إكس خبر- يعاني لبنان من هزات أمنية صعبة، وهزات اقتصادية واجتماعية أصعب، وكلّ هذه الهزات يمكن السيطرة عليها بمجرّد توفر النيات لدى القائمين على لبنان، إنما المشكلة تصبح كارثية عندما تكون الهزات التي تضرب لبنان خارجة عن سيطرة أحد، تمامًا كما حصل بالأيام الماضية عندما ضربت لبنان 6 هزات أرضية متتالية لم تتعدّ قوتها الأربع درجات ولم تؤد إلى أضرار، ولكن ماذا لو كانت الهزة المقبلة أقوى من سابقاتها؟
يُقسم العالم، بحسب رئيس جمعية “شبكة سلامة المباني” المهندس يوسف عزام، إلى ثلاثة مناطق وفقاً لاحتمال تعرّضها لخطر الهزات الارضية والزلازل، فالمنطقة الاولى يكون الخطر فيها ضئيلا، ليكبر في الثانية ويشتد في الثالثة، أما لبنان فيقع في المنطقة الثانية المعرّضة لخطر هزات أرضية تصل قوتها لحدود السبع درجات.
يضرب لبنان سنوياً حوالي 600 هزة أرضية، تكون بمعظمها ضعيفة بحيث لا يشعر بها الانسان، إنما إذا تعرّض لبنان لهزة أرضية تصل إلى ست درجات أو أكثر، فإنّ هذا يعني وقوع كارثة ضخمة قد لا يكون لبنان قادرًا على التعامل معها. وفي هذا الاطار، يقول عزام “عند وصول قوة الهزة للست درجات ستصبح مدمّرة، وبالتالي حسب تقديراتنا فإنّ أكثر من 16 ألف مبنى في لبنان معرضون للسقوط مع أيّ هزة أرضية قوية، أي أنّ ما يقارب النصف مليون لبناني معرّضون للموت تحت الأنقاض”. ويضيف: “المباني التي نتحدث عنها هي المباني القديمة التي مضى على بنائها 70 عاماً وما فوق، ومرت عليها حقبة الحرب واُضيفت اليها طوابق مخالفة“.
ويلفت عزام النظر إلى أنّ رخص البناء الحديثة تستوفي كامل الشروط الواجب اتباعها لدرء مخاطر الهزات الارضية، انما غياب الرقابة عند التنفيذ هو الخطر الاساسي بالاضافة الى عدم الاهتمام بعمليات الصيانة. وفي هذا السياق يشير رئيس جمعية “اليازا” زياد عقل إلى أنّ مشكلة البناء الحديث في لبنان هي بالتنفيذ وبغياب الرقابة على المواد المستعملة، أما بالنسبة للمباني القديمة فالمشكلة تتلخص بغياب ثقافة الصيانة، بالاضافة الى مشكلة قانون الايجارات، فلا مالك المبنى يستطيع ترميم مبناه ولا المستأجر يقوم بعملية الترميم.
ويضيف عقل في حديث لـ”النشرة”: “إنّ الخطورة هنا لا تكمن فقط بقضية المباني، بل تتعداها الى كيفية تعامل الدولة اللبنانية مع أيّ كارثة قد تحصل، فماذا لو لا سمح الله سقطت مئات المباني دفعة واحدة؟ هل تعلم أجهزة الدولة كيف يجب أن تتصرّف في حالة كهذه؟ هل تم تعليم المواطنين على كيفية التصرف؟ هل دفاعنا المدني يملك القدرات اللازمة للتصدي لهكذا كارثة ممكن ان تحصل؟” ويلفت عقل النظر إلى أن الطلب من المواطنين توخي الحيطة والحذر كما حصل منذ أيام غير قابل للصرف على أرض الواقع لأنّ توجيه الناس على كيفية التعامل مع الكوارث أمر غير موجود على الاطلاق، ويشدد على ضرورة أن تقوم الدولة بأجهزتها كافة بإجراء مناورات تدريبية تحاكي وقوع كارثة لمعرفة قدرة غرف الطوارئ على التواصل فيما بينها، كما إجراء مناورات إخلاء للطلاب من المدارس والموظفين من أعمالهم.
وهنا يشير عزام إلى أهمية تشريع قوانين تفرض على الشركات تدريب موظفيها وعلى المدارس تثقيف طلابها، حول كيفية التعامل مع الكوارث عند وقوعها، تمامًا كما هو الأمر في الدول المتقدمة. ويلفت إلى أنّ “اجراءات الوقاية يجب أن تتضمّن التدريب والتحضير، ومراقبة عمليات البناء ومسح الابنية القديمة لترميمها”، مشيرا إلى أنّ جمعية سلامة المباني بصدد التعاون مع بعض البلديات بهدف تنفيذ مسح ميداني شامل للمباني في نطاقها، مشددا على أنّ دور الجمعية في هذا الاطار سيبقى محدودًا نظرا لغياب الامكانات، داعيًا الدولة للتحرك سريعًا، لأنّ إهمال هذا الأمر يعني تعريض حياة مئات الآلاف من البشر إلى الخطر.
لا يستطيع الإنسان التحكم بقوة الطبيعة ولا يمكن له أن يسمح أو يرفض حصول الهزّات الأرضية والزلازل، فهذا قضاء الله وقدره، إنما الله نفسه أعطى الانسان عقلا يمكنّه من حماية نفسه، وتقليل نسبة خطر الهزات الارضية، وبالتالي فإنّ غياب الدولة عن تحضير نفسها لمواجهة خطر قادم سيضيف مسبباً جديدا لموت اللبناني، وكأن الدولة تقول لشعبها إن لم تمت جوعا وعطشا، او ذبحا وقنصا، فقد تموت بالهزة الارضية المقبلة.