إكس خبر- قال السيّد المسيح «سوف تضطهدون من أجل اسمي لكن من يثبت الى المنتهى يخلص نعم ان تاريخ المسيحيين مر بمراحل كثيرة من الاضطهاد اولها على يد اليهود وبعدها الرومان والفرس وبعض الخلفاء المسلمين، الا ان هذه المراحل يبدو ان لا نهاية لها، على الرغم من ان العالم تقدم في نظرته الى حقوق الانسان والدفاع عنها وعن حرية العبادة والمعتقد، ويبدو ان هناك من يريد اعادة المجتمعات العربية الى ما قبل القرون الوسطى حيث كانت شريعة الغاب هي السائدة.
لقد كان الهدف الاول للجماعات والتنظيمات المتطرفة كـ «القاعدة» ضرب المصالح الاميركية والاسرائيلية والاوروبية وهذا ما تضمنته فتاوى لاسامة بن لادن ومنها التي اصدرها في 23 شباط 1998، بمشاركة أيمن الظواهري زعيم الجهاد الإسلامي المصري، وثلاثة آخرين من زعماء بعض الجماعات الاسلامية، في توقيع وإصدار فتوى تحت اسم الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين أعلنوا فيها (إن حكم قتل الأميركيين مع حلفائهم مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم في كل بلد متى تيسر له ذلك، حتى يتحرر المسجد الأقصى والمسجد الحرام من قبضتهم. وحتى تخرج جيوشهم من كل أرض الإسلام، مسلولة الحد كسيرة الجناح. عاجزة عن تهديد أي مسلم.
ولكن يبدو ان الفكر القاعدي خرجت من رحمه جماعات وتنظيمات فاقت بتطرفها التنظيم الام، وذلك بسبب تفلتها من كل ما يمت للانسانية بصلة حتى تجاه اهل دينهم الذين اصبحوا يعتبرون روافض.
البارحة افرغت الموصل من مسيحييها من قبل عناصر «دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام» المسماة «داعش»، التي لم ترحم الاطفال والعجز والنسوة والمرضى وهي استولت عى كل املاكهم بعد ان كان التنظيم الذي يسيطر على الموصل منذ حزيران قد وجه انذارا يمهل المسيحيين الذين يشكلون أقلية بضع ساعات لمغادرة مدينتهم وإلا سيكون مصيرهم التصفية.
وسبق لهذا التنظيم أن خير المسيحيين بين اعتناق «الإسلام» أو «عهد الذمة» أي دفع الجزية، مهددا بأنهم «إن أبوا ذلك فليس لهم إلا السيف»».
وصادر تنظيم داعش عقارات أبناء الديانة المسيحية في الموصل وجعلها عقارات تابعة لدولته الإسلامية. ووضع عناصر داعش على جدران وأبواب منازل المسيحيين في المدينة حرف «ن».
ان هذا الامر دفع بمسيحيي الموصل الى الهرب الى مناطق اربيل وغيرها من المناطق العراقية التي لا يسيطر عليها هذا التنظيم ومنهم من فضل مغادرة العراق نهائيا وقد كان للبنان نصيب بعد ان حضن اكثر من مليون سوري هربوا من بلادهم التي تحولت معظم مدنها الى ركام.
اكثر من 30 عائلة كلدانية وصلت الى لبنان خلال الشهر الماضي بعضها حل ضيفاً لدى اقربائه والبعض الآخر الذي تيسر لديه المال استأجر على امل عودته الى موطنه.
}الاب يوسف}
«الديار» اتصلت بكاهن الكنيسة الكلدانية في الحازمية الاب دنحا يوسف الذي اكد ان وجود الكلدان هو من القرون الاولى حيث كانوا ضمن «كنيسة المشرق» المسيحية التي انتشرت في كل العراق اي اليوم جنوب البصرة وبغداد وغيرها من المدن وان كنيسة كوخي هي موجودة جنوب بابل وهي مجموعة من الاكواخ وقد سكنها البطريريك الاول مار شمعون برصباعي الذي استشهد على يد شهبور الثاني خلال الحملة الاضطهادية على كل المسيحيين في القرن الثالث في بغداد والبصرة وكركوك والموصل والدلائل كثيرة منها الكنيسة الحمراء التي حملت هذا الاسم بعد قتل حوالى 12 الف مسيحي في كركوك بينهم مطارنة وكهنة حيث تحولت الى نهر من الدم ايام الفرس.
واضاف الاب يوسف ان انضمام الراهب يوحنا سولاقا الى الكنيسة الكاثوليكية الام عام 1552 اعطى اسم الكنيسة الكلدانية الى المجموعة التي تبعت هذا الراهب.
وشدد الاب يوسف الى ان عدد الكلدان قبل اسقاط نظام صدام حسين كان يفوق المليون و500 الف لكن معظمهم هاجر بعد نهاية هذا الحكم وهم اليوم لا يتعدى عددهم الـ 350 الف نسمة، وهم منتشرون في ابرشية اربيل وزاكو والسليمانية وكركوك وبغداد والبصرة.
