على هامش السجالات اللبنانية التي شهدت في الأيام الأخيرة انحسارا وانكفاء، وبخلاف «مؤشرات انفراج» تتمثل خصوصا في مساع ايرانية ـ سعودية تدعم وتكمل التفاهم السوري ـ السعودي وان تجاوزته وتقدمت عليه، لوحظ تراجع التفاؤل وارتفاع درجة الحذر في الأجواء السعودية حيال تطورات الوضع في لبنان ومساره في الفترة الأخيرة، لاسيما ما يتعلق بأزمة القرار الظني التي لم تجد لها حلا ومخرجا، وأفضل وأقصى ما تم التوصل اليه هو «التأجيل» الذي لا يعدو كونه تأجيلا للمشكلة، وما يتعلق بالعلاقة المترنحة بين دمشق والرئيس سعد الحريري. والأمر اللافت أكثر من غيره هو صدور دعوات سعودية، أخذت في آن شكل نصائح وضغوط، على الرئيس سعد الحريري كي يبادر الى الاستقالة. وهذه الدعوات أطلقها اعلاميون ومحللون قريبون من مركز القرار في المملكة ويعكسون عادة أجواء القيادة السعودية.
وفي زاويته الخاصة في «الشرق الأوسط» كتب طارق الحميد قبل يومين على شكل رسالة موجهة الى الرئيس سعد الحريري تحت عنوان «لو كنت مستشارا للحريري»: «أكتب لكم من باب أن الناصح مؤتمن بأن الوقت قد حان لتتخذوا القرار المناسب، وفق الظروف والمصلحة، وهذا القرار يا دولة الرئيس هو الاستقالة (…) كل ما يحدث اليوم هو ابتزاز من أجل أن تضربوا سمعة المحكمة قبل صدور القرار الظني، وهذا انتحار سياسي، وأخلاقي، وقيادي، يا دولة الرئيس.
وعليه، فإننا نرى، والرأي لكم، أن تقدموا استقالتكم من رئاسة الوزراء، فلن يستطيع سياسي سني أن يأتي مكانكم ويتخذ قرارا يطال المحكمة، فهو يعلم، أيا كان رئيس الوزراء هذا، أن المحكمة قرار دولي، وبالتالي فإن مجرد محاولة المساس بها فإنه سيعد خيانة كبرى، ولن تقبل بها الدول العربية المؤثرة، ناهيك عن الغرب، وحينها ستصبح أنت، أيا كان مقرك الجغرافي، مسعى لهم، سيأتونك لأنك ستكون المنقذ، فلن يحتملوا مواجهة الرأي العام اللبناني الذي سيكتشف خطرهم. تستقيل اليوم يا دولة الرئيس بعد أن قمت بواجبك، وقدمت من التضحيات والتنازلات ما يكفي. لقد آن الأوان، يا دولة الرئيس، أن تفعل ما كان يفعله والدك، فعندما كان، يرحمه الله، يجد أن كل الطرق قد سدت فإنه يستودع الله لبنان وأهله».
وفي زاويته الخاصة في «الحياة» كتب داود الشريان أمس تحت عنوان «الحل… استقالة الحريري»: «إصرار سعد الحريري على التمسك بالحكم وتصوير خروجه من السلطة بأنه تراجع، وجد تشجيعا، وإن شئت، دعما سوريا. الرئيس بشار الأسد قال لـ «الحياة» أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري هو «الشخص المناسب جدا لهذه المرحلة الصعبة». لا شك في أن وجود الحريري في الحكم يشكل دعما لحلفاء دمشق على الساحة اللبنانية. خروج سعد الحريري هو الحل من حالة اللا حل. الاستقالة لن تدخل البلد في فراغ، بل ستمنحه فرصة تاريخية للخروج من أزمته. المعارضة هي التي ستواجه الفراغ اذا خرج الحريري من قصر السراي. استمراره إضعاف لدوره التاريخي، وتهميش لموقعه السياسي المفترض.
اذا خرج الحريري الآن ستواجه المعارضة خصومها الحقيقيين. ستواجه الضغوط الإقليمية والدولية، وستفتقد ساحة المناورة. وسينجو سعد والمطالب اللبنانية. لكن سعد الحريري يريد الحكم والحقيقة في آن. يريد أن يتسلم من دون ثمن. هذا مستحيل. عليه ان يقرر، هل يريد ان يضخم البوم صوره مع زعماء العالم، ويحتفظ بلقب دولة الرئيس؟ ام يريد الحصول على الحقيقة، ومعاودة صوغ التاريخ، وتضخم صفحات كتابه؟ أخرج يا سعد. اعتكف. كن أبا ذر لبنانيا. استمرارك في السلطة قوة لخصومك السياسيين».
هذه الآراء «الشخصية» لا تمثل موقفا رسميا للمملكة السعودية ولا تلزمها في شيء، ولكنها تعكس في ثناياها حالة «تململ» في الرياض ازاء مسار الاوضاع في لبنان.