إكس خبر- كان سلوك الأردن السياسي الشائع على مدار عقود حين تضطرب الأحوال في الإقليم، وعلى الأخص في دول الجوار، أنْ يتعاطى بمزيد من المرونة والتواصل مع الحركة الإسلامية الأردنية «الإخوان المسلمين»، على اعتبار أنها مكوّن سياسيّ يُعدّ واحداً من صمامات الأمان الوطني الأردني. اليوم ثمة سؤال مطروح: هل تغيّر هذا السلوك على رغم أنّ الاضطرابات التي يشهدها جوار الأردن في العراق وسورية في أعلى درجاتها، وعلى الأخص عقب صعود نفوذ تنظيم «داعش» الإرهابي وتنامي خطره؟.
مناسبة هذا الاستفهام تأتي بعد المقاطعة الحكومية الرسمية للمؤتمر العام الرابع لحزب «جبهة العمل الإسلامي» – الذراع السياسية لـ»إخوان» الأردن، ومنع الجهات الرسمية أيّ قاعة رسمية أو أهلية في المملكة من احتضان المؤتمر، ما دفع القائمين عليه إلى عقده قبل أيام في خيمة. هذا الحدث شكّل رسالة رسمية مقصودة «قوية اللهجة»، تقول إنّ المراهنة على «اعتدال» جماعة «الإخوان» في مواجهة المتطرفين والجهاديين وأصحاب فكر العنف المسلح، قد طرأ عليها «تعديل» ما. فالمقاربة التي درجت عليها السلطات الأردنية على مدار عقود إزاء مقولة «الاعتدال الإخواني» في الأردن أصابتها تغييرات وانزياحات وجرت تحتها مياه، في ظل ما سميّ بـ «الربيع العربي».
فالحزب الإخواني الأردني أخطأ حينما «استقوى» بصعود «الإخوان» في مصر إلى سدّة الحكم وترؤس محمد مرسي الجمهورية المصرية، فصدرتْ تصريحات من قبل قياديين إخوانيين كبار في المملكة بأنّ «التغيير» قادم إلى الأردن وأنّ قيام «الدولة الإسلامية» فيها بات قريباً.
لم تنسَ أو تغفر السلطات الأردنية لـ «الإخوان» ذلك، وهم لم يقوموا بأي مراجعة فكرية أو حركية وسياسية تدلّ على أنهم «تغيّروا» أو استفادوا من مشاكل «الإخوان» في مصر وليبيا ودول الخليج وغيرها. ظلّ «الإخوان» يكررون بأنّ بديلهم تنظيمات عنيفة ومتطرفة ومسلحة، ولم يناقشوا أنه صار مطلوباً منهم اليوم أكثر بكثير مما كان مطلوباً منهم قبل أحداث «الربيع العربي»، خصوصاً أن حلفاء للأردن في الإقليم قد صنّفوا «الإخوان» في بلدانهم كجماعة محظورة وإرهابية، وبات الأردن تحت مرمى ضغط حلفائه بسبب إصراره بأن الجماعة الأردنية «معتدلة» و «مختلفة» و «جزء من الطيف السياسي كباقي القوى السياسية العديدة الموجودة في الأردن»، كما قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل أشهر في مقابلة مع صحيفة «الحياة».
السؤال عمّن يملأ «الفراغ» الذي يتركه «الإخوان» ينبغي أنْ يطرح في ظل سياقٍ عربيّ مختلف وجديد، سياقٍ اختبر «الإخوان» في مصر فرأى منهم تفضيلاً للجماعة على الوطن، واستبداداً بالسلطة واحتكاراً للحقيقة الدينية، وجنوحاً نحو «التمكين» بدلاً من التركيز على إشراك الآخرين في إدارة السلطة وخلق المناخ الوطني التعددي الآمن المستقر. السياق الجديد أيضاً وضع الظاهرة الدينية أمام مزيد من الأسئلة والنقد والتفكيك الذي يتوسل أن يُصار بعد السنوات الأربع الأخيرة وأحداثها الجسام إلى تلمس انبثاق رؤى حقيقية لـ «الاعتدال الديني»، الذي يقرّ بحركة الحياة وتطورها ولا يخلط بين الدين والتدين، وبين ما هو اجتماعي في التراث الديني وما هو متعالٍ على الاجتماع في النصوص المقدسة ويمثّل روح الدين ومبادئه الأبدية، اعتدال ينظر إلى الناس بسواسية، ولا يقيّم البشر على أساس المحدد الديني، بل على أساس التزامهم بالقانون والدستور والمواثيق، ووفق إنسانيتهم وتحضرهم ومحبتهم وتضامنهم وجديتهم في العمل وخدمتهم لمجتمعاتهم وعدم أذاهم للآخرين، فهذا الصلاح والخيرية التي هي عماد الأديان، وليس عمادها أنْ تتقدم «الأُخوّة الإسلامية» على رابطة المواطنة. الجهدُ الاعتداليّ مطلوبٌ على الجانب السياسي أولاً، لجهة أن يكون الحزب الإخواني الأردني وطنياً وتعددياً ليس فرعاً لتنظيم دولي!