وتابع الاب يوسف ان للكلدان حضوراً سياسياً وكان متمثلا في السباق بالوزير طارق عزيز واليوم ايضا لديهم ممثلون في الدولة الكردية كما مع حكومة نور المالكي حيث اعطوا 5 نواب.
اما عن عدد الذين هجروا من الموصل اكد الاب يوسف ان الموصل افرغت من مسيحييها وقد نزح حوالي 1100 عائلة ومن بقي لا يستيطع الهروب والسبب يعود الى وجود مرضى لديهم في المستشفيات وعدد من المسنين الذين لا يستطيعون الهروب سيرا على الاقدام.
واعتبر الاب يوسف ان بعض المسلمين ساعدوا ابناء رعيتنا عن طريق تأمين سيارات لهم وقد وصل الى لبنان حوالى 30 عائلة سكن معظمها منطقة الدكوانة والسبتية وسد البوشرية عن طريق مطار اربيل.
وختم الاب يوسف ان حوالى 80 % من عناصر «داعش» هم من المرتزقة والباقون هم عراقيون خرجوا من السجون وان عدداً من المسلمين العراقيين لم يسمحوا بهذه الاعمال لذا فانهم شكلوا لجاناً لمحاربة عناصر «داعش».
وقد تمكنت «الديار» من الاتصال باحد الكلدانيين الهاربين من جحيم الموت الذي بنته «داعش» والذي رفض الافصاح عن اسمه خوفاً من انتقام دولة الخلافة ممن بقوا قصراً في العراق وهو اكد ان الحي الذي يسكن فيه يوجد فيه 10 عائلات نزح منها في السابق 5، ومن المؤكد ان الباقين هربوا بعد دخول «داعش» الى الحي.
وتابع العراقي الكلداني ان عناصر التنظيم دخلوا الى المحافظة في 9 من شهر حزيران بعد اشتباكات مع الجيش العراقي الذي هرب عناصره بعد ليلة واحدة من الاشتباكات تاركين اسلحتهم وعتادهم وسياراتهم.
واضاف العراقي لقد دب الذعر في قلوبنا فقررنا الهرب الى منطقة الحمدانية التي تبعد حوالى 30 كلم عن الموصل، ولكنه تلقى اتصالا من جيرانه يخبرونه ان الامور عادت الى طبيعتها وبامكانه العودة، فعاد وقصد عمله واذ باحد اصحاب المحلات يخبره ان «داعش» تستولي على المحلات والبيوت وهي تضع حرف (ن) على المنزل الذي يملكه المسيحيون وان منزله من بين هذه المنازل فقصد منزله وحاول جمع اغراضه وامتعة عائلته واذ بعناصر التنظيم يقرعون بيته ليلاً وهم ملثمون ويتحدثون باللهجة العراقية وطلبوا منه الرحيل والا سيقتل فخرج مع عائلته المؤلفة من بناته الثلاث ووالدته السبعينية وزوجته وهم في الطريق اعترضتهم دورية لـ «داعش» واخذت كل ما يملكون من مال وحلي حتى الاقراط الصغيرة في اذني ابنته وطلبوا منهم النزول من السيارة لكنه ترجاهم بحق الاطفال والمرأة المسنة لكن الامر لم ينفع فترجلوا وخرجوا من الموصل مشياً على الاقدام الى ان وصلوا الى مكان قد تم تجهيز سيارات فيه لنقلهم الى منطقة اربيل، وهو كان جهز جوازات سفر في السابق ووضعها في منزل شقيقته ومن هناك استقل طائرة الى لبنان، الذي وصله في 16 تموز وهو يطالب الدولة اللبنانية ان تؤمن لاطفاله الثلاثة الدراسة وهو طلبه الوحيد وقد تخلل الحديث مع هذا العراقي غصات ودموع ذرفها اثناء استعادته لما حصل معه.
اما السيدة العراقية الكلدانية الاخرى فهي رفضت التحدث لانها فقدت زوجها في العراق الذي قصد عمله ولم يعد منذ شهر فقد تحدثت الينا شقيقتها الموجودة في لبنان والتي استقبلتها هي واولادها بعد ان هربت من الموصل خوفاً من قتلها هي وعائلتها.
اضافة الى الكلدان يقطن العراق مسيحيون من الطائفة الاشورية التي هاجر قسم كبير منهم العراق بعد سقوط نظام صدام حسين واليوم هاجر اكثريتهم.
}الاب زومايا}
«الديار» قصدت مطرانية الاشوريين في منطقة سد البوشرية والتقى احد كهنة الطائفة ويدعى الاب سركون زومايا الذي يستقبل العائلات الاشورية السورية والعراقية لحل مشاكلها المعيشية وهو اكد لنا ان الكنيسة الاشورية تأسست بعد 30 سنة من صعود المسيح الى السماء على يد مار اداي ومار ماري وهما من تلاميذ الـ 72 ليسوع المسيح وهم دخلوا بلاد ما بين النهرين واعلنوا البشارة هناك، وان وجود الاشوريين في العراق هو منذ 7 الاف سنة قبل الميلاد، وان وجودهم في نينوى التي هي اليوم الموصل كبير جداً، كما لديهم وجود في اربيل والبصرة وشمال العراق ككركوك وهم اليوم تحت حكم الاكراد وعددهم في العراق يفوق الـ 4 ملايين قبل سقوط صدام حسين واليوم تضائل الى الـ 800 الف ووصل الى حوالى 350 الف مسيحي كلداني واشوري وسرياني في كل العراق.
