اكس خبر- انتهى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في 30 آب (أغسطس) الماضي إلى وقف الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، وأن تصعيده لم يعد مجدياً. لماذا بعد أكثر من خمسة أشهر من الخلافات والاجتماعات التي قيل إن بعضها كان عاصفاً، استقر الرأي على أن هذا هو السبيل الوحيد لتجاوز الأزمة؟ لم يكن هو السبيل الوحيد؛ لأن الخلاف كان شكلياً. ولا لأن قطر لا تغرد أحياناً خارج السرب الخليجي، على الأقل من وجهة نظر الدول الثلاث. ليس من السهل تقديم إجابة تعكس بدقة المبررات والمعطيات التي استندت إليها الدول الخليجية في اجتماعها الأخير. فكل ما يتعلق بمنشأ الخلاف وطبيعته وتفاصيله ومتطلبات حله، وكذلك المفاوضات التي دارت بشأنه، ظل حبيس أسوار الاجتماعات واللقاءات الرسمية. لا يعرف أحد من غير المسؤولين مباشرة عن موضوع الخلاف شيئاً عن «وثيقة الرياض» التي تم التوافق على جميع بنودها كآلية لحل الخلاف. ولا أحد يعرف غير المسؤولين شيئاً عما ما هو مطلوب من قطر، ولا عن المطالب المقابلة لهذه الدولة، ولا عن مواقف الدول الأخرى، ولاسيما الكويت وعمان اللتين لم تسحبا سفيريهما.
كانت هناك تسريبات تقول بعض الصحف الخليجية إنها حصلت عليها من مصادر رسمية ترفض ذكر اسمها. ولأنها ظاهرة جديدة، فإن كل هذه التسريبات تقريباً دائماً ما تعكس وجهة نظر الدولة التي تنتمي إليها الصحيفة والتي حصلت على هذه التسريبات. وعلى خلفية هذا الغياب الباذخ للمعلومة الرسمية اشتعلت حماسة التوقعات والتخمينات، الصحيح منها والموهوم والمبالغ فيه أحياناً. وقد وصل سقف بعض التوقعات إلى أن قطر وُضعت بين خيارين لا ثالث لهما: التنفيذ الحرفي لما جاء في وثيقة الرياض، أو إغلاق الحدود البرية والجوية معها، بل وتجميد عضويتها في مجلس التعاون، وربما إنهاء هذه العضوية. وسط هذه الأجواء استمرت الاجتماعات والزيارات المتبادلة، ومعها تصاعدت الحرب الكلامية في الإعلام على الجانبين. كان مشهداً غريباً لأناس ينتمون إلى تكتل سياسي وأمني واحد في منطقة مضطربة، وتربط بين دوله مشتركات اجتماعية وثقافية تمتد لتاريخ طويل، ومع ذلك تبادلوا أحياناً أسوأ التمنيات تجاه بعضهم الآخر.
ثم جاء اجتماع السبت 30 أغسطس الماضي الذي وصفته بعض الصحف بأنه كان مفصلياً. وقد كان كذلك، لكن ليس، لأنه صفى الأزمة بكل ذيولها، ولا لأنه حسم أمر تطبيق العقوبات المتوقعة على قطر. كان مفصلياً لأنه جمّد الأزمة ووضع حداً لتداعياتها، وتبنّى ضرورة الاتفاق على تجاوزها في الوقت الراهن، حفاظاً على وحدة المجلس. لماذا لم ينتبه أحد إلى ضرورة هذا الخيار قبل آذار (مارس) الماضي؟ لا نعرف، لأننا لا نعرف كيف انفجرت الأزمة ابتداءً، ولا كيف تمت إدارتها بعد ذلك؟ ولا كيف استقر الرأي أخيراً على تجميدها؟ النشاط الديبلوماسي السعودي في الأسابيع الأخيرة يشير إلى أن الرياض هي التي دفعت بجهود التسوية إلى ما انتهت إليه. وقد بدأت هذه الجهود بجولة ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز إلى الكويت والبحرين والإمارات أواخر تموز (يوليو) الماضي. مع بداية أغسطس زار وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله الدوحة، ثم توّج هذا النشاط في الأسبوع الأخير من الشهر نفسه بجولة وفد رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية، سعود الفيصل، إلى كل من الدوحة وأبو ظبي والمنامة. وهي الجولة التي سبقت اجتماع السبت في جدة بيومين لا أكثر.
