل. ولربما سمع جنبلاط بأذنيه الأصوات العميقة لقذائف المعارك بين الجيش السوري ومسلحي «جبهة النصرة»، في صفاء ليلي الجمعة والسبت الماضيين، مباشرةً من نافذة منزل النائب وائل أبو فاعور في بلدة الخلوات. حاصبيا وراشيا سبقتا قرى الشوف وعاليه في استشعار خطر الأزمة السورية والإرهاب التكفيري، تماماً كما كانت شبعا سباقة في احتضان النازحين من قرية بيت جن السورية. بعيداً عن ارتباط وادي التيم التاريخي بالجليل والجولان أكثر من جبل لبنان، يُحسب لتفوّق خصوم جنبلاط النسبي في وادي التيم، (لا سيما الحزب الديموقراطي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي)، تجنيب جبل الشيخ الجنوح العام في الخيارات الجنبلاطية السابقة من الحرب السورية.
«وليد بيك ضد الأمن الذاتي»، على ما أكد هو في خطاباته السابقة، وما يردّده المسؤولون الاشتراكيون من بعده في كل القرى الدرزية. لكن في معزلٍ عن رغبات الأمن الذاتي التي استدعتها «غزوة عرسال»، التسلح في وادي التيم يتفوق على أي حديث آخر. البيت الذي لا يستطيع شراء بندقية « كلاشنيكوف»، التي ارتفع سعرها أخيراً، يلجأ إلى بارودة «البومبأكشن» وكمية غير قليلة من الخرطوش. أمّا الحديث عن سيطرة «جبهة النصرة» على مساحة كبيرة من القنيطرة، فيعني بالنسبة إلى الأهالي و(ليس للفعاليات والمشايخ فحسب) أن الخطر يحدق ببلدة حضر والقرى المحيطة، و«سيصل الذباحون قريباً إلى هذا المقلب من جبل الشيخ، ولا بد من مواجهتهم».
ما يبدو لافتاً أيضاً أن فئة الشباب من المشايخ الدروز هي الأكثر حماسة لحمل السلاح من أي فئة أخرى في القرى، حتى إن بعض المشايخ يستعجلون المواجهة، فيحملون أسلحتهم من الشوف إلى راشيا للمشاركة في أعمال الحراسة. وفي المقبل من الأيام، لا يبدو أن الهيكلية «الهشة» التي ترعاها البلديات للحراسات الليلية، والتي لا تحبّذها القوى الأمنية، لا سيما الجيش واستخباراته، ستبقى توازي تطلّعات الأهالي مع احتمالات اقتراب الخطر، بدءاً من عين جرفا في حاصبيا، وليس انتهاءً بكفرقوق في راشيا. يوم أول من أمس، لم يهضم أهالي عين عطا وصف جنبلاط لهم بـ«الجَهَلة»، على خلفية إطلاق النار على عشرة مقاتلين من المعارضة السورية تسللوا إلى البلدة عبر وادي جنعم لرؤية عائلاتهم في لبنان، ثمّ العودة إلى قتال الجيش السوري في القنيطرة.
البيت الذي لا يستطيع
شراء «كلاشنيكوف» يلجأ إلى «البومبأكشن»
يقول الاشتراكيون إن «همّ رئيس الحزب هو الخطر التكفيري والالتفاف حول الجيش، وضرورة الوحدة داخل الطائفة الدرزية». وهذا أثبته جنبلاط بقوة في زيارته الأخيرة، حين ردّ على الشيخ سليمان شجاع مؤكّداً أن «حاصبيا تربطها علاقة وثيقة بدار خلدة»، والسلامات الحارة التي حمّلها إلى النائب طلال أرسلان عبر مسؤول حزبه في حاصبيا الدكتور وسام شرّوف، ثم ذكره الحزب القومي في خطاباته، وأخيراً زيارته منزل النائب السابق فيصل الداوود في راشيا، فيما تصبّ «التهدئة» التي رست بين أبو فاعور واستخبارات الجيش بفضل تدخل الرئيس نبيه برّي، والإيعاز للبلديات القريبة من الاشتراكي للتعاون الكامل مع الاستخبارات، بعد إيعازات سابقة بالمقاطعة، في قرار الالتفاف حول الجيش.
