إكس خبر- كل يوم يمر على أمة العرب، في هذا الزمن المشحون بالأزمات المثقل بالتحديات، هو أسوأ من سابقه، فالأمور تتردى، والأوضاع المضطربة تتفاقم بوتيرة متسارعة، وتظهر فتن وصراعات جديدة هنا وهناك في حلقات من مشروع تدميري واسع النطاق، ينفذ بخبث وإرادة شريرة.
ففي سورية تشتد المواجهات بين قوى الثورة وجيش النظام الطائفي ومن معه من ميليشيات إيرانية ولبنانية وعراقية ومرتزقة آخرين، وتستمر معاناة الشعب السوري وآلامه وأحزانه، وفي العراق يتشبث المالكي وعصابته الطائفية بالحكم بدعم إيراني متعصب، وتزداد حمى الطائفية ضراوة واتساعاً، مهددة وحدة البلاد وأواصر الأخوة والمواطنة، ويبرز «داعش» ليخلط الأوراق، ويربك المشهد في العراق وسورية، ويقيم خلافة فاسدة، ويضعف قوى الثورة ضد نظام الأسد الطائفي، فيقتحم المناطق التي حررها من قبضة النظام في دير الزور والرقة وحلب ويطردها منها، ويستولي على سلاحها، مقدماً بذلك أفضل خدمة وعون لهذا النظام وكأنه جزء منه، ويشوه صورة الإسلام ويخالف تعاليمه وقيمه.
وفي اليمن تزداد ضراوة الميليشيات الحوثية المسلحة والمدعومة من جانب إيران، فتوسع نطاق هيمنتها على مناطق صعدة وعمران والجوف، وتقترب من صنعاء حيث توجد خلاياها المتربصة في سائر أحيائها، مستعدة لساعة الصفر لتثب على العاصمة، وتعلن قيام الدولة الشيعية هناك التابعة للولي الفقيه.
وفي ليبيا يتقاتل رفاق الثورة، فيدمرون أنفسهم ويدمرون الحلم الجميل الذي راود الشعب الليبي عقوداً طويلة للخلاص من ربقة جنون القذافي ونظامه الدموي. وفي لبنان يعطل «حزب الله» التابع لإيران، مؤسسات الدولة اللبنانية، ويفرض جبروته بقوة السلاح على النظام وعلى الشعب، ويحول هذا البلد العريق الجميل إلى ساحة للتوتر والصراع والخوف.
وفي مناطق أخرى من العالم العربي تتوقف عملية التنمية، وتنصرف الجهود للبحث عن الاستقرار والأمن. كل هذا يحدث في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عدوانها الوحشي الإجرامي على قطاع غزة الفلسطيني، تقتل وتدمر ولا رادع لها، فالدول العربية في وضع مؤلم من الانقسام والاحتراب والضعف، والدول الكبرى متواطئة مع إسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني، ومتآمرة على الأمة العربية، ومتوافقة مع إيران في مشروع إعادة رسم خريطة المنطقة بما يحقق مصالحها، ويوفر الحماية والأمن للدولة الصهيونية المحتلة فلسطين.
وليس في الأفق أي مؤشر يدل على أن الأوضاع ستنفرج، والمشاكل ستنحسر، والأزمة ستنجلي، والعرب سيسترجعون أمنهم وسلامتهم واستقرارهم، وذلك راجع كله إلى غياب إرادة الفعل النافذ المؤثر الباني الذي يهدف إلى تدارك ما يمكن تداركه من أمور وحلول، وتشكيل تكتل عربي جديد وجاد من الدول العربية التي لا تزال تنعم بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، لتكون جبهة عربية موحدة وقوية تقف بقوة وصرامة في وجه تيار الفوضى الهدامة الجارف.
فإذا نظرنا إلى منطقة الخليج العربي التي تعد أكثر المناطق العربية استقراراً وتنمية، على سبيل المثل، فإننا سنجد أن الخلافات والاختلافات لا تزال قائمة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وبين قطر من جهة أخرى، بينما تتخذ عمان موقفاً خاصاً وفريداً، وتتخذ الكويت موقفاً آخر بسبب أوضاعها الداخلية السياسية والمذهبية. والأمر نفسه يقال عن دول المغرب العربي، حيث الخلافات والاختلافات لا تزال قائمة. ويعاني السودان من الصراعات السياسية والمواجهات مع الجنوب ومع القوى المسلحة الأخرى ويهدد بمزيد من التقسيم. أما الصومال فمقسم ومتصارع ومتصدع ومنهار، وما بقي لا حول له ولا طول. هذا هو وضع العرب المزري المؤلم اليوم، دماء تسيل، ومقدرات تدمر، وشعوب تعاني، وخلافات تمزق وتشتت، وصراعات طائفية محتدمة، وفوضى هدامة منتشرة ومتفشية، وعدو إسرائيلي صهيوني خبيث يعربد ويبطش، وقوى إقليمية تعمل بكل قوة على التوسع والهيمنة مذهبياً وسياسياً، ودول كبرى استعمارية تخطط وتتآمر وتمكر وتمضي في تنفيذ مخططها الذي يحقق لها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بينما العرب والمسلمون بوجه عام، غائبون عن الميدان، أو عاجزون عن التحرك لإنقاذ ما إلى إنقاذه من سبيل. وهي حالة من الانهيار الذي يؤذن بأوخم العواقب.
أليس هذا الوضع البائس المرعب المخيف مقدمة لما هو أسوأ وأشنع؟ أليس هذا المستوى المتدني من الضعف الذي يسري في كيان العرب يمهد لما هو أخطر؟ أليست المنطقة تقف على شفا جرف هار؟ أليس العرب في أسوأ أوضاعهم وأصعب أحوالهم وفي أخطر مرحلة يمرون بها في هذا العصر؟ فماذا ينتظر مَن بقي سالماً حتى الآن، ليتحرك في إطار استراتيجية عربية إنقاذية تحول دون وقوع المنطقة كلها في أتون الفوضى والدمار والخراب والفشل وذهاب الريح.
الحق أنني لا أرى شيئاً من هذا يحدث. ولست أرى في الأفق ضوءاً يهتدى به للخروج من هذا النفق. لذلك، أقول ويل للعرب من شر اقترب.