واضاف الاب سركون انهم في المطرانية يستقبلون جميع العراقيين من كل الطوائف وان حوالى 10 عائلات اشورية وصلت الى لبنان عن طريق اربيل بمساعدة الكنيسة في اربيل والذي بقي هناك لا يستطيع الهجرة بسبب وضعه المادي وهنا دخل احد السوريين المنتمين الى الطائفة السريانية الذي اكد انهم كمسيحيين سوريين نالهم التهجير قبل مسيحيي العراق وهو من منطقة الرقة حيث اكد ان المنطقة تعرضت الى هجمات شرسة من عناصر «داعش» حيث هدمت جميع الكنائس اما التي بقيت فقد تحولت الى مساجد ومخازن للاسلحة وان من تبقى هناك اعلن اسلامه خوفاً من القتل وكذلك الامر بالنسبة لمنطقة الحسكة وقد تهجر من هذه المنطقتين حوالى 7000 اشوري وان موضوع تفريغ المنطقة العربية من مسيحييها بدأ من سوريا وان معظم الهاربين تعرضوا للمرض والموت على الطرقات وقد سرد لنا حادثة ابنة احد اصدقائه التي اصيبت بمرض السحايا وهي في طريقها الى لبنان حيث استغرقت رحلتها حوالى الاسبوع واليوم اصبحت ابنته مقعدة، وان الدول الغربية احست بخطورة الوضع بعد مشاركة المواطنين العرب المجنسين لديها في القتال الى جانب «داعش»، لذا فهي دعت مسيحيي العراق وتحديداً فرنسا الى الهجرة اليها.
وتابع السوري المسيحي انه يعمل في لبنان في ورش البناء وهو يختلط بالعديد من السوريين المسلمين الذي ينتمون فكرياً الى «داعش»، وهذا امر مؤسف ويثير الرعب من انتشار هذه الظاهرة في لبنان وان معاملتهم كمسيحيين سوريين ليست كما يعامل باقي النازحين من اخواننا المسلمين . وهنا تدخل الاب سركون ليقول الى ان الهدف من تهجير المسيحيين في العراق وتحديداً الاشوريين هو افراغ القضية الاشورية من قوميتها الامر الذي سيؤدي الى انهاء الوجود المسيحي نهائياً من العراق.
} عراقي سرياني}
وهنا دخل احد العراقيين السريان الذين وصلوا الى لبنان منذ 24 يوماً، حيث اكد لنا ان هناك تواطؤاً مع «داعش» كيف لهذا التنظيم ان يسقط محافظة وهي ثاني اكبر المدن العراقية في 24 ساعة حيث هرب عناصر الجيش العراقي، وان عناصر «داعش» العراقيين هم من اهل الموصل وان كان هناك مرتزقة فهم لا يعرفون بيوت المسيحيين لولا لم يتلقوا مساعدة من اهل المدينة والدليل على ذلك ان معظم سكان المدينة من المسلمين هددوا المسيحيين بالخروج من منازلهم.
وتابع العراقي السرياني ان الفكر القاعدي منتشر في الموصل وهم يريدون ان نهاجر الى اميركا واوروبا، وان معظم المسيحيين في الموصل هربوا قبل بدء «داعش» بوضع حرف (ن) على منازلهم، وهو قد قرر الهرب بعدما احس ان الموصل ستصبح سوريا ثانية فهرب الى اربيل ومن هناك انتقل الى لبنان.
وعن سبب ايواء الاكراد لهم في منطقة اربيل اكد ان من مصلحة هؤلاء القوم اظهار انفسهم حامين للاقليات والحريات لكسب الرأي العام، وان بعض العائلات «الداعشية» حاولت الدخول الى هذا الاقليم بحجة النزوح الا ان الحكومة الكردستانية تنبهت الى هذا الامر واتخذت الاجراءات المناسبة.
وختم العراقي السرياني اننا نعيش كمواطنين درجة خامسة لا بل كعبيد على الرغم من ان ديانتنا تنادي بالتسامح والمحبة، لذا فهو يطلب في النهاية من المسيحيين ان يتحدوا في سبيل رد الهجمات التكفيرية التي تهدف الى القضاء على المسيحيين في الشرق.
وفي الختام لا بد من السؤال ما هو مصير المسيحيين في الشرق الذي هو مهد الديانة المسيحية وهل هناك مخطط ما لتهجيرهم الى اوروبا واميركا، لترك الساحة للجماعات التكفيرية والهمجية للعبث وتدمير واحراق المقدسات المسيحية التي لم تكن يوماً تنادي بالعنف بل بالتسامح والمحبة والاعتراف بالآخر، هذا السؤال ستجيب عليه الايام القادمة التي تبدو انها لا تحمل الا صور الخراب والدمار والدم.