أمرٌ آخر يردّده الاشتراكيون، أن « جنبلاط يدعوهم إلى الحذر من الفتنة بين القرى الدرزية والسنية». ومع أن ما تسرّب من الاجتماعات التي عقدها جنبلاط مع الاشتراكيين خلال اليومين الماضيين ليس بالكثير، إلّا أن من راقب كلام المسؤولين الاشتراكيين بعد اللقاءات مع جنبلاط من فريق 8 آذار، يؤكّد الخشية الجنبلاطية من تطوّر الأمور، في ظلّ ارتخاء قبضة تيار المستقبل عن مناصريه، وعجز الاشتراكي النسبي عن مواكبة الشارع الدرزي المتوتر.غير أن مواجهة جنبلاط لحركة السلاح لا تعني أن الاشتراكيين بعيدون عن التسلّح هم بدورهم، إذ يثير توزيع كمية كبيرة من رخص السلاح على مناصري الاشتراكي ومقرّبين من أبو فاعور استغراب الأجهزة الأمنية، في الوقت الذي أوحت فيه إجراءات وزير الدفاع سمير مقبل، بعد تشكيل الحكومة، بضبط مسألة رخص السلاح وكمياتها.
وبعد. لا يخفي فريق 8 آذار في وادي التيم أن «عدداً لا بأس به من الجنبلاطيين، ومن بينهم مشايخ، يفتح خطوط اتصال وثيقة معنا، بسبب صوابية مواقفنا منذ بداية الأزمة السورية، وفي بالهم الحصول على أسلحة فردية نتيجة الخوف». وما يعير انتباه هؤلاء، أن «جنبلاط يحاول مواكبة الشارع في الرغبة بالتسلح بهدوء، لكن في القرى التي للاشتراكيين الغلبة فيها».
بالعودة إلى الزيارة، تقدّر 8 آذار «الدور الذي يلعبه جنبلاط أخيراً، لا سيما لناحية التحذير من الخطر التكفيري». لكن كلام جنبلاط أول من أمس عن «عودة الدروز إلى الإسلام وتأدية الفرائض» أثار استياء عددٍ لا بأس به من المشايخ، من «الأرسلانيين» طبعاً! «من قال له إن الدروز ليسوا مسلمين؟»، يسأل أحد المشايخ الفاعلين في خلوات البياضة.
هو تخبّط جنبلاطي كبير إذاً، يساوي حجم المخاطر المحتملة في المستقبل، بين التسلح ورفضه، بين المقايضة ورفضها، بين زيارة نصرالله وإشارة جنبلاط إلى قول الملك السعودي إن «بني معروف هم عشيرتي». وفي الوقت الضائع، ينتظر وادي التيم، ليعرف ماذا يعني حقاً أن «الحدود سقطت بين لبنان وسوريا».
مع المقايضة وضدها!
استغرب كثيرون ممن واكبوا زيارة النائب وليد جنبلاط لودي التيم نهاية الاسبوع الماضي التناقض في كلامه الجنبلاطي في راشيا عن أنه «لا مقايضة في موضوع العسكريين المختطفين»، صباح الأحد، والحديث عن المقايضة خلال اللقاء في دار الإفتاء في مجدل عنجر بعد الظهر. إذ يبلغ عدد الجنود المختطفين من منطقة راشيا أربعة، بينهم اثنان هما ناهي أبو قلفوني من ضهر الأحمر ورواد أبو درهمين من كفرقوق. التباين في الموقف يذكّر بالزيارة التي قام بها أهالي العسكريين الدروز المختطفين إلى عرسال قبل عشرة أيام، ولقائهم مصطفى الحجيري (أبو طاقية). والزيارة، بحسب مصادر الأهالي ومعطيات جهاز أمني، لم تكن لولا «قبة باط» من الوزير وائل أبو فاعور وتنسيق جهاز أمني آخر، وفي الوقت ذاته، كان جنبلاط يؤكّد رفضه للمقايضة.