وكان وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي توقع في حديث إلى صحيفة «الحياة» في نيسان (إبريل) الماضي انتهاء الأزمة وعودة السفراء الثلاثة إلى الدوحة. لكن التحركات السياسية السعودية أخيراً وما انتهت إليه تشير بأن الرياض هي من تولت الدفع في هذا الاتجاه. والسبب الأهم وراء ذلك -كما يبدو- أن الدول الخليجية رأت أن الظروف الإقليمية لا تسمح باستفحال الشرخ في ما بينها. ففي سورية تقترب الحرب الأهلية التي فجّرها النظام بدعم إيراني من نهاية سنتها الرابعة. وفي اليمن تدفع جماعة الحوثي الأوضاع هناك، وبدعم إيراني أيضاً، نحو حرب أهلية نجح اليمنيون في تفاديها حتى الآن. ثم هناك التدهور المستمر للأوضاع في العراق، وهو ما سمح لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بمد سيطرته على مساحات واسعة داخل العراق وسورية وإعلان دولته هناك. في مثل هذه البيئة السياسية المضطربة انتشرت ظاهرة الميليشيات العابرة للدول، وازداد حجم وخطر الإرهاب عما كان عليه من قبل. وهذا تطور لا بد من وضع حد له. فاستمراره يعني استمرار نجاحات «داعش» وأمثالها، وتحولهم إلى نقطة جذب لعناصر متعاطفة معه من كل دول المنطقة. حتى الولايات المتحدة وأوروبا باتتا تعتبران أن «داعش» يمثل خطراً يهدد أمنهما الوطني. وقد أرغمت هذه التطورات الرئيس الأميركي أوباما، وهو الذي كان ينأى بإدارته عن الانخراط عسكرياً في المنطقة، على إعادة النظر في سياسة إدارته، إذ بدأ بتوجيه ضربات جوية لمواقع التنظيم في العراق. ورد التنظيم بنحر صحافيين أميركيين بطريقة بربرية. وهذا السيناريو مرشح للتصاعد، وهو ما فرض فكرة تحالف إقليمي لمواجهة الموقف. ويفترض أن يضم هذا التحالف السعودية ومصر وقطر وتركيا وإيران. وهذا -بحد ذاته- يشكل تحدياً للجميع؛ نظراً للخلافات العميقة بين هذه الدول التي تجتمع على محاربة «داعش»، وتختلف على كل شيء آخر.
تصعيد الخلاف الخليجي في ظل هذه الظروف سيجعل من مجلس التعاون جزءاً من المشكلة بعد أن كان الكتلة العربية الوحيدة التي احتفظت بتماسكها على رغم الاضطرابات المحيطة بها من كل جانب. سترفض عُمان خيار التصعيد؛ لأنها لا تختلف في سياساتها كثيراً عن قطر، إلا أنها لا تتحدث عن ذلك، ولا تنتقد الآخرين، ولا تملك قناة مثل الجزيرة تروِّج لسياساتها، وتضع سياسات الآخرين تحت المجهر. والكويت سيكون موقفها متأرجحاً. أما قطر -وهي ترتبط بتحالف مع تركيا- فقد تجد من المناسب لها في هذه الحال استبدال عزلتها الخليجية بالدخول طرفاً ثالثاً في التعاون التركي-الإيراني. بعبارة أخرى التصعيد سيضعف الموقف الخليجي في التحالف المرتقب، ولاسيما أمام القوى الإقليمية. ومن ثم كان لا بد من وضع حد للخلاف الخليجي؛ تفادياً لما سيترتب عليه من أثمان سياسية وأمنية على دول المجلس نفسها، وعلى دول أخرى يهم المجلس استقرارها، ولاسيما الأردن ومصر.