إكس خبر- كما كان متوقعاً، بدأت المعارك بين إرهاب “داعش” (“الدولة الاسلامية في العراق والشام”) والجيش النظامي السوري في عدد كبير من المناطق السورية، وهو ما كان متوقعًا أصلاً باعتبار أنّ المطلعين على ما يجري وعلى فكر “داعش” وارتباطاتها الخارجية كانوا يؤكدون أنّ المعركة بين الجانبين ستحصل لا محالة.
وبعيداً عن المواقف السياسية والاتهامات التي يسوقها البعض للسلطات السورية بأنها المؤسس أو المحرك لهذه المنظّمة الارهابيّة، وهي اتهامات خفُت صوتها كثيرًا في الآونة الأخيرة، فقد أثبتت مجريات الأحداث الأخيرة أنّ “داعش” لا تتحرك عشوائيا واعتباطيا، إذ إنّ لهذا التنظيم أجندات واضحة ترسمها مصالح خارجية وشخصية وتحكمها شريعة ترتكز على القتل والدماء وإرهاب الناس ومزاجية القادة الميدانيين بعيدا كل البعد عن سماحة الاسلام والمحبّة.
بين “داعش” و”النصرة”.. انشقاقات وخطط
انطلقت “داعش” تحت تسمية “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في شهر نيسان من العام الماضي إثر انشقاقها عن “جبهة النصرة”، أو وفقاً لزعيمها ابو بكر البغدادي فإنه لم ير من داعٍ لوجود جبهة النصرة، وهنا اختلف مع زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري الذي أيّد “النصرة” واعتبر محمد الجولاني ممثل “القاعدة” في سوريا، لكن الاختلاف لم يصل إلى حدود الاقتتال الّذي لا عودة عنه، بل سرعان ما كان يتوقف أيّ اشتباك بين الجانبين عند اختلافهما في احدى المناطق ليُصار في ما بعد إلى “اقتسام الجبنة” بينهما، وبالنتيجة تمركزت “داعش” في المناطق الشرقية والشمالية في سوريا (الرقة، دير الزور، ريف حلب الشمالي الشرقي) فيما تواجدت “النصرة” في ريف حلب الشمالي والغربي، ادلب، القلمون، الغوطة وريف دمشق، وكان واضحاً أنّ “داعش” تعمل على تركيز قوتها لتأسيس دولتها و”النصرة” تنتشر لوقف تقدم الجيش النظامي.
ويبدو أنّ الإطار المدروس لتحرّكات “داعش” إقليميا يتحرك بطريقة منظّمة منذ بدايات تأسيسها، وصولا الى انتشارها في الموصل ووفق استراتيجية اتّبعتها عبر قضم المناطق التي يسيطر عليها “الجيش السوري الحر” والفصائل الصغيرة والمجموعات الضعيفة، وكانت تبتعد عن الاحتكاك بالقوات النظامية باستثناء الرقة التي احتلتها بكاملها ما عدا ثلاث نقاط عسكرية كانت غير قادرة على ضربها (الفرقة 17، اللواء 93 ومطار الطبقة العسكري)، فاكتفت بحصارها وكفّ يد “الجيش الحر” عن المنطقة، وهو ما اعتبرته المعارضة السوريّة تنسيقاً بين “داعش” والنظام، وأن هذا التنظيم هو صنيعة الحكم في سوريا، لتتناسى بذلك مسار التظيم الارهابي الّذي يصب في مسار التقسيم وتهجير السكان الأصليين للبلاد بعد ان ثبّت النظام السوري وجوده…
تداعيات هجوم الموصل
لكنّ المعادلة اختلفت تمامًا بعد سيطرة “داعش” على الموصل، إذ كان واضحًا، بعد إعلان دولة الخلافة، أن المعركة آتية لا محالة، ووفقاً للمسؤولين السوريين والقادة العسكريين فإن تصاعد قوة “داعش” سمح لها ببدء المعركة مع الجيش السوري. وكان واضحاً أنّ حجم الرد، بعد انتخاب نوري المالكي في العراق بأكثرية مريحة وانتخاب الرئيس السوري بشار الأسد بشعبية ساحقة، سيكون كبيراً على الارض، وهذا ما حصل باجتياح “داعش” في الموصل وشمال العراق وعلى الحدود مع سوريا، وبدأت الأسلحة المتطورة بالتدفّق الى التنظيم الارهابي لتوسيع رقعة دولته.
هكذا، بدأ بتوسيع عملياته في الرقة ودير الزور ووجّه أنظاره الى حقول النفط في المناطق الشرقية. ودقّت ساعة الصفر لحظة إعلان الرئيس السوري خطاب القسم وسخريته من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. فعشية خطاب القسم في 15 تموز، هاجمت “داعش” حقل الشاعر في ريف حمص الشرقي واحتلته ونقلت معدّاتها إلى الرقة للسيطرة على النقاط الثلاث المتبقية لها في المنطقة وهاجمت الفرقة 17 واحتلتها بعد عام ونصف من الحصار البري وحاولت الوصول الى الذخائر والأسلحة المكدّسة بآلاف الأطنان فدمرها الجيش السوري واتجهت شمالاً الى عين عيسى حيث سيطرت يوم الخميس الفائت على اللواء 93 وانسحب عناصر الجيش الى مطار الطبقة والحسكة.
في مقابل الفورة الداعشية، هاجم الجيش السوري والقوات المسلحة منطقة الشاعر وتلالها واستعاد السيطرة على حقول النفط والمعمل والحقول سريعاً، وأوقف هجوماً كان عناصر “داعش” قد شنوه على مطار الكويريس في شرق حلب كما صدّ هجومًا باتجاه مدينة وريف الحسكة الجنوبي وحالياً يدعم الانتفاضة الشعبية للعشائر في دير الزور.
انتفاضة العشائر وانقلاب المزاج الشعبي
كلّ ذلك مهّد على ما يبدو لما اصطلح على تسمية بـ”انتفاضة العشائر”، حيث تؤكد المصادر والمعلومات الخاصة بـ”النشرة” أنّ انتفاضة عشائر دير الزور وأبرزها عشيرتي الشعيطات والشويط المتفرعتين من قبيلة العقيدات أتت بعد الارتكابات اللاأخلاقية التي قامت بها “داعش” في المنطقة ومحاولات عناصرها خطف النساء والطلب من الاهالي تسجيل أسماء بناتهنّ للزواج من عناصر “داعش”، وتعزو أيضًا الأسباب إلى محاولة “داعش” السيطرة على حقول النفط.
وتؤكد المصادر المتابعة أنّ المزاج العام انقلب ضدّ “داعش” وأفعالها وارتكاباتها بحق ابناء المنطقة، لافتة إلى أنّ عددًا من العشائر كسروا حاجز الخوف من “داعش” وبدأوا بقتالها.
الثورة على “داعش“
أكثر من ذلك، تشير المعلومات إلى أنّ “داعش” تحشد قواتها حول ثلاثة قرى للشعيطات في محاولة منها بحسب قولها لتأديبهم، وقد طلبت من العشيرة تسليم أبنائها الذين قتلوا عناصر “داعش”، لكنّ الشعيطات ترفض الامر في وقت يقصف الطيران الحربي السوري تجمعات وارتال “داعش”، في حين طلب مشايخ الشعيطات من أبنائهم المنضمّين لـ”داعش” العودة الى اهلهم، وقالوا في بيان أنّ القرى الثلاث للعشيرة فيها عشرات المساجد التي يذكر الله فيها واتهموا “داعش” بقتل الابرياء وتقطيع الجثث وهو ما لا يقبله دين الله، وسألوا كيف يتهمون المسلمين بالارتداد عن دينهم؟
إلى ذلك، خطفت “داعش” عددًا من الشباب وأعدمتهم، متذرّعة بأنهم ممّن قتلوا عناصرها، لكنّ ردة الفعل أتت عكسية، إذ ثارت عليها أيضًا عشيرة الشويط وقتلت عددًا كبيرًا من عناصر “داعش” وأسرت منهم عشرة أحدهم أوروبي الجنسية، في وقتٍ تعمل العشيرتان على التنسيق مع السلطات السورية حيث يقوم الجيش بدعمهما كما يعمل المسؤولون السوريون على حث باقي العشائر للانضمام الى الشعيطات والشويط.
المعركة الكبرى…
هي المعركة الكبرى في دير الزور إذًا وقد بدأت لتضع “داعش” أمام مفترق في دير الزور، فإما أن يُكسَر حاجز الخوف عند العشائر وتنتفض في كامل الدير اذا اثبتت الشعيطات والشويط قوتهما وإما ستقمع “داعش” أي محاولة للانتفاضة عليها لزمن طويل.
وسط ذلك، بدأت معارك “داعش” والجيش السوري، لكنّ خطوط التماس لا زالت غير واضحة بالكامل، في وقت تعمل “داعش” مؤقتاً على تثبيت حدودها من منبج شمالا الى منطقة الباب في شرق حلب الى الرقة دير الزور وتحاول الوصول الى الحسكة وريفي حماه وحمص الشرقي، وسط إصرار الجيش السوري على ضرب المشروع الاقليمي والدولي، كما يقول.